ترك برس
في ظل التطورات الأخيرة في سوريا، بدأ عدد كبير من اللاجئين السوريين في تركيا يضعون مسألة العودة إلى وطنهم في دائرة الاهتمام مجددًا. ورغم التفاؤل الذي عبر عنه البعض بشأن التحسن النسبي في الأوضاع الأمنية في بعض المناطق السورية، إلا أن هناك أيضًا مخاوف كبيرة من أن الأوضاع ما زالت غير مستقرة بما يكفي لضمان العودة بشكل آمن.
وأشار تقرر لشبكة الجزيرة القطرية في هذا الصدد إلى أنه مع استمرار التغيرات الميدانية في سوريا، وتقدم قوات المعارضة في مقابل انسحاب قوات النظام من مدن جديدة، عاد ملف اللاجئين السوريين في تركيا إلى واجهة النقاش السياسي والاجتماعي، إذ تشهد تركيا حالة من التركيز على إمكانية إعادة اللاجئين، مدفوعة بالتطورات الأخيرة التي وصفتها الأوساط السياسية بأنها "فرصة تاريخية" لإعادة اللاجئين إلى وطنهم.
وفي هذا السياق، قالت رئيسة بلدية غازي عنتاب الكبرى عن حزب العدالة والتنمية، فاطمة شاهين، الأحد، إن فتح طريق حلب يمثل "خطوة مهمة في تعزيز العودة الآمنة والطوعية للسوريين". وفقا للجزيرة.
وأضافت خلال تصريحاتها أن "اللاجئين السوريين جاؤوا إلى تركيا تحت ظروف قسرية، لكن مع التحسن النسبي للأوضاع في بعض المناطق داخل سوريا، علينا الآن التركيز على تهيئة الظروف اللازمة لتشجيعهم على العودة".
وأوضحت رئيسة البلدية أن إدارات البلديات تعمل بالتعاون مع الحكومة على توفير البنية التحتية واللوجستيات لدعم هذا المسار، مشيرة إلى أن هناك جهودا مكثفة لضمان تحقيق عودة "آمنة وكريمة"، موضحة أن "هذه العودة ليست مجرد هدف سياسي، بل ضرورة عملية لضمان استقرار السوريين وإعادتهم إلى بيئتهم الطبيعية".
تراجع أعداد السوريين
ووفقا لإحصاءات إدارة الهجرة التركية الصادرة نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بلغ عدد السوريين المقيمين في تركيا تحت بند "الحماية المؤقتة" مليونين و938 ألف و261 شخصا.
ويعكس هذا الرقم انخفاضا ملحوظا مقارنة بالسنوات السابقة، بحسب تصريحات لوزير الداخلية التركي علي يرلي كايا، فسر فيها هذا التراجع بأنه يأتي على خلفية عودة اللاجئين إلى المناطق التي تعتبرها تركيا "آمنة"، حيث أشار إلى أن 729 ألفا و761 لاجئا سوريا عادوا إلى بلادهم بين عامي 2016 و2024، منهم 114 ألفا و83 عادوا خلال العام الجاري فقط.
كما لفت إلى أن هذه العودات تتم في إطار ما وصفه بـ"العودة الطوعية والآمنة"، مؤكدا أن الحكومة التركية تعمل على توفير الظروف المناسبة في المناطق السورية المستهدفة لإعادة اللاجئين إليها، بما في ذلك تأمين الخدمات الأساسية وتطوير البنية التحتية.
وتُظهر بيانات إدارة الهجرة أن عدد السوريين في تركيا شهد زيادة مستمرة منذ عام 2011، حيث سجلت أعدادهم في عام 2012 نحو 14 ألفا و237 شخصا فقط، قبل أن تشهد قفزات متتالية خلال السنوات اللاحقة.
وبحلول عام 2016، تجاوز العدد مليوني لاجئ، فوصل إلى مليونين و834 ألفا و441 شخصا، ثم تجاوز حاجز 3 ملايين عام 2017، أما عام 2021 فقدد سجلت الأعداد ذروتها عند 3 ملايين و737 ألفا و639 شخصا، وهو أعلى رقم منذ بداية اللجوء السوري إلى تركيا.
فرحة وترقب
تحدثت الجزيرة نت مع عدد من اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا حول نيتهم العودة إلى وطنهم في ظل التطورات الأخيرة، حيث أبدى البعض تفاؤلا حذرا بينما عبر آخرون عن مخاوفهم من عدم استقرار الوضع.
يقول ناصر الخطيب، وهو صاحب محل قهوة في حي أوندر بالعاصمة أنقرة، إن "الأحداث الأخيرة أعادت لنا الأمل في العودة إلى سوريا، أنا هنا في تركيا كلاجئ، وليس لدي نية للاستقرار الدائم، الحياة أصبحت صعبة جدا، خاصة مع الظروف الاقتصادية المتردية وارتفاع تكاليف المعيشة".
ويضيف الخطيب "إذا استقرت الأوضاع في حلب وأصبح هناك ضمان حقيقي لعدم عودة القتال، فسأعود مع عائلتي من دون تردد، كثير من أقاربي ومعارفي يفكرون بالطريقة نفسها، فنحن جميعا ننتظر فرصة العودة إلى بيوتنا وحياتنا السابقة".
أما محمد العزاوي، وهو صحفي سوري من مدينة حلب ويقيم حاليا في إسطنبول، فيرى أن التطورات الأخيرة فتحت بابا جديدا للنقاش الجدي مع عائلته حول العودة إلى مدينتهم، ويقول "لم نتخذ قرارا نهائيا بعد، لكن خيار العودة أصبح مطروحا بشكل أكبر، هناك شعور متزايد بأن الأمور قد تتغير نحو الأفضل، ومع ذلك نحتاج إلى رؤية ضمانات واضحة بأن هذا الاستقرار لن يكون مؤقتا".
ويشير العزاوي أيضا إلى أن ظروف الحياة في إسطنبول، على الرغم من كونه يعمل صحفيا ويتمكن من تغطية نفقاته، إلا أنها باتت تشكل ضغطا كبيرا، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، ويقول: "العودة إلى حلب ستوفر لي ولعائلتي فرصة لإعادة بناء حياتنا، ولكننا لا نريد أن نتسرع قبل أن تتضح الصورة بالكامل".
من جانبه، يبدي عبد الحي النجار، وهو لاجئ سوري مقيم في تركيا، حذرا أكبر تجاه فكرة العودة في الوقت الراهن، ويقول إن "الأوضاع الحالية ما زالت غير واضحة تماما، صحيح أن هناك تقدما للمعارضة وسيطرة على بعض المناطق، لكن لا شيء يضمن أن هذا الوضع مستدام، نحن نخشى أن يكون هذا استقرارا مؤقتا سرعان ما يتبعه تراجع أو تصعيد عسكري جديد".
ويعبر النجار عن مخاوفه من احتمال عودة قوات النظام السوري إلى المناطق المحررة، وهذا قد يعرِّض العائدين لخطر الاعتقال أو التهجير مجددا، ويضيف: "قرار العودة ليس سهلا، هناك الكثير من الترتيبات التي يجب اتخاذها، مثل إعادة بناء المنازل وتأمين مصدر دخل، نحتاج إلى ضمانات حقيقية ودعم ملموس لتسهيل هذه الخطوة".
عودة ممكنة
ويرى حيدر شان، الباحث في وقف أبحاث الهجرة التركي، أن التطورات الميدانية الأخيرة في سوريا، قد تفتح الباب أمام عودة طوعية للاجئين السوريين المقيمين في تركيا، لكنه يؤكد أن تحقيق ذلك يتطلب تدخلا رسميا مدروسا وتنسيقا دوليا لضمان استدامة هذه العودة وحفظ كرامة اللاجئين وأمانهم.
ويشدد شان في حديثه للجزيرة نت، على أهمية تسوية أوضاع اللاجئين القانونية في تركيا لتسهيل انتقالهم إلى وطنهم من دون تعقيدات، ويقول: "اللاجئون بحاجة إلى دعم حكومي وإجراءات مبسطة تجعل العودة الطوعية خطوة عملية قابلة للتنفيذ، بدلا من أن تكون مجرد خيار نظري".
كما يشير إلى أن تأمين المدن المحررة بشكل دائم يمثل شرطا أساسيا لنجاح هذه الجهود، موضحا أن اللاجئين لن يقدموا على العودة ما لم يشعروا بالاطمئنان لاستقرار هذه المناطق، ويوضح أن "توفير بنية تحتية صالحة للعيش، تشمل الإسكان، الخدمات التعليمية، والرعاية الصحية، أمر لا غنى عنه لجذب العائدين".
ويرى شان أن إطلاق مشاريع تنموية في المناطق المحررة قد يكون حافزا كبيرا، إذ يمنح اللاجئين فرصة لإعادة بناء حياتهم بشكل مستدام، لكنه يلفت إلى أن "أي مسعى لتحقيق العودة الطوعية لن يكتمل إلا بضمانات حقيقية توفر حياة كريمة وآمنة، بعيدا عن أي تهديدات أو مخاطر مستقبلية".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!