ترك برس
استعرض تقرير للكاتب والصحفي التركي نيدرت إيرسانال، تحليلا للتوجهات الجديدة في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الأمن الدولي ومكافحة التطرف والتهديدات الأمنية العالمية واحتمالات عودة دونالد ترامب، لكرسي الرئاسة في الولايات المتحدة.
ويرى الكاتب في تقريره بصحيفة يني شفق أن القول بأن فوز ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية سيؤدي إلى تغييرات في خيارات السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وأن الدول الأخرى ستضع سياساتها وفقا لذلك، قد أصبح الآن غير مجد لتحديد السياسة الخارجية المعاصرة. فالتحليلات هي مجرد بداية، وقد قمنا بها وتجاوزناها منذ زمن.
بغض النظر عمن سيكون رئيس الولايات المتحدة، فإن "النظام العالمي الجديد" سيستمر في زيادة مطالبه من النظام العالمي القائم. نحن الآن في هذه المرحلة. يقول إيرسانال.
ووفقا للكاتب، فإن القول بأن "سيظهر عالم جديد لا يخضع لأهواء البيت الأبيض، وفيه ستتغير علاقات بلادنا والدول الأخرى بطرق تفتح آفاقا جديدة" قد يعكر صفو الراحة، لكنه يتميز بالواقعية ويشكل دعوة جاد.
وتابع التقرير:
التحليل الأول في جوهره يعمي البصيرة. فهو يذكرك بارتباطك بما هو زائل . كما يقولون، "الأرض تجذب". أما مستقبل تركيا ومنطقتنا بأكملها فيرتبط بمدى قدرتك على تلبية الدعوة الثانية.
لطالما اتبعت السياسة الخارجية الأمريكية إيقاعا "رجعيا" على مدار فترة طويلة. وحتى اندلاع حرب أوكرانيا كان لها اتجاه واضح، سواء كان صحيحا أم خاطئا، بل وبدت كأنها تمتلك خطة، وفي التحليل النهائي، كان يمكن تلخيصها في أنها "حافظت على تماسك أوروبا وحلف الناتو". وقد روجت الحكومة لهذا الشعار بشكل مكثف خلال حملات الانتخابات.
لكن واشنطن تواصل التصرف وكأنها مصابة بالشلل في مواجهة سلسلة من التطورات "متوسطة الحجم" مثل حرب أذربيجان وأرمينيا ونتائجها، والهزيمة في أفغانستان، والأزمة بين إسرائيل وغزة.
ما تفعله الولايات المتحدة على الخريطة الكبرى لا يزال غامضا تماما. على سبيل المثال، من الحقائق المريرة أن الهند لم تصل إلى المكان الذي تريده الولايات المتحدة في مخططها لآسيا والمحيط الهادئ. إن تقارب نيودلهي مع بوتين من جهة، وإقامة طاولة مفاوضات لتسوية الخلافات الحدودية مع الصين من جهة أخرى، يمثلان سيناريوهات كابوسية للولايات المتحدة.
ورغم تكرار الخطابات التي تهاجم روسيا والصين في قمة الناتو الأخيرة مرارا وتكرارا، إلا أنها لم تعد مجدية. ولا توجد حتى الآن خطة شاملة ومتكاملة لمواجهة الجبهة التي تعتبرها الولايات المتحدة عدوها الأساسي ولا تستطيع وضع مثل هذه الخطة.
وإلى هذا السياق يمكن إضافة "قمة المجتمع السياسي الأوروبي" التي بدأت يوم الخميس في قصر بلنهايم بإنجلترا وحضرها أكثر من 40 زعيما، بالإضافة إلى منظمات مثل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا وحلف الناتو ومجلس الاتحاد الأوروبي.
قصر بلينهايم هو مسقط ولادة ونستون تشرشل. يجب أن نفهم الرمزية الكامنة في اختيار هذا المكان. هل يعود ذلك إلى كون تشرشل أحد قادة الحرب العالمية الثانية، واختيار المكان الذي ولد فيه لعقد اجتماعات تتناول نقاشات حول حرب عالمية ثالثة، أم أن الأمر يتعلق بالعلاقة التي استعرضها ترامب بوضوح بينه وبين تشرشل أثناء زيارته لإنجلترا في نفس المكان خلال فترة ولايته الأولى (يوليو 2018)؟
أم أن الأمرين متطابقان بالفعل؟
أولا، هناك الفوضى المحتملة في الولايات المتحدة والتي وصلت إلى ذروتها مع محاولة الاغتيال - حيث أطلقت الرصاصة على ترامب ولكنها أصابت بايدن - مما أدى إلى تعقيد الوضع في أوروبا وأوكرانيا بالإضافة إلى "الأصوات المتذمرة" التي تصعب إدارتها،. كما يتضح تزايد قلق لندن من عدم سير الأمور كما هو مخطط لها.
لهذا السبب، حتى يتضح من سيكون رئيس الولايات المتحدة، وربما بعد ذلك أيضا، هناك رغبة أكبر في التدخل. من الواضح أن هناك رغبة في إعادة تنظيم العلاقات مع الاتحاد الأوروبي على أسس جديدة. كما أن وجود حكومة جديدة في إنجلترا يسهل الأمور أيضا. وشعارهم هو "التغيير يبدأ".
لكن القضية الرئيسية هي خوف أوروبا من ترامب، والقضايا المرتبطة بدول مثل المجر وصربيا. من البساطة أن نحصر الموضوع في أوربان أو فوتشيتش؛ فالعديد من الدول الأوروبية، بما في ذلك الدول الكبرى، لم تتبنَ سياسات الولايات المتحدة خلال السنوات الثلاث الأخيرة. ويبحثون عن طرق للتحرر من السياسات التي التزموا بها على مضض "بهذه المناسبة".
مسألة هل قوتهم كافية أم لا هي موضوع آخر. المهم هو نواة هذه الفكرة.
وهذا جانب من القضية. وعلى الجانب الآخر هناك تطورات جديدة ومتكررة.
لا أتحدث عن مجموعة بريكس أو منظمة شنغهاي للتعاون أو الاجتماعات التي ستعقد. وإنما أتحدث عن الأمور التي تبدو أكثر بساطة.
"على سبيل المثال اهتمام تركيا بالنيجر. هل يمكننا تفسير الزيارة التي قام بها وزراء الخارجية والدفاع ورئيس المخابرات ووزير الطاقة وكبار المسؤولين في وزارات الصناعة الدفاعية والتجارة إلى هذا البلد الأفريقي؟
لا يتعلق الأمر بمنتج معين أو ثمين للنيجر. بل يتعلق بالتوازنات الأفريقية أو وجود القوى العظمى في تلك التوازنات، مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، وأوروبا؟ هل يمكننا ربط ذلك بتصريح إيطاليا بأن "تركيا هي شريكنا الاستراتيجي في البحر الأبيض المتوسط"؟ أم أنكم من الذين يكتفون بنظرات ميلوني المعبرة؟
"هل تستطيعون الشعور بالقلق الذي عبرت عنه وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين خلال نهاية الأسبوع الماضي عندما حذرت من أن "الدول حول العالم تبتعد عن الدولار الأمريكي"؟
سلطت مجلة فوربس الضوء على المخاطر التي يمثلها الدين العام الأمريكي المتزايد (34 تريليون دولار) على استقرار النظام المالي الأمريكي، محذرة من أن هذا الدين قد أدخل الاقتصاد الأمريكي في دوامة لا نهاية لها ويهدد استقرار النظام المالي الأمريكي.
يمكننا تحليل هذين الأمرين من خلال منظور "البرامج والمخططات المناهضة للدولار" في الشرق، ولكن النتيجة الأبرز هي أن هذه التوجهات تضر بفعالية العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة بشكل تعسفي على دول مثل تركيا.
لا تكتفي العديد من الدول بتجنب الدولار، بل تشجع أيضا على استخدام العملات المشفرة مثل البيتكوين. وبالتالي، فإن تراجع مكانة الدولار يضعف تأثير العقوبات المفروضة.
توجد العديد من الأمثلة على ذلك، مثل التطبيع بين سوريا وتركيا الذي يخلق فراغا جيوسياسيا في المنطقة. وكذلك الدعم الذي تقدمه دول مثل مصر والسعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة والعراق وتركيا وروسيا، بل وحتى الصين وإيران وفقا لبعض التقارير الإعلامية الخليجية، لجهود التطبيع هذه. ماذا يعني هذا الدعم؟
أو النشاط الصيني الذي شوهد في تقارب السعودية وإيران، والذي قد يتكرر الآن بشكل خاص في فلسطين.
يجب ألا نقع في فخ القول: "نعم، ولكن هناك تحديات كبيرة". القضية الأساسية تكمن في "النواة" أو "البذرة" التي تنمو. والخوف ينمو أيضا؛ فما رأيكم في "الخلل العالمي" الذي حدث يوم الجمعة؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!