ترك برس
في ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة والتحولات الجيوسياسية غير المسبوقة، احتضنت إسطنبول، أمس الجمعة، قمة لوزراء خارجية منصة "3+3" للتعاون الإقليمي، حيث ناقش المجتمعون التحديات والمخاطر المحدقة وفرص التعاون.
ودول "3+3" يقصد بها الدول المنخرطة في "منصة التعاون الإقليمي لجنوب القوقاز"، التي تأسست بمبادرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس إلهام علييف في ديسمبر/كانون الأول 2020، تهدف إحلال السلام والاستقرار الدائمين في جنوب القوقاز.
ويضم المؤتمر 3 دول من المنطقة (أذربيجان، جورجيا، وأرمينيا) و3 دول مجاورة (تركيا، روسيا، وإيران)، وبات معروفا باسم "3+3".
وحضر المؤتمر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، ونظراؤه وزراء خارجية روسيا سيرغي لافروف، وأذربيجان جيهون بيراموف، وأرمينيا أرارات ميرزويان، وإيران عباس عراقجي، في ظل غياب جورجيا.
والتقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وزراء خارجية أذربيجان وروسيا وإيران وأرمينيا على هامش المنتدى في مكتب الرئاسة بقصر دولمة بهجة في إسطنبول.
فرصة للتشاور
وتضمن المؤتمر تقييم الخطوات التي يمكن اتخاذها لتحقيق الاستقرار وزيادة الرخاء بدلا من الحرب والصراع في المنطقة، ومناقشة مشاريع التعاون الملموسة، بما في ذلك تعزيز الارتباط الإقليمي.
وفي كلمته الافتتاحية، أشار وزير الخارجية التركي إلى أن الاجتماع الثالث لمنصة "3+3" للتعاون الإقليمي فرصة للتشاور بشأن تحقيق السلام الدائم واستكشاف فرص التعاون في جنوب القوقاز.
وأوضح فيدان أن فكرة إنشاء هذه الآلية ظهرت بعد أسابيع من توقيع البيان الثلاثي في التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني 2020، الذي أفضى إلى وقف إطلاق النار في الحرب الثانية حول قره باغ بين أذربيجان وأرمينيا. وبيّن أن الهدف الرئيسي للمنصة هو تلبية الحاجة إلى إطار يُناقش فيه جميع القضايا المتعلقة بجنوب القوقاز.
وأضاف الوزير فيدان "رغم أن المنصة تحمل اسم 3+3، فإن جورجيا تغيبت عن الاجتماع للأسف. وأؤكد مجددا أمامكم أن مكان جارتنا وصديقتنا جورجيا محفوظ، ويمكنها الانضمام إلى المنصة متى شاءت".
كما لفت إلى أن الأزمات التي تمر بها المناطق المجاورة، والحروب والكوارث الإنسانية التي تسببت فيها إسرائيل في الشرق الأوسط، تؤكد مرة أخرى أهمية الحوار والتعاون الإقليمي.
ووضح "نحن نؤمن بأن الدول الإقليمية هي الأقدر على فهم مشكلاتها وحلها".
وعُقد الاجتماع الأول للمنصة عام 2021 في موسكو على مستوى نواب وزراء الخارجية، في حين عُقد الاجتماع الثاني عام 2023 في طهران على مستوى وزراء الخارجية.
ورغم أن جورجيا لم تشارك في الاجتماعين السابقين بسبب علاقاتها مع روسيا، فإن المنصة تبقي الباب مفتوحا أمام انضمامها، في إطار مبدأ "الملكية الإقليمية".
إعلان مشترك
وفي بيان لها، أوضحت وزارة الخارجية التركية أن الاجتماع تناول قضايا مهمة تتعلق بإرساء السلام والاستقرار الدائمين في المنطقة، بالإضافة إلى تعزيز التنمية الإقليمية. وتم خلال الاجتماع تبادل الأفكار بشأن تنفيذ مشاريع ملموسة تهدف إلى تعميق التعاون بين الدول المشاركة.
وبحسب الوزارة، تم الاتفاق على بيان مشترك شدد على أهمية التعاون الاقتصادي في تعزيز الثقة بين الدول والمساهمة في تحقيق الاستقرار والرفاهية. كما توافقت الدول على استكشاف فرص التعاون في مجالات النقل والاتصالات والتجارة والطاقة والاستثمار، مع التركيز على تعزيز الربط الإقليمي.
وأضافت الوزارة أن البيان المشترك أكد أهمية الحوار بوصفه وسيلة لتحقيق السلام والاستقرار في جنوب القوقاز.
كما أشارت إلى أن تركيا تؤكد عزمها على مواصلة العمل مع دول المنطقة لتحقيق السلام الدائم وتعزيز التعاون في جنوب القوقاز.
