ترك برس
ذكر الكاتب والمحلل السياسي التركي يحيى بستان، أن القضايا الشائكة بين تركيا وإيران تتوسع في ظل توقعات تشير إلى أن الوفود التركية والأمريكية ستناقش انسحاب واشنطن من سوريا وقضية تنظيم "بي كي كي" الإرهابي خلال الأشهر القادمة.
وقال بستان إن إيران جارة لتركيا، وتربط بين البلدين مصالح مشتركة وتهديدات مشتركة، ناهيك عن التعاون المشجع الذي تولده الجغرافيا والثقافة؛ "ولكن كما ذكرت سابقا، تنظر تركيا وإيران إلى بعض القضايا الإقليمية المهمة من زوايا مختلفة. وتزداد هذه القضايا حجما يوما بعد يوم".
ولفت في مقال بصحيفة يني شفق إلى أن الإشارات القوية التي ترسلها الولايات المتحدة حول انسحابها من المنطقة، إلى جانب التساؤلات حول مصير تنظيم "بي كي كي"الإرهابي في سوريا والعراق، كلها عوامل تؤثر على مسار العلاقات بين أنقرة وطهران في المرحلة المقبلة. لا سيما وأن هذه القضايا تشهد تطورات مهمة في الوقت الحالي.
وأكد الكاتب أنه بات واضحا أن الولايات المتحدة تسعى لإعادة النظر في سياستها تجاه سوريا، وذلك رغبة منها في تحويل تركيزها نحو الصين. وتشير المعلومات الواردة من مسؤولين يتابعون المنطقة عن كثب إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ووزارة الخارجية الأمريكية تؤيدان الانسحاب من سوريا، بينما يحاول الجيش الأمريكي الحفاظ على الوضع الراهن.
وقال: من المعروف أن الولايات المتحدة لا تتواجد في سوريا لمواجهة تهديد داعش، بل إن لها هدفين رئيسيين هما ضمان أمن إسرائيل وتحقيق التوازن بين روسيا وإيران. (للاطلاع على تحليل مفصل راجع مقال: بشرط واحد.. الولايات المتحدة تلوح بالانسحاب من المنطقة، 2 شباط/فبراير) وفي هذا السياق، يقال أن واشنطن أبلغت أنقرة بأنه "حان الوقت لمناقشة الملف السوري من منظور استراتيجي". وتشير التوقعات إلى أن الوفود التركية والأمريكية ستناقش الملف السوري وقضية تنظيم "بي كي كي"الإرهابي خلال الأشهر القادمة. وهذا يدل على أن الأمر جاد وأن هناك مسارا محددا قد تم وضعه.
ووفقا للكاتب، يثير انسحاب الولايات المتحدة من سوريا سؤالين هامين بالنسبة لتركيا، أولا: ما هو مستقبل الحوار بين أنقرة ودمشق؟ ثانيا: كيف سيتم القضاء على تنظيم "بي كي كي"الإرهابي في سوريا؟
ويواجه التقارب بين أنقرة ودمشق ثلاثة عوائق: الأول: انتظار بوتين لنتائج الانتخابات الأمريكية، مع إبقاء الملف مفتوحا. الثاني: تعبير إيران عن قلقها من عملية التطبيع خوفا من فقدان مكاسبها في سوريا. الثالث: عدم قدرة دمشق على الجلوس على طاولة المفاوضات بشكل مستقل، كما أكد وزير الخارجية فيدان، مشيرا إلى التأثير الروسي والإيراني على موقفها. يقول بستان.
وتحاول دمشق، بدعم كبيرمن إيران، عرقلة عملية التطبيع من خلال طرح شرط "انسحاب الجيش التركي". بينما تتمثل مطالب أنقرة ببساطة في دعم دمشق لمكافحة الإرهاب، ونزع سلاح "واي بي جي" الإرهابي، وتمكين عودة اللاجئين، وخلق بيئة مناسبة لإجراء انتخابات شرعية في البلاد. وبهذا لا يوجد أي عائق أمام التطبيع. ونختتم هذا الموضوع بقول أحد المسؤولين الأتراك: "ليس لدينا أي تنازلات نقدمها من أجل التطبيع مع الأسد".
وتابع المقال:
ويبرز تساؤل مهم حول مصير تنظيم "بي كي كي"الإرهابي في سوريا بعد انسحاب الولايات المتحدة تستعد أنقرة لاستكمال عملها غير المنجز في العراق أولا ثم في سوريا. ولا شك أن لهذه الاستعدادات جانبا يهم طهران أيضا.
سبق وأن تناولنا موضوع تعامل إيران مع تنظيم "بي كي كي"الإرهابي في العراق. وقد أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان على وجود هذه العلاقات من خلال تصريحه من على منبر البرلمان التركي بقوله: "توجد معسكرات للتنظيمات المسلحة على طول الحدود الإيرانية، كما أن هناك امتدادات لتنظيم "بي كي كي"الإرهابي داخل إيران". وتشير التقديرات إلى أن عدد عناصر هذه الامتدادات في إيران يتراوح بين 200 و 400 إرهابي. وقد سمحت طهران لهؤلاء الإرهابيين بالمرور إلى أرمينيا خلال حرب قره باغ. (يذكر أن الهند وإيران هما أهم مزودي أرمينيا بالسلاح).
وتشير المعلومات إلى أن هؤلاء الإرهابيين يخططون لشن هجمات على تركيا. وقد حذرت أنقرة طهران مؤخرا من وجود تنظيم "بي كي كي"الإرهابي على أراضيها لأول مرة بلهجة حاسمة، بينما أنكرت طهران وجودهم، وطلبت من عناصر "بي كي كي"عدم التواجد بشكل علني". (وقد ورد خبر بالأمس عن قيام جهاز الاستخبارات التركية (MIT) بتحييد المسؤول لدى تنظيم "بي كي كي" عن شؤون الشباب في إيران برزان حسن زاده، في عملية نفذتها في منطقة قنديل بالعراق.)
يعد دعم إيران لبافل طالباني أحد العوامل المقلقة لأنقرة. وتجدر الإشارة إلى أن تنظيم "بي كي كي"الإرهابي قد حصل على تكنولوجيا الطائرات المسيرة (الدرون) الانتحارية، ويحاول استخدامها لاستهداف الطائرات المسيرة التركية، وقد تم توفير هذه التكنولوجيا للتنظيم الإرهابي من قبل بافل طالباني. وفي ظل التوتر بين بارزاني وطالباني في شمال العراق، تقف إيران إلى جانب طالباني، بينما تقف تركيا إلى جانب بارزاني.
وقد قامت إيران بقصف أربيل بالصواريخ مؤخرا في محاولة لتقليص نفوذ بارزاني. وشارك رئيس إقليم كردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، في منتدى أنطاليا للدبلوماسية الذي عقد مؤخرا. وتعد إدارة بارزاني جزءا من حوار مكافحة الإرهاب الذي تطوره أنقرة مع بغداد. ومن المتوقع أن تدعم أنقرة استقرار وأمن كل من العراق وشمال العراق خلال هذه العملية.
يجب إضافة ملف جديد إلى ملف القضايا الشائكة مع إيران، وهو مشروع طريق التنمية الذي تنفذه تركيا مع العراق.
أسفرت القمم الأمنية التي عقدت في أنقرة وبغداد عن نتائج غير مسبوقة في مجال مكافحة الإرهاب بين تركيا والعراق. ويجري العمل الآن إعداد مذكرة تفاهم حول إطار عمل استراتيجي بين البلدين. وبناء على قرار من مجلس الأمن الوطني العراقي، تم حظرتنظيم "بي كي كي"الإرهابي في العراق. (تسعى أنقرة إلى الحصول على قرار من البرلمان العراقي بتصنيف "بي كي كي" كتنظيم إرهابي، لكن يقال أن بغداد ليست مستعدة لاتخاذ هذه الخطوة بعد بسبب إيعاز من طهران.)
ومن المقرر أن يزور وفد عراقي أنقرة مرة أخرى في الأيام القليلة القادمة لكتابة البنود الأمنية لمذكرة التفاهم. ومن المتوقع توقيع مذكرة التفاهم خلال زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى بغداد المقررة في شهر نيسان.
ويعد مشروع طريق التنمية عنصرا أساسيا في الحوار بين تركيا والعراق. حيث يتوقع أن يساهم بشكل كبير في استقرار العراق واقتصاده، وتحويل تركيا إلى مركز عبور رئيسي، مما يثير اهتماما متزايدا. وتدعم الإمارات العربية المتحدة تنفيذ المشروع بشكل سريع، بينما تبدي المملكة العربية السعودية رغبة في المشاركة فيه.
وسبق أن أوضحنا أن المشروع سيمر عبر مدينة السليمانية التي يديرها بافل طالباني. وتسعى إيران أيضا إلى المشاركة في المشروع، حيث تطالب بأن يمر طريق التنمية عبر أراضيها. ولكن، هذا الطلب غير قابل للتطبيق من الناحيتين الاقتصادية واللوجستية. ومع ذلك، كما قال وزير الخارجية التركي فيدان: "يمكن لإيران المشاركة في الجوانب الاقتصادية والأمنية للمشروع". وفي الوقت نفسه يجب على طهران أن تدرك أن استقرار العراق وازدهاره سيعود عليها أيضا بالعديد من الفوائد.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!