ترك برس
تشهد المنطقة زياة ملحوظة في التحركات العسكرية، مما يثير القلق بشأن إمكانية تصعيد الصراع الإقليمي. وفي ظل التوترات المتزايدة بين إيران وإسرائيل، تبرز التدريبات العسكرية والتصريحات العدائية كعوامل محفزة للقلق.
العديد من المراقبين يرون أن هذه التحركات، بدلاً من تحقيق الاستقرار، قد تؤدي إلى نتائج عكسية، حيث تسهم في زيادة الانقسام بين الدول وتوتر العلاقات. بالإضافة إلى ذلك، يتزايد احتمال وقوع أخطاء استراتيجية في اللحظات الحرجة، مما قد يجر المنطقة إلى صراعات أوسع.
وفي هذا الصدد، قال الكاتب والخبير التركي نيدرت إيرسانال، أنه منذ حديث الرئيس رجب طيب أردوغان، عن التهديدات الإسرائيلية المحتملة التي تواجه تركيا، لم نتمكن حتى الآن من الاتفاق على "التوصيف المادي" لهذا التهديد، ناهيك عن طبيعته الحقيقية.
وأضاف في مقال بصحيفة يني شفق: "لا نزال نسمع أشخاصاً بارزين يتساءلون متعجبين: "كيف يمكن لإسرائيل أن تهاجم دولة بحجم تركيا! هذا أمر مستحيل". قد يرجع هذا إلى عدم القدرة على استيعاب الأمور، ولكن هناك أيضاً من يقوم بنشر الفوضى بشكل متعمد، فيصبحون جزءاً من ذلك التهديد، عن قصد أو من غير قصد. أليس هذا محزنًا؟
مثال آخر على ذلك هو احتمال وقوع خطأ استراتيجي بين إسرائيل وإيران في لحظة تهدئة مؤقتة، ما قد يؤدي إلى الوقوع في عواقب وخيمة. وفقا للكاتب.
وتابع المقال:
نحن لا نتوقع مثل هذه الفراسة من وسائل الإعلام لدينا أو من معظم المشاركين في البرامج المسائية، ولكن كل من الشرق والغرب قد كتبا عن هذا الاحتمال ويناقشانه بجدية.
يمكن تبسيط الأمر على النحو التالي: إذا تجاوزت إسرائيل الحدود المقبولة في هجومها المرتقب ضد إيران، فقد تتسبب طهران في إلحاق أضرار كبيرة بالمنطقة، ما قد يدفع الولايات المتحدة للتدخل. وعندما تتخذ واشنطن موقفًا مدمرًا تجاه إيران، فإن موسكو وبكين لن تقفا مكتوفتي الأيدي.
و"الحدود المقبولة" بقدر ما ترغب الولايات المتحدة. فقد تكون قواعد عسكرية، أو اغتيالات اعتيادية، ولا داعي لذكر المزيد. ولكن تجاوز هذا الحد، مثل استهداف المنشآت النووية والبنى التحتية النفطية، فهذا أمرٌ مرفوض تماماً. و"المنطقة" التي نشير إليها هي منطقة الخليج العربي، وعلى رأسها السعودية.
مجرد ذكر ذلك يزعج إسرائيل..
لقد صادفت هذا التحليل لأول مرة في صحيفة واشنطن بوست. ثم تكررت في جلسة نظمتها أكاديمية الاستخبارات الوطنية بمناسبة مرور عام على أحداث 7 أكتوبر، حيث صرح البروفيسور طلحة كوسه قائلاً: "نحن نواجه نقطة تحول حرجة للغاية. إذا حدث تدخل عسكري واسع النطاق ضد إيران، فقد يؤدي ذلك إلى تدخل الولايات المتحدة في الحرب ووقوفها بجانب إسرائيل. وفي هذه الحالة، لن تستطيع روسيا والصين البقاء محايدتين إزاء هذا التصعيد. وبالتالي، فإن الصراع الذي يبدو الآن إقليمياً قد يتطور إلى شيء مختلف تماماً."
وبما أن هذا الحديث كان ضمن كلمة افتتاحية، فلم يُعامل كدراسة أو عرض أكاديمي مدعوم بالمراجع، ولم تُبنَ فيه علاقات السبب والنتيجة بشكل متكامل. وقد ناقشنا الموضوع بأكبر قدر من العمق في برنامج "غرفة العقل" بتاريخ 09/10، وحاولنا ربط الأحداث والآثار المترتبة عليها بقدر ما سمح الوقت.