تعزيز التعاون الإقليمي
أشار الباحث السياسي أحمد أوزغور إلى تصريحات سابقة لوزير الخارجية التركي، موضحا أن المحادثات التي جرت بين وزراء الدول الست في إسطنبول لم تقتصر على مناقشة النزاع بين أذربيجان وأرمينيا فقط، بل تناولت قضايا أوسع تشمل منطقة القوقاز بأسرها، بما في ذلك القضايا الأمنية والاقتصادية التي تؤثر على استقرار المنطقة، بحسب تقرير لـ "الجزيرة نت".
وأوضح أوزغور أن توقيت الاجتماع يتزامن مع جهود تركيا لتخفيف حدة التوترات في علاقاتها الخارجية، وهو ما تجلى في إعلان بدء عملية التطبيع مع أرمينيا. وأكد أن تركيا تسعى، في الوقت ذاته، لتعزيز دورها كوسيط فعال في المنطقة، مستغلة نفوذها الواسع على العديد من الدول المجاورة التي ترى فيها شريكا مهما لتحقيق الاستقرار.
وأشار إلى أن هذا الاجتماع يعكس الطموحات التركية في تعزيز مكانتها الإقليمية، ليس فقط عبر الوساطات، بل من خلال تقديم نفسها كفاعل رئيسي في حل النزاعات الإقليمية، مثل تلك التي تشهدها القوقاز.
وأضاف أن هذا الاجتماع يكتسب أهمية خاصة بالنظر إلى الأوضاع المتوترة في الشرق الأوسط، حيث تسعى تركيا مع شركائها إلى توحيد مواقفهم حول القضايا الإقليمية الشائكة، لا سيما الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، وتأثيراتها المحتملة على الساحة الدولية.
وختم أوزغور حديثه بالإشارة إلى أن الدول المجتمعة تهدف أيضا إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والبنية التحتية، بما في ذلك مشاريع الربط الإقليمي التي من شأنها تقوية العلاقات الاقتصادية بين دول القوقاز والدول المجاورة، مما قد يساهم في خلق بيئة أكثر استقرارا وأمانا على المدى الطويل.
تحذير تركي
حذّر وزير الخارجية التركي من أن احتمالية اندلاع حرب بين إسرائيل وإيران أصبحت "كبيرة"، في ظل تصاعد التوترات الإقليمية المتزايدة، داعيا إلى ضرورة استعداد تركيا والمنطقة لمواجهة هذا السيناريو المحتمل.
وأشار فيدان إلى أن تركيا رفعت مستوى تحذيراتها منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، في مختلف المحافل الدولية، محذرة من تزايد التوترات في المنطقة، وأكد أن الأوضاع تسير نحو مزيد من التعقيد بوتيرة متسارعة.
وفي مقابلة تلفزيونية أمس الخميس، قال فيدان إن "غزة تحولت إلى مقبرة مفتوحة، حيث قُتل عشرات الآلاف من الأبرياء، وارتكبت إسرائيل جرائم إبادة جماعية هناك". وأضاف أن التصعيد الإسرائيلي لم يتوقف عند غزة، بل امتد إلى لبنان، مما يزيد من احتمالات اندلاع حرب إقليمية واسعة تشمل إيران.
وأكد فيدان أن تركيا لا تدعم بأي شكل من الأشكال اندلاع حرب بين إسرائيل وإيران، مشددا على أن "أنقرة تعارض تماما أي نزاع قد يؤدي إلى حرب، ولكن إذا دافعت إيران عن نفسها، فإن ذلك يُعتبر حقا مشروعا".
وفي حديثه عن مواقف بعض الدول الإقليمية، أوضح فيدان أن العديد من تلك الدول كانت تعاني من توترات مع إيران ووكلائها قبل اندلاع النزاع في غزة، معربا عن أسفه، لأن هذه التوترات "تشابكت مع القضية الفلسطينية". وأضاف "معظم دول المنطقة ليست في موقع يمكنها من التصدي لإسرائيل".
وبشأن استعداد تركيا لاحتمال نشوب حرب عالمية، أكد وزير الخارجية أن المؤسسات الحكومية التركية تعمل بجدية على دراسة هذا السيناريو المحتمل واتخاذ الاستعدادات اللازمة. وأشار إلى أن التطورات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية العالمية تشير إلى مزيد من الانقسامات والاستقطابات.
واختتم فيدان تصريحاته بالتأكيد على أن "عدم القدرة على التنبؤ" يشكل أحد أكبر التحديات في العلاقات الدولية حاليا، مشددا على ضرورة أن تعزز الدول سيطرتها على المجالات الاقتصادية والتكنولوجية لمواجهة التحديات المقبلة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!