إبراهيم قاراغول - يني شفق
لنستعرض حدود تركيا بالكامل، ونرسم معًا خريطة لتحديد التهديدات، ونسلط الضوء عليها واحدة تلو الأخرى. لنقدم صورة واضحة لمحاولة "الحصار" الجارية، ونفكر مجددًا في العلاقة بين "الحصار" الخارجي و"الجبهة" الداخلية.
ومع اقتراب اندلاع عاصفة عالمية كبرى، دعونا نتأمل حجم الخطر الذي تواجهه تركيا، ونفكر بتمعن في ما يشغلنا داخليًا، وفي الجهات التي تسعى لتقييد عقولنا وتعطيلها، وما يُدبَّر في الخفاء. لنبدأ من الشرق ونتجه نحو الغرب، بل حتى إلى الشمال...
الحصار من "البوابة الشرقية": ضرورة إيقاف "الحزام الفائق"!
1- "البوابة الشرقية"، بوابة الأناضول وآسيا الوسطى، بقيت مغلقة دائمًا بسبب الشراكة الدائمة بين إيران وروسيا، وهي شراكة لم تتغير قط، حتى مع تبدل الأنظمة في كلا البلدين. كان الهدف دائمًا هو منع توحيد العالم التركي وقطع الطريق أمام تركيا للوصول إلى ما بعد ناخيتشيفان.
هذا النهج استمر على مر الزمن. فقد كانت روسيا وإيران تتحكمان في ربط آسيا الوسطى بالأناضول والعكس. ومن أجل ذلك، تم تمديد الأراضي الأرمنية لتصل إلى الحدود الإيرانية، مما أدى إلى قطع هذا الاتصال بشكل نهائي. وهكذا، وجدت تركيا نفسها محاصرة من الشرق؛ حيث احتلت أرمينيا الأراضي، بينما دعمت إيران هذا الاحتلال لضمان استمرار الحصار.
كانت حرب قره باغ خطوة استراتيجية كبيرة لفتح "البوابة الشرقية". نجحت أذربيجان وتركيا في طرد أرمينيا من الأراضي التي احتلتها، لكن الاحتلال لا يزال قائماً عند الحدود الإيرانية، مما أبقى البوابة مغلقة جزئيًا. تم اقتراح ممر زنغزور كحل بديل، حيث خُطط لإنشاء طريق بري وسكك حديدية تربط تركيا وناخيتشيفان بمحاذاة الحدود الإيرانية وصولًا إلى آسيا الوسطى. ورغم إعداد المشاريع اللازمة، لم يُفتح الممر حتى الآن. لماذا؟
إذا تم كسر "الحصار من الشرق"، فسيُبنى "الحزام الفائق"، وهذا هو مصدر قلقهم الأكبر.
الولايات المتحدة وأوروبا تعملان على استمرار الحصار
إيران، والولايات المتحدة، وأرمينيا، وفرنسا، وحتى الهند، تسعى جاهدة لمنع فتح هذا الممر. حيث يعرقلون وحدة العالم التركي وتقاربه. كما أنهم يحاولون منع "الممر الأوسط"، الذي يمتد من الصين إلى لندن، من إحداث تغيير جذري في طرق التجارة العالمية وتحويل آسيا الوسطى إلى مركز جديد. حاليًا، يتم إرسال كميات هائلة من الإمدادات العسكرية إلى أرمينيا. بينما نسعى نحن لفتح البوابة الشرقية، يعملون هم على إبقائها مغلقة، وما زال هذا "الصراع" مستمرًا.
خريطة الإرهاب من الحدود الإيرانية إلى البحر المتوسط: التهديد الأكبر لتركيا مصدره سوريا... وقد يؤدي إلى تفكيك الأناضول
2- البوابة الجنوبية: بدأ أخطر تهديد واجهته تركيا منذ تأسيس الجمهورية في الممر الممتد من الحدود الإيرانية إلى البحر المتوسط. وكانت الحروب الأمريكية على العراق، والأحداث التي أشعلت الحرب السورية، تهدف أساسًا لتحقيق هذا الهدف.
لقد أُغلقت الحدود الجنوبية لتركيا بالكامل من قبل الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل وتنظيمات إرهابية مثل تنظيم بي كي كي/واي بي جي الإرهابي. ولم يتوقف الأمر عند الإغلاق فقط، بل تحول هذا الممر إلى "ممر إرهابي"، وأصبح الجبهة الأساسية للهجوم على تركيا.
تطور إرهاب تنظيم بي كي كي إلى مشروع احتلال ممنهج. ولو نجحت محاولة الانقلاب/الاحتلال في 15 يوليو، لكان هذا الهجوم قد انطلق فعليًا، ولرُسمت خرائط تضم أراضي تركيا ضمن هذا الممر.
لم يعد الأمر مجرد إرهاب بل محاولة احتلال
لم تعد تركيا تواجه "مكافحة الإرهاب" فقط، بل باتت تواجه نوعًا من التحضير لاحتلالٍ مخطط له يستهدف تقليص أراضيها. هذا المخطط، الذي تم تسويقه عبر القومية العرقية والإرهاب العرقي، يُعد نسخة محدثة في القرن الحادي والعشرين من "تجزئة الخرائط" التي طُبقت بعد الحرب العالمية الأولى.
تدخلت تركيا في هذه الخريطة بعد محاولة انقلاب 15 يوليو. تم إحباط خطة الممر جزئيًا لكنها لم تنتهِ. ولم يكتمل التدخل أيضًا. ومع الإبادة الجماعية التي يمارسها كل من إسرائيل والولايات المتحدة في غزة، والاحتلال الذي يستهدف لبنان، والهجمات التي امتدت لتشمل كامل سوريا، تصاعدت درجة التهديد بشكل كبير. بالنظر إلى التصريحات والأفعال الإسرائيلية والأمريكية، أصبح الاحتلال والهجمات المحتملة القادمة من "البوابة الجنوبية" التهديد الأول والأقرب لتركيا.
على حدودنا "صليبيون" وفي الداخل "محتلون داخليون"
اليوم، تُجبر تركيا على اتخاذ وتنفيذ قرارات مصيرية. التأخير أو الانتظار أو التردد سيضع الأناضول مرة أخرى أمام خطر التجزئة. هذا الأمر لا علاقة له بالسياسة الداخلية أو بالتحزب السياسي، بل هو قضية وجودية. نسمي ذلك "الحصار البري".
حاليًا، يتم بناء جبهة صليبية على طول حدودنا من الحدود الإيرانية إلى شرق البحر المتوسط، وهدفها واضح وصريح: تقليص أراضي الأناضول. الأداة المسلحة الكبرى لهذا المشروع داخل البلاد وفي الجنوب هي الشراكة بين تنظيم بي كي كي/واي بي جي الإرهابي وإسرائيل.
تركيا تواجه خطرًا غير مسبوق، ويجب أن تتصرف بعزيمة استثنائية. القضية هنا هي تركيا، القضية هي الأناضول. وفي هذا السياق، أدعو إلى التفكير بعناية في مفهوم "المحتلين الداخليين" لفهم دورهم في هذا التهديد.
الجبهة الثانية الكبرى: "الحصار البحري" في شرق المتوسط وحشد في القسم الرومي من قبرص3- الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل أقامت أكبر حشد عسكري في شرق المتوسط. ورغم أن الأجندات المعلنة تتعلق بسوريا ولبنان، إلا أن هذا الحشد يشكل نقطة البداية لـ"الحصار البحري" المفروض على تركيا. إذ تقوم هذه القوى بنفس الحشد العسكري في القسم الرومي من قبرص. ومجددًا، تُطرح قضايا غزة ولبنان، لكن الهدف الحقيقي هو تركيا.
أصبح القسم الرومي من قبرص، كما هو الحال في حدودنا الجنوبية، الجبهة الثانية الكبرى المقامة ضدنا في جنوب البحر. ولا يقتصر الأمر على استهداف جمهورية شمال قبرص التركية فقط، بل يشمل الوطن الأم، تركيا، حيث تتجمع جميع القوى الغربية بقدراتها البحرية والجوية في هذه المنطقة.
البوابة الشرقية، ممر الإرهاب الإيراني-المتوسطي، وحشد القسم الرومي: جبهة واحدة لهدف واحد
البوابة الشرقية، وممر الإرهاب الممتد من إيران إلى المتوسط، والحشد في القسم الرومي من قبرص، كلها تشكل جبهة واحدة لها هدف واحد: استهداف تركيا. ولا يتوقف الحصار عند هذا الحد، بل يستمر بالتمدد.
الجبهة الغربية: من القسم الرومي إلى جزر إيجة
4- من القسم الرومي، ننتقل إلى جزر إيجة، التي تم تسليحها بالكامل. جميع الجزر تحولت إلى قواعد أمريكية، وأصبحت مواقع لإطلاق الصواريخ وقواعد بحرية. هنا، تم إنشاء أخطر جبهات "الحصار البحري". حيث تتواجد إسرائيل في كل جزيرة أقامت فيها الولايات المتحدة قواعدها. علاوة على ذلك، الشراكات العسكرية بين إسرائيل واليونان واضحة ومكثفة.
وفي الوقت الذي تصاعد فيه الوجود العسكري الأمريكي والبريطاني والفرنسي والألماني في القسم الرومي، ازداد التركيز العسكري الإسرائيلي في جزر إيجة.
جبهة الحصار في الغرب: تهديد عند عتبة سواحلنا
على بعد صفر من مياهنا البحرية، يتم بناء هيكلية عسكرية تهدف إلى خنق تركيا على الشواطئ، مع إقامة جبهة كبرى في البوابة الغربية. هذه الجبهة أصبحت واقعًا الآن. وعاجلًا أم آجلًا، ستبدأ مواجهة حول الجزر. خريطة بحر إيجة الأخيرة التي نشرتها الاتحاد الأوروبي ليست سوى خطوة ضمن هذا المخطط الكبير.
ديداغاتش إعلان حرب!
القضية ليست متعلقة باليونان وحدها، ولا حتى بالقسم الرومي من قبرص. بل تتمثل في الجبهة الكبرى التي أقامها التحالف الغربي، والتي تمتد عبر البحر الأبيض المتوسط وبحر إيجة. اليونان والقسم الرومي هما مجرد أدوات تُستخدم لتحقيق أهداف هذه الجبهة، تمامًا كما تُستخدم تنظيمات مثل بي كي كي الإرهابي في سوريا. بهذا الشكل، تم خفض دور اليونان ليصبح أشبه بدور التنظيمات الإرهابية.
الحشد العسكري الخطير في البوابة الغربية امتد شمالًا. قاعدة ديداغاتش، التي تقع على بعد ثلاثين كيلومترًا فقط من الحدود التركية، تُعد بمثابة إعلان حرب. الولايات المتحدة وحلفاؤها يتمركزون في هذه القاعدة ضمن خططهم لاحتلال تركيا.
العودة إلى "النقطة الصفر": التدخل العاجل ضد تحالف إسرائيل وبي كي كي
في الشمال، ورغم عدم وجود حدود مباشرة، تُجرى استعدادات عسكرية على السواحل الغربية للبحر الأسود يتم تسويقها بذريعة "التهديد الروسي". لكن هذا الادعاء لا يجب أن يشتت الانتباه. الحشد العسكري الغربي في بلغاريا ورومانيا، عند دمجه مع الحرب الأوكرانية، يظهر خريطة حصار جديدة تستهدف شمال تركيا والبحر الأسود.
تركيا تواجه تحديات على كل هذه الجبهات في وقت واحد. وبينما تعزز وجودها العسكري في مناطق مثل ليبيا، والصومال، والخليج العربي، والبلقان، والقوقاز، وتعمل على إنشاء درع دفاعي خارجي، فإن الوقت قد حان للعودة بكل قوة إلى "النقطة الصفر".
يجب أن تتركز الجهود على خرائط الحصار البري والبحري، مع اتخاذ خطوات عاجلة لا يمكن تأجيلها. الخطوة الأولى، والضرورية، هي إبعاد تحالف بي كي كي/واي بي جي الإرهابي مع إسرائيل عن حدود تركيا الجنوبية.
محاولات تقليص تركيا: إدراك جماعي لمواجهة التهديدات
بعد مرور مئة عام، يمنحنا التاريخ فرصة جديدة للظهور على الساحة، في الوقت الذي يتم فيه إعادة المحاولات الرامية إلى تقليص تركيا. ينبغي أن تتحول هذه الجهود إلى إدراك سياسي عميق ووعي جماعي يُشكل استجابة شاملة لمواجهة هذا التهديد.
لا مجال للانتظار: "الشركاء الداخليون" يتحركون بسرعة
إلى جانب المخطط الكبير للحصار الذي يمتد من البر والبحر، من القوقاز إلى الحدود السورية، ومن شرق المتوسط إلى جزر إيجة، هناك "شركاء داخليون" يعملون على تنفيذ هذا المخطط. بل إن التهديد الداخلي الناجم عن هذه الشراكة قد يكون أكثر خطورة من الحصار الخارجي نفسه. هذا التهديد الداخلي بُني بالفعل، حيث يتحرك هؤلاء الشركاء بتنسيق مع التحالف الغربي وإسرائيل وتنظيم بي كي كي الإرهابي.
لا يمكن التساهل مع أي تهديد يمس وحدة البلاد. يجب على تركيا أن تتخلى عن الخطابات المزينة وأن تواجه التهديدات القادمة من الداخل والحدود السورية فورًا، وإلا فإنها ستواجه عواقب وخيمة.
العاصفة العالمية المقبلة قد تؤدي إلى تغييرات غير مسبوقة. كل الخرائط قد تُطرح للنقاش، وربما يُعاد تشكيلها. لذلك، لا وقت لتأجيل التحرك. على تركيا أن تبدأ فورًا في رسم خريطتها الخاصة للتصدي لهذه المخططات.
وأخيرًا، يجب أن نتمعن جيدًا في الكيفية التي يتحرك بها "الشركاء الداخليون" ومن يقف وراءهم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس