ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس
في الاجتماع الطارئ الذي عقدته منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول منذ أيام على مستوى وزراء الخارجية والذي خصص لمناقشة أسباب وتداعيات الهجوم الإرهابي الذي استهدف المسلمين في مسجدين في مدينة كرايست تشيريش بنيوزيلندا، ألقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كلمة خلال جلسة الافتتاح، حذر فيها من تصاعد الإسلاموفوبيا وانتشارها في المجتمعات، مؤكداً أن حادثة نيوزيلندا قد تعود مجدداً إن لم يتم التحرك ضد مسبباتها.
وفي كلمته قال وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو إن العالم الإسلامي سيتحرك ضد خطابات الكراهية، وأكد تشاوش أوغلو أن الإرهاب العنصري المتزايد تقف خلفه خطابات الكراهية والعداء للإسلام والأجانب والمهاجرين التي تبثها وسائل الإعلام والسياسيين الذين ينشرون خطابات معادية للإسلام والأجانب والمهاجرين ويتحملون بالنتيجة مسؤولية تزايد الإرهاب العنصري، محذرا أن بلاده والدول الأعضاء في المنظمة سيظهرون رد فعل قاس حيال كل خطابات الكراهية والعنف والإرهاب قولاً وفعلاً.
التناغم الواضح في كلمتي الرئيس التركي ووزير خارجيته يضع خطوطا واضحة لخطة تركيا في التعاطي مع الإسلاموفوبيا ومن يقف وراءها ويغذيها سواء في الظاهر بأيدلوجية واضحة، كاليمين المتطرف في الغرب، أو من يظهر وجه التسامح ويخفي وراءه حقدا نحو الآخر، هذا التعاطي غير من استراتيجية المواجهة إلى حد كبير مع هذه المعضلة المستمرة منذ زمن، فلطالما كانت المنظمة بل والدول الإسلامية كافة دائما في حالة دفاع مستمر، أمام اتهامات مستمرة وشيطنة ممنهجة للمسلمين، بل للإسلام ذاته، لكن في هذه القمة انقلبت الطاولة رأسا على عقب وأصبح الغرب في قفص الاتهام لأول مرة.
ولمزيد من ترتيب الأوراق للاستفادة القصوى من الموقف الذي وضع فيه الغرب لأول مرة، بهذه الاحترافية، في قفص الاتهام طالبت تركيا من خلال منظمة التعاون الإسلامي الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرتش إلى عقد دورة خاصة للجمعية العامة لأجل إعلان الإسلاموفوبيا وتصنيفها كشكل من أشكال العنصرية، كما دعت لإعلان يوم الخامس عشر من مارس من كل عام، تاريخ مجزرة المسجدين في نيوزيلندا، يوماً دولياً للتضامن ضد الإسلاموفوبيا، وتعيين مقررا خاصا معنيا بمكافحة هذه الظاهرة.
لقد كان للضغط التركي، وخاصة من أول لحظة، أثر كبير في مواقف الغرب وعلى رأسها موقف الحكومة النيوزيلندية، فمنذ اللحظة الأولى كتب الرئيس أردوغان على حسابه على تويتر عن الجريمة مستنكرا الفعل والفاعل، وبعدها بساعة أفرد خطابه كله في جمع كان من المفترض أن يكون ضمن حملة حزبه الانتخابية حول الموضوع، مستفيضا فيه موجها رسائله للغرب، وفي نفس اليوم أوفد نائب وزير الخارجية مع وفد من الوزارة والرئاسة إلي نيوزيلندا للوقوف على الأمر، وفي المقابل أوفدت رئيسة الوزراء النيوزلندية جاسيندا أردرن وزير خارجيتها إلى مؤتمر منظمة العالم الإسلامي في إسطنبول لتهدئة الأجواء.
والناظر لخطاب تركيا وتعاطيها مع الحدث يجد أنه كان عالي الفهم والإدراك بأدوات الخطاب الغربي، ومن ثم لعب بنفس الأدوات التي يتقنها الغرب بشكل كبير، فرفض الكراهية وحض على التعايش السلمي بين البشر، وهو خطابنا الذي تخلينا عنه وأتقن اللعب بمفرداته الغرب ، فعندما تعود تركيا لاستخدام هذه المفردات وتوظيفها في مكانها ووقتها المناسب فإنها تخطو خطوة للأمام لكسب مزيد من الأرض التي طالما حرمنا من التواجد فيها، لكن الأمر لن يكون سهلا والأيادي تعبث وتستخدم الأغبياء في كثير من الأحيان، لإفقاد العالم الإسلامي مكتسباته، فالجريمة التي وقعت في مدينة اوتريخت القريبة من العاصمة الهولندية أمستردام، لا أرى فيها إلا محاولة لإفقاد تركيا والعالم الإسلامي مكتسباته خلال الأيام الماضية.
لكن الحقيقة التي لا شك فيها أن تركيا، وبحق، تناطح الذين فرضوا علينا، إكبارهم، وهم أبعد ما يكونون عن ذلك، فالغرب الذي طالما تشدق بالحرية في كل شيء وعلى رأسها حرية العبادة والاعتقاد، طالما انتهك تلك الحرية، واستخدم القتل عقابا على ذلك، ولم يرحم في عقابه المدنيين من الأطفال والنساء، ومجزرة الباغوز خير شاهد على ذلك، أنا لست مع فكرة أن جريمة نيوزيلاندا وما تبعها من مشاهد عاطفية، كانت قنبلة الدخان التي ألقيت من أجل التعتيم على مجزرة راح ضحيتها ثلاثة آلاف من المدنيين المسلمين العزل، لكنني مع أن مجزرة الباغوز هي جريمة جديدة في سجل جرائم الغرب المتصهين العنصري الحاقد على المسلمين والذي يقوده الآن راعي البقر المختل الذي أراد أن يعلن انتصارا على تنظيم الدولة، الشركة المخابراتية المساهمة، يغطي به على إخفاقاته وسقطاته كأسوأ حاكم عرفته الولايات المتحدة في تاريخها الضئيل.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس