ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس
عملية سيف القدس الأسباب والدوافع
فجر يوم الثلاثاء الموافق الحادي عشر من مايو الجاري، أطلقت فصائل مقاومة فلسطينية، عملية عسكرية سمتها "سيف القدس" وهي العملية التي تشارك فيها كل الفصائل المقاومة فيما يعرف باسم "الغرفة المشتركة"، وهي بمثابة غرفة عمليات مشتركة للأذرع العسكرية للفصائل، تلك الغرفة التي تضم الأذرع العسكرية للفصائل الفلسطينية (باستثناء حركة فتح)، التي دخلت في اليوم الخامس من خلال كتائب شهداء الأقصى على الخط وإن لم تكن جزءا من الغرفة المشتركة ولا يعرف إن كانت تنسق معها أم لا، لكن الثابت أن العملية جاءت ردا على الانتهاكات المستمرة للمحتل الصهيوني ضد القدس والمقدسيين وضد الأقصى والمرابطين فيه، جاءت العملية من أجل أن تقول إن المقاومة موجودة للدفاع عن فلسطين كلها لا عن جزء منها، حتى ولو ضم هذا الجزء سكانيا العدد الأكبر من أهل فلسطين، وحتى لو تقاعس الأقرب عن الدفاع عن باقي الأرض، وحتى لو كتم من له حق الكلام صوته عن التحرك في المحافل الدولية كممثل معترف به لوقف هذه الانتهاكات، كان خطاب المقاومة تبريرا للضربة واضحا قاطعا لا لبس فيه ولعلنا بوقفة صغيرة مع البيان الصادر عن الغرفة المشتركة يمكننا قراءة ذلك بوضوح ففي البيان: (نقول للعدو بأننا سبق وأن حذرناه من التمادي في عدوانه على مقدساتنا وأبناء شعبنا، لكنه استمر في غيّه بلا وازع ولا رادع، لذا فقد آن الأوان له أن يدفع فاتورة الحساب).
وتوضيحا للسبب الذي من أجله أنشئت المقاومة وعملت على امتلاك السلاح والعتاد ودربت الرجال ووصلت الليل بالنهار، وسخرت إمكانياتها المادية والبشرية والعلمية.. قالت: (لقد راكمنا قوتنا لحماية أبناء شعبنا في كل مكان ولن نتخلى عنهم مهما كانت التبعات، فسلاحنا هو سلاح لكل شعبنا أينما كان).
من ثم فإن عملية سيف القدس كانت ردا على العدوان لوقف انتهاكات المحتل الصهيوني الذي تمادى عندما وجد ألا رادع يردعه ولا سيفا يقطعه.
النتائج الأولية لعملية سيف القدس
النتائج الأولية لعملية سيف القدس حتى كتابة هذه السطور 181 شهيدا فلسطينيا بينهم 52 طفلا و 31 سيدة و 1225 إصابة بجراح مختلفة بخلاف الخسائر المادية المتمثلة في هدم أربعة أبراج سكنية وعدد من المنازل، طبعا هذه ليست النتائح الأولية التي حققتها عملية سيف القدس، وإنما هذا ما يمكن أن ينجح في استهدافه الاحتلال وطائراته، في بداية العملية استشهد عدد من قادة المقاومة من فصائل مختلفة، وهو أقصى ما نجح الاحتلال في تحقيقه لكن المدنيين هم الهدف السهل لقوات اعتادت الإرهاب، ولما كان قرار المقاومة هو الرد بالمثل أمطرت المقاومة المدن المغتصبة بآلاف الصواريخ في تغير نوعي في أسلوب القصف، وتناوبت الفصائل في قصف المدن والأهداف العسكرية للاحتلال حتى أصبح النوم عزيز تحت تنسيق قصف المقاومة وضربت منشآت حيوية وهددت أخرى وتوقفت العديد من المنشآت الصناعية والتجارية وكذا عدد من المطارات وتحولت الرحلات الجوية القادمة إلى الكيان المحتل لتعود أدراجها أو تهبط في قبرص أو اليونان، فبحسب بيان اتحاد المصنعين الإسرائيليين، فإن الاقتصاد اقتصاد الاحتلال تكبد في الأيام الأولى لعملية سيف القدس ما يتجاوز الـ160 مليون دولار، والشيكل (العملة المتداولة في كيان الاحتلال) يواصل الهبوط متأثرا بالضربات الصاروخية للمقاومة، فالحياة الاقتصادية والتجارية في المدن المغتصبة شبه متوقفة ما اثر بشكل كبير على حركة التداول، لكن التأثيرات العسكرية من خلال نفقاتها بند مهم يوضع في الاعتبار عند قياس حجم خسائر الكيان المحتل من عملية سيف الأقصى، فيكفي أن صاروخ واحد مما تطلقه المقاومة بكلفة 300 دولار إلى ألف دولار يدفع له من القبة الحديدية (منظومة دفاع جوي للكيان المحتل) صاروخ تكلفته خمسون ألف دولار، ولما كانت المقاومة قد اعتمدت على تكتيك الرشقات الصاروخية فإن كل رشقة تكلف الاحتلال ما يقارب المليون دولار تقريبا، حتى تلك الطائرات من نوع أف 16 أو أف 35 أحدث ما انتجته الترسانة الأمريكية، لم تستطع ان تسكت نيران المقاومة رغم تكلفة الطلعة الواحدة لكل طائرة، فبحسب ما تحصلت عليه من البحث في الموضوع، فطلعة واحدة للطائرة من طراز أف 16 تكلف ما يزيد على 45 ألف دولار، هذا الرقم عن عام 2019 ويمكن أن تزيد التكلفة مع فروق الأسعار، وهو ما يعني مزيدا من الأعباء على دولة يحكمها نوع من البشر معروفون بحرصهم على المال.
لكن كل هذا على الصعيد الاقتصادي والمادي، لكن على صعيد النفسي والمعنوي فحدث ولا حرج فدخول المستوطنين في كل المدن المغتصبة في الملاجئ والمخابئ منذ ما يقارب الأسبوع بعد أن أصبحت مدنهم مباحة ومستباحة لصواريخ المقاومة عبء كبير تنفس في صورة التظاهرات الرافضة للحرب في عدد من المدن وإن اضطرتها صواريخ المقاومة للسكوت، وعلى الصعيد السياسي وصل الحال بأفيغدور ليبرمان عزرا رئيس حزب يسرائيل بيتنا إلى اتهام نتنياهو بتعريض وجود "إسرائيل" للخطر، لاسيما وأن المدن المختلطة دخلت على خط المقاومة وبدأت عمليات نوعية واحتجاجات واسعة تقوض استقرار تلك المدن ما يشكل تهديدا لساكنيها من المستوطنين، لكن المهم والمرعب لقادة كيان الاحتلال هو تحرك الشعوب العربية وعلى رأسها الأردن ولبنان نحو الحدود وندائها للشعب المصري كي يتداعى مع أخوته في البلدين لإنقاذ الشعب الفلسطيني، وهي واحدة من النتائج الخطيرة ليس فقط على الكيان المحتل وقادته بل على قيادات تلك الدول الحارسة والداعمة للاحتلال.
أسئلة مشروعة بين يدي العملية
في ظل هذه النتائج الأولية المقنعة لعملية سيف القدس تجدر أسئلة مشروعة لاسيما وأن إمكانية استثمار العملية ممكن في ظل هذا الزخم الشعبي والتخبط الذي يعيشه الكيان المحتل على مستوى الشعب والقيادة، حتى أن المقال الرئيسي لصحيفة يديعوت أحرونوت منذ أيام كان عن الدقة التي تصوب بها الصواريخ لتحقق هدفها، ويشير المقال إلى أنه في الماضي كانت المقاومة تطلق صواريخ بعيدة المدى من غزة، حتى أنها وصلت إلى حد الخضيرة، لكن لم تكن دقيقة وأغلبها كان يسقط في البحر. وكان هناك صواريخ في المعارك السابقة مع غزة انفجرت في الجو. أم الآن فإن صواريخ المقاومة لديها رؤوس حربية ثقيلة، والأهم أنها دقيقة إلى درجة أن جيش الاحتلال ومخابراته لم يقدّر أن المقاومة تمتلكها.
لكن السؤال، لماذا لم تزود إيران المقاومة بمزيد من الصواريخ النوعية أو البالستية أو لماذا لم تمد المقاومة بخبرات أو وسائل تصنيع تلك الصواريخ، أو لماذا لم ترسل الخبراء أو تستقبل المتدربين وصولا لكي تحوز المقاومة هذه النوعية من الصواريخ، كما فعلت مع ميليشيا الحوثي في اليمن، وإن كنت غير متخصص، لكن انجازات المقاومة في تصنيع صواريخها ومسيراتها، جعلت من السؤال منطقيا.
ولا يزال الحديث عن إيران، والأسئلة مشروعة، في فضاء الكلام، وما هو متاح لنا إن كان متاحا، أين فيلق القدس التابع لمرشد إيران والذي يقتطع من مقدرات الإيرانيين ومن ضرائبهم ومواردهم مئات الملايين من الدولارات، ويكفي أن نذكر بأن البرلمان الإيراني خصص 200 مليون يورو فكم تكون ميزانيته بالأساس، لكن تلك الــ 200 مليون من أين تأتي؟ تأتي من موارد الصادرات الإيرانية للعراق فأموال العراق يمول بها توسيع نشاط فيلق القدس، ولا أظن أن عراقيا وطنيا يمكن أن يمانع في ذلك، طالما أن فيلق القدس يعمل على تحرير القدس والمسجد الأقصى، ولا أظن أن عراقيا يمكن أن يرفض فيما لو ساهمت تلك الملايين في مساعدة المقاومة الفلسطينية.
أيضا يلح عليّ سؤال عن حزب الله اللبناني الذي يضع الاحتلال الصهيوني هدفه الذي يوجه له سلاحه، فالحزب يضع نفسه في خندق المقاومة ويرى وجوده مرتبطا بوجود الاحتلال ويرى في نفسه سببا لإزالته، ويرى أن تحرير القدس والأقصى سيكون على يدية، منذ أيام قالت وسائل إعلام إيرانية إن حزب الله اللبناني جاهز لتنفيذ عمليات ضد الاحتلال الصهيوني إذا طلبت منه فصائل المقاومة في غزة ذلك، ويتعجب من يطالع الخبر الذي يصدر عن وسائل إعلام إيرانية، ويتعجب أيضا من صيغته، ليضع سؤالا آخر يضاف إلى الأسئلة السابقة، لماذا ينتظر الحزب طلبا من المقاومة في غزة؟ أليس فعل المقاومة واحد ويكمل بعضه بعضا؟
أجوبة مشروعة على الأسئلة المطروحة
لعل القارئ لا تعجبه المقالات المفتوحة التي تطرح أسئلة وتترك الأجوبة للقارئ، ولعلني هنا أجاوب عن تلك الأسئلة باختصار، ولعلني أيضا قد أغضب البعض في خضم المعركة الدائرة، لكن واجبنا يحتم علينا أن نتكلم ولو غضب البعض، فالحقيقة هي هدفنا..
فلا ينتظر أحد من إيران وفيلقها أن تعطي للمقاومة سلاحا نوعيا، ولا ينتظر أحد من إيران وفيلقها أن تنفق على مشروع القدس وتحريره، فلم تطلق إيران ولا حرسها الثوري ولا جيشها ولا فيلق قدسها طلقة واحدة باتجاه المحتل الصهيوني، فلقد ضاعوا في طريقهم إلى القدس في سوريا واليمن والضاحية وبغداد وصنعاء، فالقدس والقضية بالنسبة لطهران هي المطية التي من خلالها يمكن الوصول إلى قلوب وعقول المسلمين، ومن ثم إيجاد القبول اللازم لكل ما قد يفعله قادة إيران في المسلمين، على الرغم من أن مشروع كل من إيران والاحتلال الصهيوني متقارب وهدفهم واحد حتى أدواتهم تتشابه، فطريق القدس الذي يمر من الزبداني، أحال عواصم عربية كثيرة ، التي كان من الممكن أن تكون رافعة للقضية وداعمة للمقاومة، إلى ركام يرقد تحتها مئات الآلاف من العرب والمسلمين، وحول عواصم أخرى كان من الممكن أن تذهب أموالها التي تنفقها لصد عدوان إيران وميليشياتها، إلى المقاومة وتساهم في تحرير القدس، وللبيت رب يحميه والرهان على الشعوب العربية بعد أن تتحرر مما هي فيه و أول خطوات التحرير تبدأ بالوعي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس