ترك برس
أكد الكاتب والإعلامي التركي سلجوك توركيلماز، أن إنشاء "دولة يهودية" على الأراضي الفلسطينية هو نتيجة لسياسات النازيين تجاه اليهود، ووفقا لهذا الرأي؛ كان اليهود الفارون من أوروبا بحاجة إلى وطن، فهاجروا إلى فلسطين بسبب "جذورهم التاريخية".
وقال توركيلماز في مقال بصحيفة يني شفق إنه بعد الحرب دعمت الدول الأوروبية هذه الدولة "القديمة الجديدة" التي تأسست على الأراضي الفلسطينية، كتعويض لما فعلوه باليهود. وانتشرت هذه الفكرة في تركيا أيضاً.
وأضاف: "بالطبع هناك من اتخذ مواقف أيديولوجية متقدمة أكثر لدعم إسرائيل، مثل فاتح ألتايلي. فحتى بعد الإبادة الجماعية في غزة لم يتخلوا عن ارتباطهم الأيديولوجي بإسرائيل. ويؤكد هؤلاء أن الولاء لإسرائيل يجب أن يكون قوياً لأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.
لكن الرأي السائد هو أن السياسات التي اتبعتها ألمانيا وأوروبا بشكل عام ضد اليهود هي التي شكلت أساس إنشاء إسرائيل. وتعد هذه وجهة نظر شائعة جدا، رغم عدم صحتها".
وذكر الكاتب أن الحقيقة التاريخية بعيدة كل البعد عن هذا. فقد نشأت إسرائيل من رحم الانتداب البريطاني على فلسطين، الذي استمر لثلاثين عاما. وعندما خاضت شخصيات مؤسسة مثل عز الدين القسام وحاج أمين الحسيني ـ الذين باتت أسماؤهم تذكر كثيرا هذه الأيام رغم قلة المعلومات المتوفرة عن أنشطتهم ـ نضالهم ضد الاستعمار كانت فلسطين تحت سيطرة الانتداب البريطاني. وكانوا مضطرين لمحاربة كلٍ من حكام الانتداب البريطانيين والمستعمرين الاستيطانيين الذين كانوا يتدفقون إلى فلسطين من مختلف أنحاء أوروبا. أضف إلى ذلك أن المستثمرين العالميين كانوا يمولون هذه الموجات الجديدة من الاستيطان. وكانت المهمة الأساسية لإدارة الانتداب البريطاني توفير الحماية للمستوطنين الاستعماريين. فكانت هذه "مهمتهم الحضارية" الجديدة.
وقال إن عدم طرح السؤال "هل إسرائيل دولة يهودية أم مستعمرة أوروبية؟" يعد تقصيراً كبيراً. فلو كان الهدف هو توفير وطن جديد لليهود المقيمين في أوروبا، فقد أسسوا بالفعل مستعمرات يهودية في أمريكا الشمالية منذ زمن طويل. وبالتالي كانت الهجرة إلى أمريكا الشمالية خيارا مناسبا أيضا لليهود في أوروبا الشرقية. لكن فلسطين كانت ذات قيمة جيوسياسية عالية، ورغبت بريطانيا بالتعاون مع الولايات المتحدة، في إنشاء مستعمرة جديدة في نقطة التقاء إفريقيا وآسيا. فكما نعلم كان لـ "سيسل رودس" قدم في جنوب إفريقيا وأخرى في مصر. ولهذا السبب طلب "تيودور هرتزل" المساعدة من سيسل رودس. وذلك ما يقودنا إلى إجابة السؤال المطروح في بداية الفقرة. فقد صُممت إسرائيل كمستعمرة أوروبية جديدة. وتقوم هذه المستعمرة الجديدة بكامل بنيتها على إرث بريطانيا.
وتابع: كانت روسيا في العهد السوفييتي من أوائل الدول التي أدركت ماهية الكيان الاستعماري الجديد الذي أقيم في فلسطين. فقد سعى الروس أيضا إلى إنشاء مستعمرة جديدة لليهود المقيمين في روسيا،. ومن المعروف أن أراضي أوكرانيا والقرم قد طرحت في هذا السياق. ولكن تم لاحقا إنشاء منطقة الحكم الذاتي اليهودية "الأوبلاست" بدلا من ذلك. وقد سعى القادة السوفييت إلى تمويل إنشاء هذه المستعمرة الجديدة من خلال الحصول على أموال من الرأسماليين الصهاينة، لكنهم لم ينجحوا في ذلك. وذلك لأن الرأسماليين الصهاينة كانوا يعملون بشكل وثيق مع الأنجلوساكسونيين. وقلة منا في المنطقة من يتساءل عن ماهية هذه العلاقة. ويعتبر الراحل "تيومان دورالي" استثناء في هذا الصدد. ويبغي إعادة قراءة كتبه حول هذا الموضوع مع الأخذ بعين الاعتبار العلاقة بين الحركات الدينية الجديدة والاستعمار. وإلا فلن يكون من السهل فهم اهتمام الولايات المتحدة وبريطانيا بشرق البحر الأبيض المتوسط.
وبحسب الكاتب، لم تعارض روسيا السوفييتية لاحقا هجرة يهود أوروبا الشرقية إلى المستعمرة الجديدة في فلسطين. وبعد التسعينيات، ازدادت مشاركة يهود أوروبا الشرقية في عملية الاستعمار الاستيطاني بشكل كبير. ولا تزال مسألة مدى تشجيع روسيا لهذه العملية بحاجة إلى إجابة. فمن المرجح أن هدف الروس لم يكن التخلص من اليهود، بل السيطرة على هذه المستعمرة. وتشير التطورات اللاحقة إلى وجود رغبة قوية في هذا الاتجاه. ولا ينبغي استبعاد الألمان أيضا من هذه الرغبة. فمن الصعب تفسير محبة نتنياهو لألمانيا بأي طريقة أخرى.
وأردف: أود أن أوضح أنني عند عرض الأحداث التاريخية وتفسيرها من منظور جديد، أضع في اعتباري جميع شعوب أوروبا والولايات المتحدة. وأنا أؤمن إيماناً راسخاً بأن لديهم القدرة العميقة على وقف الإبادة الجماعية التي ترتكب في فلسطين. فبإمكانهم من خلال امتلاكهم لمعلومات مختلفة، الضغط على حكوماتهم. وإلا فسيكونون شركاء في هذه الجريمة التي لن تمحى من الذاكرة إلى الأبد.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!