ترك برس

تحت عنوان "حوار الأحزاب التركية.. مصالحة تاريخية أم مصالح سياسية!!"، تناول مقال للكاتبة والصحفية المصرية صالحة علام، تداعيات المفاوضات التي تجري بين حكومة حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في تركيا.

وأشارت الكاتبة في مقالها بموقع الجزيرة مباشر إلى تحرك الأحزاب السياسية التركية مؤخرًا باتجاه خلق حوار سياسي فيما بينها، للخروج من حالة الاستقطاب التي خلّفتها دعاية سياسية متشددة تم انتهاجها خلال الاستحقاقات الانتخابية التي مرت بها البلاد مؤخرًا.

وذكرت أن هناك محاولة جادة من جانب السياسيين لإعادة الهدوء والاستقرار للبلاد، والابتعاد به قدر المستطاع عن مرحلة المواجهات سواء الأيدولوجية أو العرقية التي تكهن بإمكانية حدوثها الكثير من المراقبين والمتابعين للشأن التركي.

وأوضحت أنه رغم هذه التحركات إلا أن الرياح لا تأتي دومًا بما تشتهي السفن؛ فعوضًا عن إعادة الأمور إلى طبيعتها للشارع التركي كنتيجة متوقعة لهذه الحوارات، اندلعت الخلافات داخل الهيئات العليا للأحزاب نفسها، وأثارت العديد من الصراعات بين كبار قياداتها، مما ينذر بأن تركيا على موعد مع صيف سياسي شديد السخونة.

وقالت إنه منذ أن أعرب أوزغور أوزيل زعيم حزب الشعب الجمهوري عن رغبته في لقاء الرئيس أردوغان بصفته زعيم حزب العدالة والتنمية الحاكم، في إطار ما سماه “التطبيع السياسي” بين الأحزاب التركية عقب فوز حزبه بالانتخابات المحلية التي أُجريت في نهاية مارس/آذار الماضي والمعارضة داخل حزبه -التي يقودها كل من أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول، وكمال كيليجدار أوغلو الرئيس السابق للحزب- تزداد ضراوتها عنفًا يومًا بعد يوم، وبلغت أوجهها بعد زيارة أردوغان لمقر الشعب الجمهوري ردًا على زيارة أوزيل لمقر العدالة والتنمية أوائل الشهر الماضي.

حتى وصل الأمر إلى تخطيط الجناح المعارض لسياسات أوزيل للإطاحة بالرجل، واستبداله بأكرم إمام أوغلو، وذلك خلال المؤتمر العام للحزب المقرر عقده في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وهو التوجه الذي يدعمه بقوة حاليًا كيليجدار أوغلو رئيس الحزب السابق، الذي صرّح بأنه: “في بلد يعاني فيه الأطفال من مشاكل تغذية وتعليم، والآباء والأمهات من اكتئاب لصعوبة العيش، والمتقاعدون من عدم القدرة بتلبية التزاماتهم الشهرية، وبه ملايين اللاجئين الذين يمثلون خطرًا على البنية الديموغرافية لبلادنا، وفي بلد تجاوز فيه سعر الدولار حاجز الـ30 ليرة، وبلغ سعر الخبز 10 ليرات، لا يجب التحاور مع نظام القصر الذي تسبب في هذه الكوارث، إنما يجب محاربته”.

وتابعت الكاتبة: 

حجة الراغبين في الإطاحة بأوزيل تتمحور حول رؤيتهم أن الحزب في أمس الحاجة للعودة إلى مساره المناهض لأردوغان قبل أن يفقد هويته، وتضطرب بوصلته على يد أوزيل الذي أصبح أقرب لنهج أردوغان السياسي، وأكثر بعدًا عن مبادئ الحزب.

وعلى صعيد حزب العدالة والتنمية الحاكم فإن اللقاءات والحوارات التي تتم بين قياداته ووزرائه في الحكومة مع قيادات ونواب الشعب الجمهوري أثارت غضب شريكه في الائتلاف الحاكم حزب الحركة القومية، الذي عبّر زعيمه دولت بهشلي عن رفضه لها، واحتجاجه عليها، ملمحًا إلى استعداده للتخارج من تحالف الشعب إذا كان لدى العدالة والتنمية الرغبة في التحالف مع الشعب الجمهوري.

ويبدو أن محاولات أردوغان لطمأنة شريكه في الحكومة، وإزالة مخاوفه بشأن احتمالية إنهاء تحالف حزبيهما، لم تؤت ثمارها، رغم زيارته له عقب لقائه أوزيل، وتصريحه قبيل زيارة مقر الشعب الجمهوري بأن هناك خطوطًا حمرًا لتحالف الشعب الجمهوري -الذي يضم العدالة والتنمية والحركة القومية- لا يجب المساس بها، معتبرًا الزيارات المتبادلة بين زعماء الأحزاب التركية انفراجة سياسية تحتاج إليها تركيا، لتعزيز الحوار وإنهاء مرحلة الاستقطاب الذي ألقى بظله الكئيب على الشارع التركي.

تدرك الأطراف جميعها أن أية خطوة يقدم عليها السياسيون عمومًا تكمن وراءها الكثير من الأهداف والمصالح، الذين يسعون إلى تحقيقها سواء كانت أهدافًا خاصة أو حزبية، وأن هذه المسألة يجب أن يتم النظر إليها من هذا المنظور، وتقييمها في الإطار الموضوعي لها بعيدًا عن المثاليات والشعارات الجوفاء التي لا طائل من ورائها.

فزعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل يرى أن حزبه الذي حصل على 38% من أصوات الناخبين في الانتخابات المحلية، واستطاع أن يكون الحزب الأول بعد أن أثبت نفسه على الساحة السياسية أصبح مؤهلًا ليصبح الحزب الحاكم في الانتخابات المقبلة.

إذا يسعى الرجل لأن يكون حزبه هو الحزب الحاكم للبلاد، لذا عليه اتخاذ ما يراه مناسبًا من أجل تحقيق هذه الغاية حتى وإن تطلب الأمر تقديم بعض التنازلات المرحلية في سبيل تطبيع علاقات حزبه بالحزب الحاكم، لمساومته ودفعه إلى انتهاج سياسات، واتخاذ قرارات تصب نهاية الأمر في صالح الشعب الجمهوري داخليًا وخارجيًا.

ولتأكيد موقفه أعلن أوزيل أن التطبيع والحوار لا يعني تخفيف حدة المعارضة أو التخلي عن مطالب الشعب، ولهذا نجده خلال لقائه بالرئيس أثار عددًا من القضايا ذات الحساسية الشديدة مثل قضية السجناء السياسيين في قضية “حديقة غيزي”، ومسألة “الوصي” التي تنتهجها الحكومة منذ عام 2016، ويتم بمقتضاها استبدال رؤساء البلديات الكردية المنتخبين بموظفين يطلق عليهم اسم “الوصاة”، إلى جانب طرح قضية محدودي الدخل.

أما فيما يخص الرئيس أردوغان، فيبدو أنه يحتاج إلى المزيد من الوقت لإعادة ترتيب البيت من الداخل، وتهيئة حزبه للمعركة الانتخابية المقبلة، إلى جانب رغبته في إعداد دستور جديد للبلاد، وهو ما يحتاج فيه لدعم أكبر أحزاب المعارضة في البرلمان، ومن هنا كان قراره بترطيب الأجواء، واستثمار حالة الإيجابية الموجودة لدى المعارضة واستعدادها للحوار، وحالة الارتياح الذي أبداها الشارع لهذا التوجه، من أجل تحقيق أهدافه.

أما العامل المشترك بين الاثنين، الذي دفعهما إلى الدخول بقوة في هذا الحوار أو التطبيع هو إدراكهما أن مرحلة الاستقطاب السياسي استنفدت أغراضها، وأن المرحلة الحالية تتطلب الحوار المباشر لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية. مما يعني أننا أمام مناورة سياسية جديدة يستهدف كل طرف فيها تحقيق أهداف مغايرة لما يريده الطرف الآخر.

إلا أن الأمر لن يسير بهذه السهولة، فالشعب الجمهوري لديه مطالب يبدو من المستحيل إذعان العدالة والتنمية لها، وتحقيقها خاصة في ظل استمرار تحالفه مع الحركة القومية، إذ يريد أوزيل التوصل إلى حل للقضية الكردية، ووقف ملاحقة الأحزاب الكردية قضائيًا بهدف إغلاقها، إضافة إلى مطالبه المرتبطة بالإفراج عن الناشطين والسياسيين، وفي مقدمتهم بالطبع صلاح الدين دميرطاش زعيم حزب الشعوب الديمقراطي السابق، وعثمان كافلا رجل الأعمال المتهم في قضية حديقة غيزي، وهو ثمن باهظ لأنه يعني ببساطة انهيار تحالف الشعب، وهو أمر لا يريده أردوغان لأسباب كثيرة.

وأيًا كان المسمى الذي يطلق على الحوار الجاري حاليًا بين حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يسميه “مصالحة سياسية”، وحزب الشعب الجمهوري المعارض الذي يطلق عليه “تطبيع سياسي”، فإن كلا الحزبين وجدا نفسيهما في خضم صراعات لم تكن في الحسبان، مما ينذر بتداعيات سياسية وخيمة قد تغيّر الكثير من الأوضاع الداخلية بهما.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!