ترك برس
تناول مقال تحليلي للكاتب والباحثة في الشأن التركي صالحة علام، أبعاد التفجيرات الإرهابية التي وقعت في مدينة منبج السورية التي حررتها الفصائل السورية من ميليشيات "قوات سوريا الديمقراطية - قسد" الانفصالية، التي يقودها تنظيم "حزب العمال الكردستاني - بي كي كي" المصنف في قوائم الإرهاب.
وأشارت الكاتبة إلى ارتفاع حدة المواجهات العسكرية الدائرة بين "قسد" والفصائل السورية المدعومة من تركيا في محيط مدينة منبج الواقعة شرقي حلب، مع تصاعد في العمليات الإرهابية التي تودي بحياة العشرات من المدنيين الأبرياء، وذلك استباقا لزيارة الرئيس السوري أحمد الشرع للعاصمة التركية أنقرة والتي جرت في الرابع من الشهر الجاري، تلبية لدعوة من نظيره التركي.
وكأن الهدف هو التحذير من مغبة الانسياق وراء المخططات الساعية لإخراج أكراد سوريا من المعادلة، والتصدي لأي مكاسب يمكن أن تتحقق لهم استثمارا للدعم الأمريكي والأوروبي، بعد تغير الأوضاع، وبدء بناء الدولة السورية الجديدة على أسس مختلفة عما كان عليه الوضع قبلا. وفقا لمقال الكاتبة في موقع الجزيرة مباشر.
وجاء في المقال:
آخر هذه العمليات كان التفجير الذي وقع بحافلة تقل عشرات النساء العاملات في الزراعة، وأسفر عن مقتل وإصابة أكثر من ثلاثين منهن، وهو التفجير الذي لم تعلن أية جهة مسؤوليتها عنه حتى الآن.
قوات سوريا الديمقراطية -وهي المتهم الرئيس بالوقوف وراء الحادث- سارعت إلى إصدار بيان دانت فيه التفجير الإرهابي، محملة مسؤوليته وما يماثله من أعمال تخريبية متتالية في منبج لمن وصفتهم بالفصائل والمرتزقة الموالين لتركيا، الذين يتبنون ثقافة التفخيخ وتوسيع نطاق الاقتتال الداخلي، وإشاعة الفوضى والإرهاب والفتنة، على حد زعمها.
ورغم هذا النفي فإن أصابع الاتهام لا تزل تشير إلى ضلوع وحدات حماية الشعب -وهي أكبر فصائل قوات سوريا الديمقراطية (قسد)- أو بعض عناصرها في هذا التفجير وغيره من التفجيرات التي شهدتها المدينة مؤخرا، وتسببت في مقتل وإصابة العشرات.
توجيه الاتهام إلى قسد يأتي في أعقاب بعض الممارسات التي قامت بها ضد سكان منبج، ولعل أبرزها قطع التيار الكهربائي عن المدينة منذ قرابة شهرين، وقصفها محطة المياه التي يعتمد عليها السكان في توفير احتياجاتهم من مياه الشرب، في استهداف متعمد للسكان المدنيين.
وهي ممارسات تدل على أن عناصر التنظيم فقدوا توازنهم، نتيجة مرورهم بمرحلة من الضبابية التي تخيم على مصير وضعهم في شمال شرق سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، وحديث مسؤولي الإدارة الأمريكية الجديدة عن عزمهم سحب قواتهم من الأراضي السورية، وعدم التوصل إلى اتفاق مُرضٍ حتى الآن مع القيادة السورية الجديدة، بعد الشروط التعجيزية التي طرحتها قسد كاشتراط أن يتم إدماج عناصرها ضمن منظومة القوات المسلحة السورية الجديدة كتلة واحدة، وتقاسم ثروات المنطقة مع الحكومة المركزية في دمشق.
ومما أثر في سلوك قسد كذلك شعورها بالهزيمة نتيجة فقد السيطرة على منبج في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وطردها منها على أيدي الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا.
كل ذلك أسفر عن فشل المفاوضات المباشرة بين مظلوم عبدي القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية وأحمد الشرع الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، وزادت الأمور تعقيدا تلك التصريحات التي خرجت من مسؤولي الإدارة الذاتية لوحدات حماية الشعب، معتبرة أن اختيار الشرع رئيسا للبلاد تم بشكل غير قانوني، رافضة رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا في الوقت الراهن، أو إزالة هيئة تحرير الشام من قوائم الإرهاب.
وطالبت بعقد مؤتمر وطني بمشاركة جميع القوى السياسية والإثنيات العرقية لتحديد هوية الدولة السورية الجديدة، التي يجب -وفق وجهة نظرها- أن تكون علمانية مدنية لا مركزية، ولوضع الإطار العام للدستور الجديد للبلاد.
وعلى الرغم من تأكيدها على أهمية استمرار سوريا دولة موحدة ذات حكومة مركزية عاصمتها دمشق، فإنها شددت في الوقت نفسه على أن مواطني شمال شرق سوريا يريدون إدارة شؤونهم المحلية ضمن إطار دولة لا مركزية.
وهي شروط ومطالبات أكدت أن قوات سوريا الديمقراطية لا ترغب في التوصل إلى حل سلمي مع الإدارة السورية الجديدة، وأنها تطمح إلى الحصول على مكاسب قومية على حساب وحدة الدولة السورية، وأنها وفق هذا الطرح لا توجد لديها نية لتسليم سلاحها، وحل نفسها، والتخلي عن المناطق الواقعة تحت سيطرتها.
وهكذا وجدت الإدارة السورية أن توافقها مع وجهة النظر التركية في هذا الملف تحديدا يعد المخرج الوحيد الذي سيمكنها من إنهاء هذه المعضلة، وإعادة فرض هيبة الدولة السورية وسيطرتها على جميع أراضيها، والمحافظة على الوحدة الترابية لجغرافية الدولة السورية.
ويؤمن لجارتها تركيا الحفاظ على أمنها القومي، وإزالة مخاوفها المرتبطة بوجود العناصر الكردية المسلحة على طول خط حدودهما المشتركة البالغة 911 كيلومترا، وما تمثله من تهديد مستمر لها.
وقد أعلنت على لسان وزير دفاعها استعدادها للتدخل عسكريا في حال ظل رفض الاندماج ضمن مختلف وحدات القوات المسلحة للدولة، هو الموقف المعلن للعناصر الكردية المسلحة؛ مما يعني موافقة سورية ضمنية على خطة تركيا الرامية لإطلاق عملية عسكرية موسعة تستهدف إنهاء وجود هذه العناصر في الشمال السوري برمته.
يؤكد هذا التوجه التصريحات التي صدرت عن كل من الرئيس السوري الذي استبق زيارته لأنقرة بإعلان أنه لا مكان لعناصر حزب العمال الكردستاني في سوريا، ووزير خارجيته الذي شدد على أن بلاده لن تسمح بأن تكون حدودها المشتركة مع الجارة تركيا مصدر تهديد لها.
دعوة الرئيس التركي لنظيره السوري، وإجراء مباحثات ثنائية مغلقة دامت أكثر من ثلاث ساعات متواصلة تصدرها الملف الأمني والتعاون العسكري، هدفت فيما يبدو إلى اعتماد خطة التدخل العسكري التركي، وموعد القيام بها، وتحديد الخطوات الأولية التي سيتم اتخاذها ضد المسلحين في شمال شرق سوريا، ويشمل هذا حزب العمال الكردستاني، وتنظيم الدولة، وفق ما أعلنه أردوغان.
وذلك مع التعهد بالتعاون معًا لضبط معسكرات الاحتجاز الموجودة في شمال شرق سوريا، المعتقل فيها العناصر المنتمية لتنظيم الدولة، بدلا من قسد بعد خروج عناصرها من المنطقة، في رسالة واضحة لواشنطن، التي ترى أن إحكام قبضة قوات سوريا الديمقراطية على هذه العناصر كان من أهم العوامل التي أضعفت التنظيم، وساهمت في القضاء عليه، وأن عليهم الاستمرار في القيام بهذه المهمة.
الرئيسان اتفقا أيضا على إقامة شراكة استراتيجية في مختلف المجالات، ومواجهة التهديدات الأمنية في المنطقة، بما يضمن أمنا واستقرارا دائمين لكلا البلدين، وفق تصريحات الشرع، وهو ما يشير إلى أن المرحلة المقبلة ستكشف عن المزيد مما تم التوافق بشأنه بين الجانبين، سواء ما يخص توقيع اتفاقية دفاع مشترك، أو إقامة قواعد عسكرية تركية في وسط سوريا، كما أشارت إليه العديد من وسائل الإعلام المحلية.
هذا إلى جانب المساعدة على بناء وتدريب الجيش السوري الجديد، خاصة أن رئيس الأركان التركي سبق أن أكد قدرة قواته المسلحة على تقديم الدعم اللازم لإنشاء جيش جديد في سوريا، ولهذا الغرض تحديدا توجه وفد عسكري رفيع المستوى إلى دمشق نهاية يناير/كانون الثاني المنصرم.
وبذلك تحقق تركيا من خلال زيارة واحدة للرئيس السوري الجديد لأنقرة جميع أهدافها الأمنية، والعسكرية، والاستراتيجية، والاقتصادية، وتتحول فعليا إلى أهم شريك إقليمي للدولة السورية الجديدة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!