مهنا الحبيل - الخليج أونلاين
لا يزال البعض يطرح ملف العلاقات الخليجية التركية في معادلة التوازن مع إيران، وهو بعد حقيقي لكنه يروّج في خطاب رغبوي ساذج لا يُريد أن يُبصر الحقيقة والمتغيرات، لقد كان مقترح مشروع التعاضد التركي العربي الخليجي مطروحاً بالفعل في العهد الأول لحزب العدالة التركي، منذ أن كان الرئيس أردوغان رئيساً للحكومة، والرئيس عبد الله غل رئيساً للدولة، ووزارة أحمد داود أوغلو في الخارجية.
وكانت هناك رغبة حقيقية في صناعة هذا التوازن الجيوسياسي للطرفين، غير أن الشكوك كانت قائمة بسبب الإرث التاريخي للصراع العثماني العربي، ثم ما قُفز عليه من تطور العلاقات التركية مع بعض الجماعات الإسلامية، وانهيار الموقف بعد الثورات المضادة للربيع العربي، ولكن رفض تطوير تلك العلاقات لم يكن أمراً حتمياً، بل كان بسبب تحفز بعض الدول الخليجية غير المبرر، وهو ما فوّت فرصةً نوعية على الطرفين.
ورغم أن الرهان على انخراط تركيا في صراع جيوسياسي مع طهران، والانغماس في حرب طائفية باردة كان مرفوضاً في السياسة العليا لأنقرة، لأسباب لوجستية وتاريخية، لا تقبل أن تعود لإرث الصراع العثماني الصفوي، بعد قيام تركيا الحديثة، فإن البعض ظل يراهن على هذا الوهم، أما اليوم فقد تحولت الصورة كلياً، في منظومة كلا الفريقين لرؤيتهم لمصالحهم مع طهران.
فالحليف الاستراتيجي لتركيا، وهي دولة قطر، تحافظ على منظومة علاقات متطورة مع طهران، وخاصة أن إرث الأزمة الخليجية في دروسها، ورغم إغلاق ملفاتها فإنها أعطت الدوحة مدار فهمٍ عميقاً للمحافظة على الجيوبولتيك الحسّاس، كما أن الرياض، وهي الدولة الكبرى في الخليج العربي، قطعت مشواراً مهماً في تنظيم علاقاتها مع إيران، وإن بقيت دوائر القلق والترقب بينهما قائمة، لكن استمرار نظر الرياض في اتجاه رفض ابتزاز الغرب، لصورة العداء المطلق مع إيران، بات يمثل صناعة جديدة للسياسة الخارجية في عهدها الجديد.
كل ذلك لا يلغي جرائم إيران السياسية والطائفية، ولا خطايا الخليج العربي الكبرى التي مكنت لسياساتها، غير أن المسرح الواقعي يقوم اليوم على منظومة تعزيز المصالح البينية على أساس براغماتي صرف، وليس في هذا الأمر عيب لو كانت دول الخليج العربي أحسنت إدارة الصراع والمصالح، التي تخدم أيضاً الشعوب العربية المضطهدة من إيران، غير أن تلك الخطايا ساعدت طهران لتمسك بقاعدة اللعبة وتُحيدهم.
وها نحن نشهد تراجع زخم المعارضة الثائرة فيها، واحتواء عقل فارس للمسرح الإقليمي والدولي الكبير، وهنا نفهم عودة الإمارات العربية المتحدة لتعزيز علاقاتها الواسعة بلا تحفظ مع إيران، وأما مسقط فموقفها كان ثابتاً من زمنٍ قديم، فلديها توازن وحساسية تاريخية، حرص السلطان قابوس على ألا تُستدعى، وأن يَبقى الجسر الفارسي العربي حيوياً بين عُمان وإيران الطائفية.
وللكويت أيضاً مساحة دقيقة وحسّاسة في داخلها وفي حدودها، لا تسمح بأن يتوسع التوتر مع إيران، رغم تورط الأخيرة في عمليات عسكرية وسياسية نفذتها جماعات تابعة لها، ضد الكويت وأميرها الأسبق، شملت دولاً خليجية أخرى.
إذن هذه الرؤية التي تستدعي ذلك الصراع وتريد أن تضعه في ميزان العلاقات الجديدة هي اليوم أوهام لا حقيقة لها، وذلك لا يعني أن دول الخليج العربي، وبالذات الرياض والبحرين، لا تزال تراقب بقلق تصاعد النفوذ الإيراني، غير أن طريقة إدارة الصراع، وهنا السعودية هي المدار الأكثر والأبرز، اختلفت عن المنهجية السابقة.
كما أن القول بأن علاقات السعودية العائدة مع أنقرة تُعزز موقعها كحليف أمام إيران هو قول غير صحيح، لا من خلال تقدير الرياض لمساحتها الحذرة من التقارب مع تركيا، ولا من خلال البناء على مواجهة سياسية مفترضة بين تركيا وإيران، فالجميع يسعى لتأمين مصالحه في علاقة بينية، بل حتى دول الخليج العربي التي كانت تتفاوت في علاقاتها مع إيران، هي اليوم أكثر استقلالاً في تحديد حجم علاقاتها السياسية وغيرها، وقد شمل ذلك أبوظبي والرياض، وانتهى موسم الاتحاد في التصعيد الإعلامي مع الإيرانيين.
ولذلك فإن المساحة المرجوة هنا هو أن تتطور العلاقات الثنائية، وبالذات الاقتصادية، بين تركيا ودول الخليج العربي، وأن تتعزز الثقة لصالح شعوب المنطقة، وإذا كانت رؤية مجلس التعاون الخليجي قد تتجه نحو طرح (6+1) بإشراك طهران في الحوار الأمني السياسي، فإن ضم تركيا هنا سيكون لصالحها لتكون (6+2).
فهو حوار يجب ألا يعطي مساحة تدخل لأي منهما، لكنه يُفعّل قوة الخليج الدبلوماسية الجماعية واستقلالها الضعيف، أمام المستقبل الدولي العاصف الجديد للخليج العربي، بين موسكو وبكين وواشنطن والغرب، فبدل أن يستثمر الآخرون مخاوفك، استثمر مخاوفهم ورغباتهم لمصلحتك.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس