د. سمير صالحة - أساس ميديا
كان حلم السويد وأميركا والأمين العامّ للحلف الأطلسي فتح أبواب التكتّل أمام السويد قبل نهاية عام 2023، لكنّهم فشلوا في تجاوز العقبتين التركية والمجرية.
أشعل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال قمّة فيلنيوس الأطلسية في تموز العام المنصرم الضوء الأصفر أمام عضوية السويد في الحلف بعدما كان أحمر لفترة زمنية طويلة. تتّجه الأنظار هذه المرّة صوب الضوء الأخضر التركي وموعد سحب أنقرة لتحفّظاتها وغلق باب مطالبها التي لا تعني استوكهولم وحدها، بل العديد من الدول الغربية الشريكة وعلى رأسها واشنطن. جاءت خطوة أنقرة الثانية قبل أسبوعين تقريباً من داخل البرلمان التركي، بعدما حصل طلب الانضمام على موافقة الأغلبية في لجنة الشؤون الخارجية التركية. القرار النهائي سيُتّخذ من قبل البرلمان، ولم يتّضح بعد الجدول الزمني لمناقشة الملفّ والتصويت عليه. لكنّ هناك الكثير من الخبراء والمتابعين للملفّ في تركيا والغرب يردّدون أنّه إذا لم تقع مفاجأة آخر لحظة، وهي مستبعدة بحسب بارومتر العلاقات التركية الغربية والتركية السويدية، فإنّ احتمال جلوس المندوب السويدي إلى طاولة تضمّ 31 دولة أطلسية في القمّة المقبلة غير مستبعد اليوم، مع أنّ ما تقوله وتريده أنقرة أبعد بكثير ممّا تطالب به بودابست.
السويد والمفاوضات الصعبة
واكب طلب عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي الذي بدأ في أيار 2022 عبر مفاوضات صعبة وشاقّة تقدّمت باتّجاهين: مسار التفاوض التركي السويدي الذي أعطى أنقرة الكثير ممّا تريده في قضايا رفع الحظر عن تزويدها بالتكنولوجيا العسكرية المتطوّرة وتراجع استوكهولم عن دعم من تصنّفه تركيا بالإرهابي وتسليم مطلوبين أتراك للعدالة في أنقرة. ومسار التفاوض التركي الغربي والتركي الأميركي تحديداً الذي بدأ يعطي نتائجه الإيجابية في ضوء التصريحات والمواقف المعلنة من الجانبين بعد زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لتركيا قبل أيام.
ما الذي يدفع إردوغان الذي لم يستقبل بلينكن خلال زيارته لأنقرة في مطلع تشرين الثاني الماضي، وانتقده مباشرة بسبب تصريحاته التي قال فيها إنّه يزور إسرائيل لكونه يهودياً وليس ممثّلاً لبلاده، واتّهمه بتحويل العدوان الإسرائيلي على غزة إلى حرب دينية، إلى تبديل موقفه واستقباله في إسطنبول بحضور وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ورئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم كالين؟
ما الذي دفع وزير الخارجية التركي ليكون أكثر ليونة خلال استقبال نظيره هذه المرّة بعكس لقاء مطلع تشرين الثاني عندما بادر بلينكن لمعانقة فيدان بعد مصافحتهما، إلا أنّ الأخير رفض ذلك، في موقف محرج ظهرت آثاره على وجه الضيف الأميركي؟
هل تحوّل العدوان الإسرائيلي على غزة إلى فرصة للتقريب بين واشنطن وبين ما تقوله وتريده أنقرة هناك؟ وهل هو ما دفع وزير الخارجية الأميركي لبدء جولته الشرق أوسطية من العاصمة التركية هذه المرّة؟
كان الرئيس الأميركي بايدن آخر من تحدّث عن المقايضة التركية الأميركية بقوله: "أنتم تمرّرونها، أي عضوية السويد، عبر البرلمان، وسأمرّرها، صفقة الطائرات، عبر الكونغرس بالطريقة نفسها. دعوا أنتوني بلينكن وهاكان فيدان يتعاملا مع هذه العملية في وقتٍ واحد". هل بدأت عملية التراجع خطوة مقابل خطوة في العلاقات التركية الأميركية مع وصول الجانبين إلى قناعة استحالة أخذ المطلوب بأسلوب الضغط على الطرف الآخر؟ تركيا لا تريد الابتعاد عن الغرب أو اعتماد نهج مستقلّ أكثر من ذلك. وأميركا لا تريد التفريط بعلاقتها مع تركيا، وتدرك أكثر فأكثر مدى حاجة الغرب والشرق إليها في هذه الآونة.
المكاسب التركية
ستأخذ أنقرة في حصيلة التفاهمات مع الغرب الكثير ممّا تريد:
- دعم العواصم الغربية لاقتصادها الذي يعاني من موجات صعود وهبوط حتى اليوم .
- ضوء أخضر أميركي للتصعيد ضدّ المجموعات الإرهابية على حدودها مع سوريا والعراق، مصحوب بسياسة أميركية جديدة هناك.
- الوصول إلى ما تريده في صفقة مقاتلات إف - 16 الأميركية.
- إصلاح العلاقات مع الاتحاد الأوروبي عبر تهدئة سياسية وأمنية على أكثر من جبهة إقليمية.
- إقناع الغرب بفوائد مواصلة انفتاحها على روسيا في ملفّات ثنائية ودولية.
- تعزيز العلاقات الاقتصادية بين تركيا والسويد.
كذلك أميركا لا تريد أن تخرج خاسرة في هذه الصفقة، فهي تطالب تركيا أيضاً بمراجعة سياستها الروسية والإيرانية والتشدّد أكثر في ملفّ حوض البحر الأسود مع بوتين، وعدم عقد المزيد من الاتفاقيات الاستراتيجية البعد مع موسكو في مسائل الطاقة والتجارة ومناطق القوقاز والقرم.
قصد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إسطنبول، وأعلن من هناك عن تحوّل إيجابي في ملفّ أطلسية السويد، واحتمال حسم الملف أمام البرلمان التركي خلال الأيام القليلة المقبلة. فهل تتحوّل زيارة بلينكن المفاجئة والخاطفة ولقاؤه المطوّل مع الرئيس التركي بحضور فيدان وكالين، إلى فرصة لفتح الأبواب أمام مسار جديد من الحوار بين البلدين؟ وهل تخلّت واشنطن عن سياسة استبعاد أنقرة عن ملفّات إقليمية تتضارب فيها المواقف والمصالح وتريد بحثها مع أطراف أخرى على حساب الجانب التركي الذي كان يقابل ذلك بتوسيع رقعة الانفتاح والتعاون مع روسيا والصين وإيران؟
هل تمّ الوصول إلى قناعة تركية أميركية جديدة بأنّ الوسيلة الوحيدة لتفعيل الحوار بينهما وعدم تعريض العلاقات للخطر أكثر من ذلك، هي الجلوس والتفاهم حول الحدّ الأدنى الذي لا بدّ منه في مسائل وقضايا عالقة منذ أعوام وتتراكم وتتضاعف بسببها الخلافات التي تحوّلت إلى اصطفاف سياسي واقتصادي يهدّد الشقّ العسكري والأمني في علاقاتهما؟
قد يكون بلينكن نجح في مهمة التفاهم مع أنقرة حول تزويدها أربعين مقاتلة من طراز إف – 16 وتحديث 80 مقاتلة كخطوة أولى على طريق التقارب من جديد. وقد يحصل على ما يريده في مسألة تسريع عضوية السويد في الأطلسي. لكنّ ما هو غير واضح حتى الآن هو ما إذا كانت أنقرة ستبدي انفتاحاً على المطالب الأميركية والنقاشات حول ملفّ الحرب في القرم وإصرار واشنطن على المشاركة في خطط "حماية" الملاحة في حوض البحر الأسود والدفاع عن اتفاقية مونترو للمضائق، فهل يعطيها إردوغان ما تريد وهو يستعدّ لاستقبال نظيره الروسي بوتين؟
ينتقد البعض التحوّلات الحاصلة في سياسة حكومة العدالة والتنمية الإقليمية والدولية التي يرافقها الكثير من التفاهمات والعقود والصفقات ذات الطابع السياسي والاقتصادي الاستراتيجي، ويصف ما يجري بالتراجع والتنازلات. يقول الواقع القائم إنّ حماية المصالح لا بدّ أن تواكبه استدارات ومراجعة سياسات أيضاً بمسارات فيها الكثير من البراغماتية، وهذا ما فعلته أنقرة أخيراً مع القاهرة وأثينا وبغداد، فلِمَ لن تفعله مع استوكهولم وواشنطن؟
توتّرت علاقات الحليفين التركي والأميركي أكثر من مرّة في عهد أكثر من رئيس وحكومة. تعترض أنقرة على سياسة واشنطن في قضايا حسّاسة بالنسبة لها. الجانب الأميركي أيضاً له تحفّظاته على الكثير من المواقف التركية. هل يتحوّل امتحان ما بعد 7 تشرين الأول، إلى فرصة لإصلاح وترميم ما تهدّم؟ أم أولوية مصالح تل أبيب ستظلّ عقبة في طريق سيناريو من هذا النوع؟
قال الرئيس إردوغان إنّ الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية تصبّ الزيت على النار في غزة، وإنّ إرسال السفن الحربية يعني أنّ الحرب ستمتدّ إلى المنطقة. فهل يكون بمقدور دولة مثل أميركا أن تقيم السلام بهذه الحاملات؟
الإجابة قد تحملها تفاهمات تركية أميركية في ملفّ عضوية السويد تشمل الحلحلة في التوتّر الثنائي والإقليمي، وعلى رأسه وضع غزة. وإلّا فما معنى أن يقول إردوغان أيضاً إنّ "عمل البرلمان التركي قد يطول، لكنّنا سنحاول أن نجعل الأمر سهلاً قدر الإمكان. سنحاول أن نبذل قصارى الجهد ما دام خصومنا يتعاملون معنا بشكل إيجابي"؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس