
ترك برس
استعرض مقال للكاتب والخبير التركي سلجوق تورك يلماز، تحليلًا لسياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه قطاع غزة والشعب الفلسطيني من منظور الاستعمار والتطهير العرقي.
ويشير المقال إلى أن ترامب، في سياق خططه للشرق الأوسط، يسعى إلى السيطرة على الأراضي التي يعتبرها جزءًا من طموحاته الاستعمارية، حيث يرى في الفلسطينيين عائقًا أمام تحقيق هذه الأهداف.
كما يسلط الضوء على مقاومة أهل غزة، الذين يسعون للعودة إلى أراضيهم الفلسطينية التاريخية، ويؤكدون أن هذه الأراضي ليست "أرضًا بلا شعب"، في مواجهة الأطماع الاستعمارية الأمريكية والبريطانية.
وفيما يلي نص المقال:
عندما أُجبرت إسرائيل على الانسحاب من قطاع غزة عام 2005، قام المستوطنون أيضًا بإخلاء المستوطنات غير الشرعية. وكان لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون دور كبير في اتخاذ هذا القرار. وكانت مغادرة المستوطنين الصهاينة لأراضي غزة حدثًا مهمًا، ولكن بعد ذلك بدأت إسرائيل الصهيونية في تنفيذ خطة جديدة، فقد فرضت الحصار على غزة، وقامت حتى بحساب إمدادات الغذاء للفلسطينيين وتقنينها، وفعلت كل شيء لجعل حياتهم أكثر صعوبة، كانت فكرة الحصار تقوم على اعتقاد الصهاينة بأن الفلسطينيين لن يستطيعوا تحمل المعاناة التي يسببها الحصار، وسيضطرون في النهاية إلى مغادرة قطاع غزة، حيث كان الصهاينة يرون أن الفلسطينيين لم يتمكنوا من تحقيق هويتهم كأمة وأنه من الممكن لهم ترك أراضيهم بسهولة. وبالتالي يستطيعون إعادة احتلال القطاع مجددا، واتخاذ خطوة كبيرة أخرى في الأراضي الفلسطينية التاريخية.
وكان الصهاينة في عشرينيات القرن الماضي يحملون نفس الاعتقاد، حيث كانوا يصفون فلسطين بأنها "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". ولكن نظرا لأن الدراسات الاستشراقية تتجاهل السياق الاستعماري، فإن هذا الاعتقاد لم يُناقَش بجدية، على الأقل في بلادنا. وكان هذا التيار يُفهم في بلادنا بشكل أساسي من خلال القيمة العلمية للدراسات الاستشراقية والمفاهيم الخاطئة المتعلقة بنا، رغم أن الدافع الأساسي للاستشراق كان الطموحات الاستعمارية. إذ كان هدفهم هو الاستحواذ على الشرق نفسه، وكان لابد من القضاء على السكان الأصليين الذين يعيشون هناك.
والشرق في هذا السياق هو "الشرق العربي". وقد نشأت "المسألة الشرقية" من السعي لتحقيق هذه الرغبة. وكشف إدوارد سعيد الذي تناول قضية الاستشراق بنظرة نقدية في كتابه "الثقافة والإمبريالية"، عن رغبة المستشرقين في القضاء على سكان الشرق. وكان مفهوم "الشعب بلا أرض" انعكاسا لرغبة الإقصاء هذه.
أود أن أشير ـ وإن كنا سنخرج عن الموضوع قليلًا ـ إلى أن مفهوم الحضارة نفسه قد نشأ من رحم الاستعمار. فقد آمن الصهاينة بمفهوم "شعب بلا الأرض" لأنهم تبنوا مفهوم الحضارة عند المستشرقين. كما أن مفاهيم "الوحشي" و"البربري" و"غير المتمدن" و"شبه المتمدن" قد استمدت جذورها من نفس الاعتقاد، حيث كان المقصود من هذه المفاهيم في الأساس كل من لا يعيش حياة البريطانيين أو الفرنسيين أو الألمان. وهذا الاعتقاد ما هو إلا امتداد لفكر عنصري. والأدهى من ذلك هو أن هذا الاعتقاد قد وجه جميع الأنشطة. وعندما قال كارل ماركس "إنهم شرقيون ولا يعرفون كيف يعانون"، فقد أظهر أنه يتبنى نفس المعتقد. ولم تكن تصريحات بايان تيرنر، وبعده بسنوات روبرت جي سي يونج، حول ضرورة "تنقية التراث الماركسي من الاستعمار" بلا أساس. فقد ورث "اليسار الأوروبي" النظرة الاستعمارية كما هي. فـ"الشرق" في تلك العقلية لم يكن سوى أرض ينبغي السيطرة عليها وتطهيرها من سكانها الأصليين.
ويمكننا فهم سبب كون مفهوم "التطهير العرقي" نتاجًا للنظرة الاستعمارية من خلال النظر إلى مصطلحات مثل "الهمجي، المتوحش، غير المتحضر، ونصف المتحضر". فعندما قام البريطانيون بـ "تطهير" أمريكا الشمالية وأستراليا ونيوزيلندا، من سكانها الأصليين كانوا يعتقدون أنهم يجعلون هذه الأراضي والتي كانت هدفًا لرغباتهم الاستعمارية، أكثر تحضرًا. وكانوا يعتقدون أن السكان الأصليين غير قادرين على الشعور بالألم لأنهم لم يكونوا متحضرين. ولذلك لم يشعروا بالذنب أو تأنيب الضمير وهو يقومون بالتطهير العرقي. كما اعتقدوا أنه من غير الممكن أن يشعر السكان الأصليون بحنين إلى وطنهم لأنهم لم يتمكنوا من أن يصبحوا أمة.
وفي بلادنا أيضا، بعد السابع من أكتوبر كانت تُتداول تصريحات مثل "الفلسطينيون يستحقون ذلك لأنهم باعوا أراضيهم". هؤلاء لم يدركوا أنهم كانوا يعبرون بحماس عن رغبات الاستعمار البريطاني أو الفرنسي. وكانوا هم أيضًا يعتقدون أن الفلسطينيين لن يرتبطوا بأراضيهم. ولتحقيق هذا التواطؤ العميق مع الأحكام الاستشراقية، يجب أن يكون الاستعمار العقلي قد وصل إلى أقصى مراحله. وبالطبع، هؤلاء لم يكونوا يعترضون على استيطان الصهاينة في الأراضي الفلسطينية التاريخية.
كما أن الدوافع الاستعمارية هي التي حركت الرئيس الأمريكي ترامب. فهو أيضاً يفهم التطهير العرقي على أنه تطهير الأراضي التي يرغب في الاستيلاء عليها من السكان الأصليين الذين يعيشون فيها. ومن هذا المنطلق، فإن خطط ترامب تجاه غزة تلخص مفهوم التطهير العرقي. ومن الواضح جداً أنه عندما أشار ترامب إلى الوضع الحالي في غزة، فإنه لم يقصد أن الولايات المتحدة وبريطانيا قد دمرتاها وحولتاها إلى خراب بأسلحتهما. بل إنه يريد السيطرة على الشرق، الذي هو هدف رغباته الاستعمارية، والتخلص من الشرقيين الذين يراهم عائقًا أمام تحقيق هذه الرغبات. ومن الواضح أنه لا يعتبر أهل غزة أناساً متحضرين.
أما الغزيون فهم يعيشون لأول مرة في تاريخهم حماسة العودة إلى الأراضي الفلسطينية التاريخية في مواجهة كل هذه الأطماع. وهذا الحماس غير مرحب به أبدا، لأن الفلسطينيين يثبتون بذلك للصهاينة والبريطانيين أن الأراضي الفلسطينية التاريخية ليست "أرضًا بلا شعب".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس