ترك برس
في شهر يوليو الماضي، أشعلت إيران الخلاف بينها وبين كل من الكويت والسعودية عندما لوّحت ببدء عمليات الحفر والتنقيب في حقل الدرة للغاز (آرش بالفارسية)، والذي يقع في المنطقة المغمورة المشتركة بين الكويت والسعودية، وتدّعي طهران أن جزءاً منه يقع في منطقة بحرية تابعة لها، رغم أنّ حدودها البحرية غير مرسّمة مع الكويت بعد.
وأعلن المدير التنفيذي لشركة النفط الوطنية في إيران، محسن مهر، أنّ الشركة جاهزة لبدء عمليات الحفر في حقل الدرة، مؤكداً أنّ مجلس إدارة شركة النفط الوطنية اعتمد موارد مالية كبيرة لتطوير هذا الحقل، وأنّه سيتم البدء في العمل فيه في أقرب وقت ممكن على اعتبار أنّ الظروف سانحة على حدّ زعمه.
إعلان مهر جاء عقب جولة فاشلة من المفاوضات مع دولة الكويت في آذار/ مارس الماضي لاعتماد آلية لترسيم الحدود البحرية، عقب اقتراح الجانب الإيراني اعتماد نسب خاصة للحصص في الحقل وإجراء استثمار مشترك، تلاه اجتماع إيراني مع السعودية بعد التطبيع والوساطة الصينية وذلك بهدف إقناع الرياض باعتماد مبدأ المحاصصة.
وتهدف الاستراتيجية الإيرانية إلى خلق شرخ في الموقف الموحّد بين الكويت والسعودية حول حقل الدرة، ومحاولة التفاوض مع الكويت منفردة لوضع الضغوط عليها بالإضافة إلى تخييرها بين المحاصصة وفرض الأمر الواقع مستقبلاً من خلال مباشرة الاستثمار في أعمال التنقيب في الحقل.
الموقف الإيراني التصعيدي هذا يعدّ بمثابة أول اختبار حقيقي لعملية التطبيع التي جرت مؤخراً بين طهران والرياض، وهو ينبع على الأرجح من حسابات خاطئة تتعلق بالتوقيت والمضمون، إذ تعتقد طهران ربما أنّ التوقيت مواتي لناحية الضغط ومحاولة فرض أمر واقع، وأنّه لن يكون هناك رد فعل دولي إذا ما قامت إيران بإنشاء موطئ قدم لها في الحقل على اعتبار أنّ حاجة الغرب إلى موارد الطاقة في ظل الحرب الروسية-الأوكرانية عالية، ولذلك فقد يتم غض النظر عن تجاوزات طهران.
وترفض الكويت السياسة الإيرانية بهذا الشأن كما هو الحال في ما يتعلق باقتراح المحاصصة. وتعتمد الكويت استراتيجية مضادة للاستراتيجية الإيرانية تقوم على التأكيد على وحدة الصف والموقف الكويتي والسعودية في ما يتعلق بحقل الدرّة، وعلى دعوة الجانب الإيراني إلى التفاوض مع الكويت والسعودية مجتمعتين حول هذا الموضوع وذلك لحرمان إيران من أي فرصة لممارسة ضغوط على الكويت والتفريق بين الموقفين الكويتي والسعودي.
وفي 21 آذار / مارس 2022، وقعت الكويت والسعودية اتفاقية لتطوير الحقل بقدرة تصل إلى مليار قدم مكعبة و84 ألف برميل من المكثفات يومياً. وقد اعترضت إيران على الاتفاق حينها واصفة إيّاه بأنّه اتفاق غير قانوني، ومطالبة بأن يتم اعتماد المحاصصة في الحقل. وتتقاسم الكويت والسعودية عوائد استخراج النفط من المنطقة المحايدة بينهما مناصفةً، وتغطي المنطقة المحايدة مساحة 2230 ميلا مربعا. وتقول تقديرات إنّ الاحتياطي النفطي فيها يبلغ حوالي 30 مليار برميل بالاضافة إلى 60 تريليون قدم مكعبة من الغاز.
وأشار المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، إلى أنّه إذا لم تكن هناك رغبة في الاستخدام المشترك للحقل، فإن إيران ستضع حقوقها ومصالحها أولاّ ولن تقبل أي انتهاك لحقوق الشعب الإيراني. وتتقاطع تهديدات كنعاني مع تهديدات وزير النفط الايراني جواد أوجي الذي قال إن بلاده تتابع حقوقها ومصالحها في الحقل، وأنّها لن تتسامح مع أي انتهاك لحقوقها هناك.
بناءً عليه، حاول بعض المسؤولين الإيرانيين الدفع باتجاه اعتماد سياسة استباقيّة تقوم على استغلال الحقل أولاً بدلاً من المطالبة بالحق فيه خوفا من أن تقوم الكويت والسعودية بذلك أوّلاً. وقد حذّر رئيس مجلس إدارة جمعية شركات حفر النفط والغاز الإيرانية هدایة الله خادمي من هذا الأمر، مشدداً على أنه إذا لم تبدأ إيران الاستخراج من حقل الدرة هذا العام، فلن تكون قادرة على فعل ذلك بعدها.
وردّت السلطات الكويتية والسعودية في بيان مشترك في 3 آب/ أغسطس يشير إلى أنهما وحدهما تمتلكان حقوق السيادة المطلقة في ما يتعلق باستغلال الثروة في تلك المنطقة (حقل الدرّة). الرد والرد المضاد لا يزال مفتوحاً على مصراعيه، وهو ما يشير إلى أنّ احتمال التصعيد في الملف سيبقى قائماً مستقبلاً في السر أو العلن. ويهدّد التصعيد الإيراني في الملف عملية التطبيع التي تجري مع السعودية مؤخراً والتي كانت قد شهدت تقدّماً كبيراً لاسيما مع الوساطة الصينية مؤخراً.
لكن إلى أي مدى تستطيع إيران الاستمرار في دفع حدود التطبيع إلى أقصى جد قبل أن تتسبّب في انهياره؟
ربما سيكون من المهم بمكان متابعة التقدّم في الأعمال الكويتية-السعودية المشتركة في الحقل لتقييم حدود رد الفعل الإيراني، ومراقبة الموقف الأمريكي والأوروبي كذلك لاختبار مدى صحّة الفرضية الإيرانية القائلة إنّه قد يتم غض الطرف عن تصعيد إيراني محتمل في حول الحقل بسبب الحاجة إلى المزيد من موارد الطاقة في خضم الحرب الروسية-الأوكرانية.
**مقال تحليلي للكاتب والمحلل السياسي د. علي حسين باكير، نشرته صحيفة عربي21 الإلكترونية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!