ترك برس
كشف خبراء اقتصاديون عن انعكاسات انتعاش الليرة التركية على استثمارات الأجانب في البلاد، وذلك في أعقاب إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سلسلة إجراءات اقتصادية قبل أسبوع تقريبا، أبرزها طرح آلية جديدة لحماية العملة الوطنية، من التذبذبات أمام الدولار.
وعقب إعلان أردوغان عن الآلية المالية الجديدة، صعدت الليرة -التي كانت انخفضت في وقت سابق إلى حوالي 18.4 مقابل الدولار- لتبلغ 10 ليرات.
ويرى خبراء مختصون بالاقتصاد التركي أن فهم تقلبات سعر الصرف والمؤشرات الاقتصادية الكلية والجزئية يتطلب قراءة خاصة بعيدا عن أنماط التحليل الاقتصادي التقليدية، مؤكدين أن هذه القراءات تنعكس على كافة المسارات المتعلقة بالأداء الاقتصادي، وفي مقدمتها الاستثمارات الأجنبية التي تجلب العملة الصعبة للبلاد.
إذ ترمي الأداة المالية الجديدة التي لجأت لها الحكومة التركية إلى التخلص من نظام "الدولرة" الذي حفزته خلال السنوات الأربع الماضية كثير من العوامل من بينها الهشاشة المالية وعزل رأس المال والضغط الجيوسياسي وانتشار فيروس كوفيد-19، وهي عوامل جعلت من الدولار عملة التحوط الصعبة التي يلجأ لها المدخرون على حساب الليرة.
ووفقا للخبراء فإن الأصول في الاقتصاد التركي ما زالت رخيصة جدا، لكن الاستثمارات الأجنبية بالبلاد تنطوي على بعض المخاطر المتعلقة بالتضخم ورصيد الحساب الجاري.
ونقل تقرير لـ "الجزيرة نت" عن طان هاسكول الخبير الاقتصادي التركي والعضو المؤسس بشركة "إنتيل كيت"، قوله إن اهتمام الأجانب بالأصول التركية مرتفع للغاية، لكنه لا يعتقد أن ذلك كافيا لجلب الاستثمارات ما لم يقترن باستقرار العملة المحلية، مشيرا إلى أن المستثمر الأجنبي لا يمول استثمارا لا يستطيع قياسه مهما كانت أسعار الأصول رخيصة، الأمر الذي يتطلب توقف التقلب في سعر الصرف لتكون الاستثمارات قابلة للقياس بالدولار.
ويعتقد أن "النظام المالي الجديد الذي يجعل الاحتفاظ بالودائع بالدولار بلا معنى سيقلل بشكل كبير من التقلبات في سعر الصرف، وسينهي التقلبات العبثية القديمة في الليرة، وبالتالي سيزيد من اهتمام المستثمرين الأجانب بالأصول الجذابة بالفعل"
ويشير هاسكول، إلى أن أول من يتأثر باستقرار سعر صرف الدولار مقابل الليرة هو قطاع البنية الفوقية ذات مخاطر الأداء المنخفضة كالفنادق والمستشفيات والمساكن وغيرها من الاستثمارات التي طالما جذبت اهتمام المستثمرين الأجانب، مؤكدا أنه شهد شخصيا إلغاء العديد من المشاريع والاستحواذات في مرحلة العقد بسبب تقلب سعر الصرف.
كما يتوقع أن يحقق قطاعا التمويل والمصارف المتعلقين بالمشتريات والمشاريع أرباحا كبيرة بعد استقرار سعر صرف الدولار، ثم القطاعات المتعلقة بأصول البنية الفوقية، حيث سيزداد زخم عمليات الاستحواذ، موضحا أن تحقيق المكاسب بالاستثمارات الخارجية سيكون تدريجيا وإيجابيا على جميع القطاعات والاستثمارات.
ويعتقد هاسكول أن يستغرق استقرار الليرة وقتا "لن يكون طويلا جدا" كما يعتقد أنه سيترافق مع تحسن تدريجي في نظام الائتمان وتوريد الليرة بالسوق المحلية حيث يعمل هذا على تسريع النمو بالاستفادة من الأداء الاقتصادي الإيجابي الحالي، متوقعا توسعا اقتصاديا مشابها للذي شهدته تركيا خلال الفترة بين 2003-2007.
كعكة المستثمرين
ورغم الاعتقاد السائد الذي يراه البعض بـ "تنامي الصراع الجيوسياسي بين تركيا وحلفائها القدامى من الدول الغربية" فإن الغربيين ما زالوا يستأثرون بالحصة الأكبر من أسعار الأصول في تركيا، حيث تظهر الإحصاءات أن أكبر هذه الاستثمارات عام 2020 كانت تعود لهولندا بنسبة 15.9% ثم الولايات المتحدة بـ 7.8%، وتحل دول الخليج العربي مجتمعة ثالثة بنسبة 7% ثم النمسا 6.4% فألمانيا 6.2% ثم لوكسمبورغ 6% وإسبانيا 5.8% وبلجيكا 5.3% وفرنسا 4.6% وأذربيجان 4.3% فاليونان 4.1%، و19.5% موزعة على بقية الدول.
وتحتل الشركات الإيرانية والسورية والسعودية المراتب الثلاث الأولى تواليا من حيث عدد الشركات التي تأسست في تركيا خلال عام 2019، تليها شركات لمستثمرين من العراق والأردن ومصر وألمانيا والإمارات وليبيا، حيث بلغ عدد الشركات الأجنبية مجتمعة 12 ألفا و634 شركة برأس مال إجمالي بلغ 5.7 مليارات ليرة (ما يعادل نحو مليار دولار) في ذلك الحين.
ويأمل هاسكول أن يتغير واقع الاستثمارات الأجنبية في تركيا لصالح زيادة الاستثمارات العربية واستثمارات دول العالم الإسلامي والخليج العربي خاصة قطر، داعيا مستثمري هذه الدول الى الاستفادة من ميزة أسعار الأصول الرخيصة والاستفادة من مشاعر الأخوة والتعاطف التي تربط هذه البلدان بأنقرة.
من ناحيته، يعتقد خبير الاستثمارات في تركيا خالد دياربكرلي أن ما تقدمه الدولة من تسهيلات للمستثمرين الأجانب وانخفاض تكلفة الإنتاج سيشجع الكثيرين منهم على ضخ أموالهم أكثر، سيما مع ترسخ قناعات الكثيرين أن قيمة استثماراتهم لن تنخفض مقارنة بالدولار، حيث كان انخفاض قيمة سعر صرف الليرة يأكل رأس مال المستثمرين الأجانب ويقلص أرباحهم.
ويقول دياربكرلي إن القطاعات غير الإنتاجية مثل العقار والأصول الثابتة ستكون أكثر المستفيدين من استقرار سعر صرف الليرة نظراً لقدرتها على الاحتفاظ بالأسعار التي حققتها قيمها السوقية خلال الشهور الأخيرة.
ويرى أن أهم مشاكل الاستثمار في تركيا كان يتمثل في تذبذب سعر صرف الليرة حيث كان المستثمرون يخشون تآكل رؤوس أموالهم بانخفاض هذه العملة، معربا عن قناعته بأن استقرار سعر الصرف سيمنحهم الدافع لرفع استثماراتهم.
لكن الخبير التركي يشير إلى أن تحسن سعر صرف الليرة بشكل كبير لن يكون مفيدا للسوق التركي، حيث سيُفقد البضائع المحلية ميزتها التنافسية التي تجلب العملة الصعبة من الأسواق الخارجية.
يُذكر أن الآلية المالية الجديدة المسماة "وديعة الليرة التركية المحمية من تقلبات أسعار الصرف" تضمن للمودع بالليرة عدم الوقوع ضحية لتقلبات أسعار الصرف، والحصول على الفائدة المعلنة، يضاف إليها الفرق في سعر الدولار بين وقت الإيداع والسحب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!