ترك برس
برز اسم تنظيم "القوى الوطنية" إلى الواجهة السياسية في تركيا والعالم العربي مجدداً، بعد أن شبّه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حركة حماس بها في خضمّ تأكيده على دعم أنقرة للمقاومة الفلسطينية بوجه الاحتلال الإسرائيلي.
وشبّه الرئيس أردوغان القوات الوطنية التركية "قواي ملليه" بحركة المقاومة الإسلامية (حماس) خلال كلمته في اجتماع الكتلة البرلمانية لحزبه (حزب العدالة والتنمية) الأربعاء 17 أبريل/نيسان 2024.
وجاء هذا التشبيه في ظل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والمجازر الذي يرتكبها الاحتلال بحق المدنيين، ووصف أردوغان حماس بأنها "حركة نضال ضد الاحتلال تماما كما كانت حركات التحرر في الأناضول سابقا".
و"القوى الوطنية" حركة تحرر وطني تتكون من قوات مسلحة غير نظامية ظهرت بعد معاهدة مودروس (1918)، وتولت بقيادة مصطفى كمال أتاتورك جميع الأنشطة العسكرية والسياسية لما يعرف بـ"حرب الاستقلال التركية"، التي بدأت في 19 مايو/أيار 1919.
ونشأت الحركة تمردا على قرار الحلفاء بتقسيم الإمبراطورية العثمانية بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، ولعبت دورا محوريا في تشكيل الجمهورية التركية الحديثة.
سُميت باللغة التركية باسم "قواي ملليه"، واشتهرت أيضا بأسماء مثل منظمة المقاومة الوطنية والقوات الوطنية والقوات المسلحة غير النظامية، بحسب تقرير لـ "الجزيرة نت".
النشأة والتأسيس
نشأت القوات الوطنية التركية ردا على الشروط المذلة التي فرضتها معاهدة مودروس، والتي كانت تهدف إلى تقسيم الأراضي التركية بين قوى الحلفاء بعد الحرب، فبدأ الناس بتسليح أنفسهم بشكل غير منظم بعد تسريح الجيوش العثمانية، لتكون أول قوة مسلحة في "حرب الاستقلال".
كما أدى احتلال القوات اليونانية لمدينة إزمير في 15 مايو/أيار 1919 إلى ظهور مشكلة جديدة تتمثل بضرورة وقف التوسع اليوناني في الأراضي التركية، ولهذا كان لا بد من التكامل السياسي والعسكري والاجتماعي.
وفي ظل الظروف المتأزمة، كانت الهزيمة تخيم على الأجواء وتبعث في النفوس مشاعر اليأس، إذ وجدت الحكومة المهزومة نفسها مضطرة للاستسلام لمطالب الاحتلال، وهو ما لم يكن نابعا من الخيانة، بل من العجز الشديد والقناعة بأن التنازلات قد تخفف من حدة الخسائر، الأمر الذي رفضه الثوار الأتراك، لا سيما أنهم اعتبروا الاحتلال اليوناني مهانة كبيرة لهم بعد أن كان اليونانيون تابعين للدولة العثمانية.
وبدأت الحركة بالظهور إلى العلن في 16 مايو/أيار 1919، مع عودة مصطفى كمال أتاتورك -الذي كان حينها قائدا للجيش التركي الذي كان يدافع عن الحدود الجنوبية للإمبراطورية العثمانية قرب مدينة حلب شمال سوريا- إلى إسطنبول أول مرة عقب الهزيمة.
وكان مشهد سفن أسطول الحلفاء وهي تبحر في مضيق البوسفور أمام عينيه، ما أثار غضبه، خاصة في ظل احتلال المدينة من قِبل القوات البريطانية والفرنسية والإيطالية، وهذا ما دفعه إلى العزم الراسخ على طرد هذه القوات المحتلة.
بادر مصطفى كمال بعقد سلسلة من الاجتماعات الحاسمة مع مجموعة مختارة من الأصدقاء الثقات لرسم مسار إنقاذ الوطن. من بين هؤلاء كان علي فؤاد وحسين رؤوف أورباي، الشخصية البارزة في البحرية العثمانية، والذي كان لديه فهم عميق للتحديات المحلية بفضل موقعه في الأناضول. فصاغوا خطة لتنظيم حركة وطنية تتخذ من أنقرة مركزا لها.
وبقيت المقاومة الشعبية مقتصرة على محاولات فردية أو جماعية صغيرة تفتقر إلى التنظيم بشكل عام، حتى وصول مصطفى كمال أتاتورك إلى مدينة سامسون في 19 مايو/أيار 1919، إذ أوصى الصدر الأعظم به كضابط مخلص يمكن إرساله إلى الأناضول مفتشا عاما للجيش الثالث، وعلى عكس الأوامر الموكلة حشد الشعب وبقايا الجيش التركي المتفكك، وأعلن بدء مواجهة جيوش بريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليونان.
الفكر والأيديولوجيا
قام الفكر الرئيسي للقوات الوطنية التركية على مبدأ السيادة الوطنية والاستقلال الكامل، إذ كانت هذه الحركة تنظر إلى الاحتلال الأجنبي على أنه تهديد للهوية والسيادة التركية، ومن ثم فإن الدفاع عن الوطن كان يُعتبر واجبا مقدسا، كما نادى أتاتورك ورفاقه بالديمقراطية وإرادة الشعب كأساس لبناء الدولة.
الأعلام والرموز
شغل مصطفى كمال باشا "أتاتورك"، منصب القائد الأعلى للقوات الوطنية التركية خلال حرب الاستقلال، وكان محاطا بنخبة من الشخصيات البارزة في الحياة السياسية والعسكرية التركية، الذين لعبوا دورا محوريا خلال النضال من أجل الاستقلال واحتلوا مناصب رفيعة في تركيا الحديثة التي نشأت في أعقاب الحرب.
من بين هؤلاء الشخصيات، برز عصمت إينونو، الذي كان يعد الرجل الثاني بعد أتاتورك، وهو عسكري تميز بكفاءته الفائقة، وسجل العديد من الانتصارات المهمة خلال حروب الاستقلال.
وإلى جانبهما، كان هناك ميرالاي رفعت باي، الذي قاد الفيلق الثالث المتمركز في سيواس، وعلي فؤاد جيبسوي، قائد الفيلق العشرين في أنقرة.
أبرز المحطات
ورغم أن القوات الوطنية التركية التي بلغ تعدادها نهاية عام 1919 ما بين 6500 و7500 شخص في غرب الأناضول، وحوالي 15 ألف شخص بحلول منتصف عام 1920 قاومت على جميع الجبهات، إلا أن الفرق التابعة لها لم تكن مترابطة مع بعضها البعض، ومع ذلك كانت أهدافها ومبادئها متطابقة.
وقاتلت القوات الفيلق الفرنسي والأرمني على الجبهة الجنوبية، وواجهت الأرمن في الجبهة الشرقية، بينما اشتبكت مع القوات اليونانية على الجبهة الغربية، وخاضت أول اشتباك مسلح لها في مدينة دورت يول في محافظة هاتاي في 19 ديسمبر/كانون الأول 1918 ضد الفرنسيين بعد تحالفهم من الأرمن في الاحتلالات التي نفذوها في الجبهة الجنوبية.
أما الاشتباك الثاني فكان بعد احتلال إزمير، حيث نظم بعض الضباط الشعب وبدؤوا رسميا حركة "قواي ملليه" في منطقة بحر إيجه معتمدين أسلوب الكر والفر وأساليب حرب العصابات، في حين قادت الوحدات المنظمة والمنضبطة منهم حرب الاستقلال في الجبهة الجنوبية.
لم يدم دور القوات الوطنية التركية طويلا، فبعد وصول مصطفى كمال أتاتورك إلى أنقرة أنشأ أول مجلس نواب وطني في 23 أبريل/نيسان 1920، وانتُخب رئيسا للمجلس معلنا أن أنقرة هي العاصمة الجديدة، وأعلن ضم القوات إلى صفوف الجيش التركي النظامي في إطار تكثيف الجهود نحو مواصلة حرب الاستقلال.
وظهرت أصوات لمعارضين بعد قرار ضم القوات إلى الجيش النظامي، كان أبرزها انتفاضة ديميرجي محمد إيفي، الذي رفض و300 من رجاله الانضمام لصفوف الجيش، إلا أنه تم اعتقاله وحكم عليه بالحبس المنزلي إلى أن نُفي إلى مدينة آيدن عام 1961 وتوفي فيها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!