وفي النهاية، هذه مجرد توقعات. وكما يتم تناول المخاطر المحتملة في العلاقات الإسرائيلية التركية، فإن فكرة أن تقوم ثلاث قوى عظمى بإطلاق آلاف الصواريخ النووية ضد بعضها البعض لتدمير العالم هي فكرة غير واقعية. وحتى بدون حدوث أي صراع، فإن هذا الضغط الشديد على منطقة واحدة في الشرق الأوسط كفيل بإثارة التوترات في غرب آسيا والقوقاز والشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط. فهل يمكن لتركيا التي تقع في قلب هذه المنطقة أن تبقى بمنأى عن ذلك؟
وبغض النظر عما إذا كان يجب أخذ الأمور على محمل الجد أم لا، فقد أخذت تل أبيب الأمر بجدية؛ حيث اضطر الرئيس هرتسوغ إلى التصريح قائلاً: 'ليس لدينا خطط تجاه تركيا.' وبالتأكيد، نحن نعلم أن هناك خطة، لكنهم يدركون أيضًا أن المواجهة مع أنقرة، أو حتى مجرد الحديث عنها، سيكون له تبعات غير مرغوبة.
في نهاية المطاف، المسألة ليست في أن التهديدات التي تستند بالفعل إلى أرضية واقعية ستتحقق بأسوأ صورها، بل في حتمية ظهور تداعيات مؤلمة نتيجة لهذه التهديدات.
قطرة واحدة وستفيض الكأس
جميع حدودنا الجنوبية، سواء إيران أو العراق أو سوريا، إما متضررة بشدة أو مقسمة أو تعيش حالة حرب ولو لم تكن معلنة. فهل يمكن تجاهل هذا الوضع؟
أليست القرارات المشتركة التي تتخذها العديد من الدول العربية والخليجية لإغلاق مجالها الجو وقواعدها العسكرية أمام الأطراف في حالة نشوب حرب، أو تصريح مصر بأنها "قد تنتقل إلى الاقتصاد الحربي"، أليست كلها مؤشرات تدل على شيء ما؟
هل من الممكن أن تكون تصريحات الرئيس الأمريكي، بعد كل هذا الوقت وفي هذه الظروف، حين قال: "نحن نسعى لتجنب حرب شاملة في غرب آسيا" بلا مغزى؟ بل إن روسيا والصين تُطلقان نفس التحذيرات بشكل صاخب.
ضعوا علامة على غرب آسيا؛ فواحدة من أكثر القضايا التي تزعج الولايات المتحدة هي امتداد نفوذ روسيا والصين في هذه المنطقة.
ما المقصود بالرسالة التي أراد مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بيرنز توصيلها عندما خرج بتصريحه "لا نرى أي دليل على أن إيران تسارع لإنتاج قنبلة نووية" بالتزامن مع لقاء نتنياهو وبايدن؟ إنها محاولة لتقويض أي مبرر لشن هجوم على إيران. أو لننظر إلى خطبة الجمعة التي ألقاها المرشد الأعلى الإيراني خامنئي بعد انقطاع خمس سنوات، والتي هدد فيها إسرائيل صراحةً باللغة العربية والفارسية بالرد على أي عدوان،قائلا: "لا تصعدوا الأمور، سنضرب مرة أخرى، لقد تعلمتم الآن أننا نستطيع الضرب." وكذلك تصريح قائد الحرس الثوري الإيراني الذي حذر من إشعال المنطقة بأكملها في حال اندلاع حرب. وكذلك وسبب محاولة رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو الاتصال بالرئيس الروسي بوتين بشكل متكرر في حالة من الذعر، وعدم قدرته على الوصول إليه ليس مختلفًا.
لقد حذَّر بنك إنجلترا من أن "تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل قد يؤدي إلى تعطيل إمدادات النفط العالمية بشكل كبير، مما قد يولد صدمة اقتصادية عالمية مشابهة لتلك التي شهدناها في سبعينيات القرن الماضي. نحن نتابع الأزمة عن كثب... حتى لو لم تكن مهتمًا بهذا الأمر، فمن الأفضل أن تأخذ هذا التحذير على محمل الجد. ففي عالمنا الذي يعيش حالة من عدم الاستقرار الجيوسياسي والاقتصادي، يمكن أن تؤدي مثل هذه الأحداث إلى نتائج كارثية مشابهة لتلك التي تسببها الحرب النووية"
لا يمكن التراجع بعد الآن..
كيف يمكننا فهم الهجمات المتزايدة لـ "ناتو المحيط الهادئ"، التي بدأت الولايات المتحدة واليابان بدفعها بقوة، والتي يتوقع أن ترتفع وتيرتها بشكل أكبر، دون أن نكون على دراية بتلك التطورات الجلية؟
وإذا كنت ممن يعتقدون أن هذه الأحداث بعيدة عنّا، فكيف سنفهم ونقيم قمة مجموعة البريكس، التي يُقال إنها ستكون مليئة بالمفاجآت والتي أصبحت جزءًا من واقعنا، والتي أصبحنا "داخلها" بشكل أو بآخر؟
من يعتقد أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية ستنهي الفوضى العالمية، أو حتى ستوقف الحرب في أوكرانيا أو الإبادة الجماعية في فلسطين، فهو واهم. فقد وصلت الأمور إلى مرحلة لا يمكن التراجع عنها.
وإذا كنت تنتظر ظهور شخصية خارقة لينقذ العالم ويعيد عجلة التاريخ إلى الوراء، فاعلم أن تلك الشخصية قد سقطت في القدس".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس