د. علي محمد الصلابي - خاص ترك برس
الظلم ظلم النفس وظلم الناس والظلم في حق الله تعالى، ومنه ضياع الحقوق، وقتل النفوس أو إيذاؤها، وإهانة الإنسان وقهره، وانتهاك الحُرمات، أو ما يعرف في العصر الحديث بانتهاك حقوق الإنسان، ويدخل في انتهاكها استضعاف الناس، وحرمانهم، واضطهادهم بحجة قوية أو ضعيفة أو دون حجة أصلاً.
والظلم منبوذ في النفوس فطرة، ولكن النفوس المريضة تجد فيه لذة الآنتصار والتشفي، فالسلوك العدواني ينشأ مكتسباً في الإنسان وليس جبلة في خلقه، فقد يعود إلى أساليب تربوية مخطئة، أو حوادث معينة في حياته أدت إلى تشوه نفسي في شخصيته، على خلاف ما ذهب إليه المتنبي حين قال:
والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم
وإذا كان ما ذهب إليه الشاعر شائعاً في بعض الأوساط التي عاش فيها صحبة الحكام، حيث التنافس بين الحاشية على أشده؛ فإن ذلك ليس طابع الحياة العام، ولعله قد لمس الحقيقة حين استثنى العلة التي تحول دون قبول الظلم، وهو الإيمان بالله والاستجابة لرسالته المنافية للعدوان والتشفي، أما النفوس السليمة فتستعيذ بالله من الظلم لقبحه ومعارضته لشيمها وأخلاقها.
قال تعالى على لسان يوسف عليه السلام: َ {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ }.
وقد يحدث نتيجة الظلم ظلمٌ مضاد أقوى في ردة فعله من الظلم الأول، وربما أدى إلى دمار الظالم، ومن يتصل به مصداقاً لقوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَآصَّةً}
وقد تحدث مضاعفات للمظلوم غير متوقعة حين يصاب بمرض نفسي، أو جسدي خطير، فقد ثبت أن عدداً من الأمراض النفسية والعقلية عائد إلى ضغوط ناتجة عن ظلم شديد من طرف أقوى.
ومن الاثار القاسية نتيجة الظلم ما يسببه من الحروب والثارات الجماعية والفردية والعدوان بمختلف أشكاله المادية والمعنوية، وما ينتج عن كل ذلك من إراقة للدماء، وهتك للأعراض، وإكراه للنفوس، وسلب للأموال، واغتصاب للأرض والعرض، وفي أدنى ذلك ما يثير غضب الله، وغضب الضمائر الحية في الناس، قال تعالى: {وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ}. وإن أسوأ ما يقع من ذلك على النفس البشرية من فقدان الأمن، والشعور بالخوف والقلق، وهو ما يسبب مشاعر الإحباط، وضعف الأمل والإذلال والإقصاء، وما يترتب عليه من قلة الغطاء المادي والمعنوي، وضالة الإبداع الذي يتطلب الاستقرار النفسي والأمن التام من جميع أنواع الخوف؛ ولذا فقد امتن الله على قريش بالأمن باعتباره أحد أهم الحاجات الضرورية للإنسان، فقال سبحانه: َ {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ *الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوف}.
ويتضح من قراءة بعض آيات القرآن الكريم أن خطر الظلم ليس مقتصراً على المظلومين، بل هو على الظالمين أكثر قسوة، وأعظم خطراً؛ لأنه يقودهم إلى جهنم حتى لكأنها لم تخلق لغيرهم نظراً لسعة الظلم، وشدة خطره، قال تعالى: َ {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}.
بل نفهم من بعض آيات القرآن أن الصفة الجامعة لكل أهل النار هي الظلم، ومن ذلك قوله تعالى: َ {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُّمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ }.
ومن أشكال الظلم "العداون"
ظلم العدوان ...
وردت الإشارة إلى العدوان في القرآن الكريم سبعاً وستين مرة، وذلك في سياق استنكاره، والنهي عن فعله، وألفاظه تلي ألفاظ الظلم عدداً وتقاربها معنى، وقد اقترنت هذه الصفة في القرآن الكريم بالإثم والبغضاء والظلم، فمن ذلك ما جاء في قوله تعالى: َ {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}.
فالعدوان محرم في الإسلام باعتباره أداة الظلم ووسيلة تحقيقه، ولا يباح العدوان إلا للرد على المعتدي، ودون تجاوز حدود اعتدائه، وفي ذلك يقول تعالى على سبيل المشاكلة: َ {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}.
والعدوان ظلم سواء وقع على المسلم أو على غير المسلم، فقد امتدح الرسول الكريم حلف الفضول الذي عُقد في الجاهلية؛ لأنه يدعو إلى دفع الظلم على كل مظلوم، حيث تعاقد مبرموه، وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه، وكانوا على من ظلمه حتى تُرد إليه مظلمته، فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول.
فقال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وكان فيمن حضره: «لقد شهدت في دار عبد الله حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أُدعى إليه في الإسلام لأجبت» ويتأكد تحريم الظلم في حق المعاهد، وهو الذمي الذي يكون في حماية الدولة، ويحتفظ بدينه، فقد روي عن عدة من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آبائهم دنية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة».
ثم انظر بعد ذلك كم يبدو غريباً على الرغم من القائلين بالخوف من الإسلام والتحذير من كتاب الله بحجة التحريض على العنف، أو أنه لا يقبل الآخر، ولا يستوعب الحوار معه، أو لا يحترم حريات غير المسلمين، أو لا يحفظ حقوقهم، وقد تبين بالدليل القاطع بطلان هذه المزاعم، وبدا جلياً أن العدوان مظهر مادي للظلم مرفوض من الإسلام بكل أنواعه، وقد تناولته آيات الله وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء من التفصيل، والتمثيل.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس