ترك برس
تحدث تقرير لصحيفة العربي الجديد، نقلا عن مصادر عراقية، أن تركيا عرضت على العراق المشاركة في عملية عسكرية ضد تنظيم حزب العمال الكردستاني (PKK) من أجل إنهائه مقابل دعم أنقرة لبغداد في فرض سيادتها على حدودها الدولية مع تركيا، ورفد القوات العراقية بما تحتاجها.
ولفت التقرير إلى أن أنقرة تنتظر نتائج الاتفاقات الأولية التي ناقشها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، مع نظيره العراقي، فؤاد حسين، ومسؤولين وقادة أمنيين آخرين، في المباحثات العراقية التركية الأخيرة، بشأن ملفات عدة لحماية أمن البلدين، بما في ذلك التشارك في إنهاء أنشطة مسلحي حزب "العمال الكردستاني"، في مناطق شمال العراق، والذي تضعه أنقرة بطريقة مباشرة في أولوية مباحثاتها مع بغداد، بل تعتبره مفتاح تنفيذ الاتفاقات الأخرى بين البلدين.
والتقى فيدان برفقة وزير الدفاع التركي يشار غولر، في بغداد الخميس الماضي، بوزراء الخارجية فؤاد حسين والدفاع ثابت العباسي، ومستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، ورئيس "هيئة الحشد الشعبي"، فالح الفياض.
واتفق الطرفان على تشكيل لجان دائمة مشتركة تعمل في مجالات مكافحة الإرهاب وتطوير العلاقات الاقتصادية، تمهيداً لتبني مذكرة تفاهم في مختلف أوجه العلاقات. وأكدا أن حزب "العمال الكردستاني" يمثل تهديداً أمنياً للبلدين، وأن وجوده على الأراضي العراقية هو خرق للدستور.
وجاء في البيان الختامي المشترك عقب المباحثات العراقية التركية الخميس الماضي أن "المباحثات تأتي استمراراً لمباحثات أنقرة في 19 من سبتمبر/ أيلول 2023"، فيما ناقش الطرفان "موقفهما المشترك الذي سيتم تبنيه في مواجهة التطورات الإقليمية ومختلف التحديات في المجالات الثنائية".
كذلك بحثا "الاستعدادات الجارية لزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المرتقبة إلى بغداد بعد شهر رمضان"، وما يتطلبه ذلك من عمل "وبأقصى الإمكانات للتهيئة لهذه الزيارة التاريخية وإنجاحها، والتي من المؤمل أن تكون نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين".
وتقرّر، وفق البيان، "تكثيف العمل لتبني مذكرة تفاهم من أجل خلق الإطار الهيكلي في مختلف أوجه العلاقات بين البلدين، وإنشاء آليات اتصال منتظمة، كما تم الاتفاق من خلال مذكرة التفاهم التي سيقومان بإعدادها على إنشاء إطار استراتيجي للعلاقات". كذلك تقرّر "إنشاء لجان دائمة مشتركة تعمل حصراً في مجالات مكافحة الإرهاب والتجارة والزراعة والطاقة والمياه والصحة والنقل".
وبينما ذكر البيان أنه جرى التأكيد "على أهمية وحدة العراق السياسية وسيادته وسلامة أراضيه"، شدّد على أن "حزب العمال الكردستاني يمثل تهديداً أمنياً لكل من تركيا والعراق، وأن وجوده على الأراضي العراقية يمثّل خرقاً للدستور العراقي".
وتابع: "تشاور الجانبان بشأن الإجراءات الواجب اتخاذها ضد التنظيم وامتداداته المحظورة"، واتفقا على "مواصلة اللقاءات والاتصالات حول هذه القضايا ضمن الأطر المعنية بين البلدين".
ورحّبت تركيا في البيان بالقرار المتخذ من قبل مجلس الأمن الوطني العراقي باعتبار حزب "العمال الكردستاني" تنظيماً محظوراً في العراق، لتكون المرة الأولى التي يُعلن فيها من قبل العراق عن اعتبار أنشطة الحزب محظورة.
ونقلت صحيفة العربي الجديد عن مصادر سياسية عراقية، أن تركيا تأمل بـ"تحرك حكومي على الأرض لمواجهة التنظيم، وإنهاء مخاطره على المناطق العراقية والتركية على حدٍ سواء"، مضيفة لـ"العربي الجديد" أن "المسؤولين العراقيين وعدوا ببحث آليات عمل عسكرية جديدة بالتنسيق مع حكومة إقليم كردستان، لأن حزب العمال الكردستاني صار يهدد بغداد بسبب عرقلة مشاريع واتفاقات بين بغداد وأربيل، من ضمنها اتفاقية تطبيع الأوضاع في سنجار"، شمالي العراق.
وبحسب الصحيفة، شدّدت المصادر على أن "التحديات التي قد تواجه أي اتفاقات بين أنقرة وبغداد هي دعم بعض الفصائل المسلحة لمواقف العمال الكردستاني، وتثبيته في مناطق سنجار وجبال شمال البلاد".
من جهته قال مسؤول رفيع في وزارة الخارجية العراقية ببغداد، في حديث للصحيفة إن "أنقرة تريد شن عملية عسكرية واسعة لضرب حزب العمال في معاقله داخل الشمال العراقي مع انقضاء الشتاء في المنطقة وبداية فصل الصيف".
وأضاف أن تركيا "تحاول فرض منطقة عازلة مع العراق تُعرف بالمنطقة الأمنية، وهي ذاتها التي يوجد فيها حزب العمال"، لافتاً إلى وجود "عرض تركي للعراق بمشاركته في الهجوم، وإنهاء حزب العمال، مقابل دعم تركيا للعراق في فرض سيادته على حدوده الدولية مع تركيا، ورفد القوات العراقية بما تحتاجها".
وألمحت تركيا، وفقاً للمسؤول الذي طلب عدم الكشف عن هويته، "إلى أنها ماضية في العمل العسكري بالعراق أو بدونه، من منطلق الدفاع عن النفس ضد تهديدات العمال الكردستاني"، مضيفاً أن "الحديث عن التوصل لاتفاق أو تفاهم بشأن ذلك غير صحيح، لأن العراق وعد بالتشاور قبل الرد على المقترح التركي".
وقال إن تركيا "ربطت جميع الملفات الاقتصادية والتجارية والمياه، وحتى التعاون الأمني بما يتعلق بالمطلوبين بين البلدين، بملف حزب العمال".
بدوره أشار عضو البرلمان العراقي محمد الصيهود إلى أن "مجلس النواب يدعم أي توجهات نحو تحسين وتقوية العلاقة مع تركيا، وأن الحكومة العراقية منفتحة لأجل تخفيف أي توتر مع تركيا، من خلال إقرار المزيد من الاتفاقات التي تخدم الطرفين، لا سيما العراق، والذي يواصل مطالباته بشأن حصصه المائية والدعم على مستويات أخرى".
وأوضح في حديث لـ"العربي الجديد" أن "أنقرة تخشى على أمنها الداخلي، وهذا حقها، بالمقابل هناك وجهة نظر عراقية ترفض الاعتداء على السيادة الوطنية وقصف مناطق متفرقة من شمال العراق بحجة مواجهة العمال الكردستاني".
وفي السياق اعتبر النائب ثائر الجبوري، عضو "ائتلاف دولة القانون"، وهو جزء من تحالف "الإطار التنسيقي الحاكم في البلاد"، أن "تركيا اعتدت على العراق عندما أنشأت السدود على نهرَي دجلة والفرات، وهذا الأمر مخالف للقانون الخاص بالدول المتشاطئة، مع العلم أن هناك إمكانية لاستثمار الملف الاقتصادي كورقة ضغط على تركيا لتحقيق أعلى قدر ممكن من المصالح للعراق".
وأوضح، في تصريح صحافي أول من أمس الجمعة، بشأن المباحثات العراقية التركية، أن "ملف المياه يجب ألا يُركن عن المفاوضات التي ستجري بين العراق وتركيا حول طريق التنمية (خط سكك حديد من ميناء الفاو الكبير في البصرة جنوبيّ العراق إلى منطقة فيشخابور شماليّ العراق على الحدود مع تركيا) وكذلك في زيارة الرئيس التركي للبلاد بعد شهر رمضان".
لكن المحلل السياسي عبد الله الركابي رأى أن "التعامل والاتفاقات مع تركيا مرهونة بطبيعة الوضع السياسي العراقي، بالتالي فإن جهات سياسية، وضمنها سنية وكردية، ترحب كثيراً بعقد اتفاقات جدية مع تركيا، لكن بعض القوى السياسية الشيعية تعمل على شيطنة العلاقة مع تركيا، لأن هدف الأخيرة هو إنهاء وجود العمال الكردستاني المدعوم من الفصائل المسلحة العراقية".
وأضاف لـ"العربي الجديد" أن "الاتفاق مع تركيا بشأن وضع آليات عمل أمني ضد العمال الكردستاني تعارضه الأحزاب الشيعية القريبة من إيران، وتحاول أن تضفي عليه مظاهر الشيطنة من خلال إدراج ملفات وأفكار كان العراق قد اتفق عليها مع تركيا في وقتٍ سابق". وعزا ذلك إلى "مصالح جهات مسلحة تقتضي حماية العمال الكردستاني"، معتبراً أن "العراق يضع ملفات المياه وتشارك الضرر بسبب الأزمة البيئية في مقدمة مطالبه".
وتابع :"تركيا قالت في أكثر من مرة إنها مستعدة للتعاون في هذا الملف، مقابل تعاون العراق في تحييد حزب العمال الكردستاني".
وبحث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، في مارس/ آذار من العام الماضي، خلال زيارة رسمية إلى أنقرة، على رأس وفد وزاري وأمني كبير، عدة ملفات، أبرزها الأمن والحدود والمياه والطاقة وتوسيع نطاق التجارة بين البلدين.
وتكمن صعوبة إجراء تفاهمات كاملة بين الحكومتين التركية والعراقية بشأن إنهاء وجود مسلحي حزب "العمال الكردستاني" بالعراق في عدة عوامل ميدانية عسكرية، أبرزها وجود الحزب في مناطق يصعب وصول القوات العراقية إليها، ضمن المثلث العراقي الإيراني التركي الواقع تحت إدارة إقليم كردستان، إلى جانب الدعم الذي يتلقاه مسلحو الحزب من فصائل مسلحة توصف عادة بأنها حليفة لإيران، خصوصاً في مناطق سنجار، غربي نينوى.
وقد سبّب وجود عناصر الحزب في الأراضي العراقية، والذي تصنّفه أنقرة "منظمة إرهابية"، العديد من الأزمات السياسية بين البلدين، كان آخرها في العام الماضي حين اتهمت بغداد القوات التركية بقصف منتجع سياحي في دهوك، والتسبب بقتل عدد من المواطنين، وهو ما نفته أنقرة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!