ترك برس

رأى السياسي والبرلماني التركي السابق آيدن أونال، أن الصيغة الوحيدة لمنع الجريمة وإصلاح المجرمين، سواء في الداخل أو الخارج، تكمن في تعزيز التعليم الديني.

وتناول أونال في مقال نشرته صحيفة يني شفق الجريمة المروعة التي تعرضت لها الشرطية التركية الشابة شيدا يلماز، على أيدي مجرم من ذوي السوابق الجنائية. 

وقال إنه منذ اللحظة الأولى، تم تحميل القضاء كامل المسؤولية عن هذه الجريمة. حيث اعتُبر أنه المسؤول عن ترك شخص لديه سجل إجرامي حافل يتجول بحرية. كما أن المعاملة غير القانونية التي تعرض لها المتهم على أيدي الشرطة أثناء نقله إلى المحكمة، والتي أعادت إلى الأذهان ذكريات التسعينيات، بالإضافة إلى تصريح وزير الداخلية بأن "من يحقق مع الشرطة الشرطة الذين انتهكوا القانون بأنه خائن"، لم تفسر فقط على أنها تضامن مهني، بل أيضًا كرسالة موجهة إلى القضاء.

وأضاف: لا يقتصر الأمر على هذه الحادثة وحدها، بل هناك العديد من الحالات المشابهة التي تبرز فيها روايات متكررة مفادها أن "الشرطة تلقي القبض على المجرمين، والمحاكم تطلق سراحهم"، وأن "المجرمين يدخلون من الباب الأمامي ويخرجون من الباب الخلفي". هذه التصورات منتشرة بشكل كبير بين الناس.

لكن هل هذا صحيح حقًا؟ هل وجود المجرمين بيننا هو نتيجة تقصير أو إهمال من القضاء؟ الإجابة: لا. فالقضاء الذي تطور عبر قرون يقوم الآن بمهام تقنية بحتة. حيث يقوم بمطابقة الجريمة مع القانون المكتوب، وإن لم تتطابق، يتم الرجوع إلى السوابق القضائية، وإن لم يوجد فإن القضاة يستندون إلى ضميرهم لاتخاذ القرار. وهذا الحكم يمكن أن يخضع لمراجعات إضافية بدءًا من محاكم الاستئناف وصولًا إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. يقول أونال.

وأوضح أنه إذا كان القضاء يصدر أحكامه بناءً على القانون، فهذا يعني أن المسؤول الحقيقي هو البرلمان، أليس كذلك؟ فالبرلمان هو الذي يسن القوانين. ولكن الأمور هناك ليست بهذه البساطة. فكل مادة قانونية تمر بمراحل مناقشة متعددة، بدءًا من الخبراء، مرورًا باللجان والكتل البرلمانية، وصولًا إلى الجمعية العامة، ثم تُحال أخيرًا إلى رئيس الجمهورية ليتم مراجعتها قبل أن تصبح قانونًا نافذًا.

وتابع المقال:

إذاً، إذا لم يكن القضاء ولا البرلمان هما المسؤولان، فمن يتحمل المسؤولية؟

تكمن المشكلة في أننا لا نملك حتى اليوم صيغة نهائية أو حلاً قاطعًا لمسائل "منع الجريمة"، و"العقاب"، و"إعادة التأهيل". هذه المفاهيم كانت موضع نقاش منذ فجر الحضارة الإنسانية. ففلاسفة ومشرعو اليونان ومصر والهند والعالم الإسلامي جميعهم فكروا في هذه المسألة ولكن لم يتمكن أي منهم من الوصول إلى نتيجة نهائية. بعضهم يرى أنه يجب معاقبة الجاني دون النظر إلى الظروف المحيطة، بينما يرى آخرون أن العقاب وحده غير كافٍ، بل يجب أن يصاحبه إصلاح للجاني. ومع تطور علم النفس والطب، ظهرت دعوات لتطبيق تدخلات على دماغ المجرم بهدف تعديل سلوكه. ولكن اتضح أن هذه الحلول ليست إنسانية، ولا تحقق النتائج المرجوة.

حسنًا، تخيل أنك وضعت شخصًا محكومًا بالسجن لمدة 3 سنوات في السجن دون تأجيل للعقوبة أو تخفيض في مدة التنفيذ. ولنفترض أن هناك أماكن كافية في السجون لاستيعاب جميع المحكومين. لكن ماذا سيحدث بعد خروجه من السجن بعد 3 سنوات؟ هل سيتمكن من الاندماج في المجتمع؟ أم أنه سيخرج وهو أكثر ميلًا للجريمة، وربما يصبح عضوا في عصابة إجرامية، كما هو الحال اليوم في تركيا وفي جميع أنحاء العالم؟

وحتى لو اعتبرنا أن الإعدام حلاً نهائيًا لأنه يمثل عقوبة رادعة ولا يتطلب إعادة تأهيل، ماذا عن الجرائم الأخرى؟ على سبيل المثال، إذا قطعت يد شخص ارتكب سرقة، فكيف ستتعامل مع مجتمع يزداد فيه الفقر وترتفع فيه معدلات الجريمة؟ هل ستتمكن من التعامل مع فئة من الأشخاص الذين تم قطع أيديهم وأصبحوا منبوذين، لا يُمنح لهم حتى المال عندما يتسولون؟ بالإضافة إلى ذلك، فإن السجناء الذين يقضون سنوات في أسوأ السجون في العالم لا يترددون في العودة للجريمة عند الإفراج عنهم، وبعضهم يرتكب جرائم فقط للعودة إلى السجن لعدم قدرتهم على التأقلم مع الحياة العادية.

باختصار، المشكلة الأساسية وراء انتشار المجرمين بيننا في تركيا والعالم ليست الشرطة ولا القضاء ولا المشرعون، ولا حتى في سعة السجون. إنما تكمن المشكلة الرئيسية في ضعف آليات الإصلاح وعدم وجود رؤية واضحة حول كيفية التعامل مع هؤلاء الجناة بعد قضائهم لعقوباتهم.

لا حاجة للبحث في أماكن أخرى أو استحضار صيغ من بلدان أخرى؛ فالصيغة الوحيدة لمنع الجريمة وإصلاح المجرمين، سواء في الداخل أو الخارج، تكمن في تعزيز التعليم الديني.

قد لا يمنع الدين الجريمة تمامًا أو يصلح جميع المجرمين، لكن لا شك أنه سيكون له تأثير كبير.

إلى جانب التعليم الديني، يجب أيضًا تشجيع المنظمات الدينية في الداخل والخارج، مع ضرورة مراقبتها بشكل دقيق عبر هيئة إشراف عليا. حيث سيساعد انخراط الأفراد في حلقات دينية، سواء في الحياة العادية أو داخل السجون، على الحد من الجرائم بشكل كبير.

والآن قد يقوم البعض بالرد على اقتراحي هذا، بحساسية علمانية زائفة مستشهدين ببعض الأمثلة الشاذة،. إذن يجب ألا يشعروا بالقلق من وجود مجرمين لم يعاقبوا أو قضوا عقوبتهم وخرجوا، يتجولون بيننا كالقنابل الموقوتة. إن التقدم الحضاري له ثمن أيضًا. فمع المزيد من التقدم الحضاري، ستظهر أيضًا جماعات من الشامانيين أو العنصريين أو الفوضويين أو غيرهم من المنحرفين، ليقوموا بعمليات إبادة جماعية. وكلما أصبحت تركيا تشبه النرويج أكثر، ستشهدون المزيد من الجرائم الجماعية والانحرافات الأخلاقية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!