ترك برس

سلط تقرير تحليلي للخبير السياسي التركي يحيى بستان، الضوء على التغيرات والتطورات الجيوسياسية التي يشهدها العالم، خاصة في سياق الحرب الروسية الأوكرانية، والتوترات داخل الاتحاد الأوروبي، خاصة في ظل الضغط الأمريكي.

وتناول بستان في تقريره المفاوضات المحتملة بين الولايات المتحدة وروسيا، حيث تسعى السعودية إلى لعب دور رئيسي في استضافة محادثات السلام. وتطرق إلى اللقاءات المستقبلية بين الرئيس الأوكراني زيلينسكي ونظيره التركي رجب طيب أردوغان.

واستعرض مطالب أوكرانيا من أنقرة فيما يخص مفاوضات السلام، بالإضافة إلى التحديات التي تواجه أوكرانيا في قبول التنازلات التي تفرضها خطة الرئيس الأمريكي ترامب، لافتا الانتباه إلى التوترات في العلاقات الأوروبية الأمريكية.

إضافة إلى ذلك، يسلط التقرير الضوء على تفاعلات تركيا مع بعض الدول الأوروبية، خاصة في مجالات الدفاع، مثل صفقة طائرات "يوروفايتر" وصواريخ "ميتيور" مع المملكة المتحدة وإيطاليا وفرنسا، وكيف أن هذه الصفقة تثير استياء اليونان وتكشف عن ضعف الاتحاد الأوروبي في إدارة مصالحه الاستراتيجية.

وفيما يلي نص التقرير الذي نشرته صحيفة يني شفق:

لقد أعلن الرئيس الأمريكي ترامب عن "اتفاقه مع الرئيس الروسي بوتين على إنهاء الحرب"، بعد المكالمة الهاتفية التي جرت بين الرئيسين.

وقد أبدت المملكة العربية السعودية رغبة في أن تكون فاعلاً رئيسيًا في هذه القضية، لذلك سعت لاستضافة محادثات السلام. فأجرت عدة لقاءات مع كل من الولايات المتحدة وروسيا، وطرحت اقتراحات "تسهيلية" شملت وعودًا بالاستثمار. ويبدو أنها قد حصلت على ما كانت تسعى إليه.

ومن المقرر أن يلتقي وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، بالوفد الروسي في الرياض. كما سيزور الرئيس الأوكراني زيلينسكي الرياض في الأيام القادمة. وقد أُعلن أن زيلينسكي لن يجتمع بالمسؤولين الأمريكيين والروس. وتخطط الولايات المتحدة لاستبعاد أوكرانيا والاتحاد الأوروبي من المحادثات في الوقت الحالي حتى تتضح الصورة بشكل أكبر.

 

ما هي مطالب زيلينسكي من أنقرة؟

ومن المقرر أن يلتقي زيلينسكي بالرئيس أردوغان في أنقرة وتكتسب هذه الزيارة أهمية بالغة، حيث أكد الرئيس الأوكراني على حق بلاده في أن تقرر من سيشارك في المفاوضات التي تتعلق بالحرب الدائرة على أراضيها. فهل سيدعو زيلينسكي تركيا للانضمام إلى طاولة المفاوضات؟ وهل سيطلب ضمانات للسلام؟ أم سيتطرق إلى قضايا أخرى تتعلق باحتياجات أوكرانيا؟ سنعرف الإجابات على هذه الأسئلة بعد اللقاء المقرر.

ومهما كانت النتيجة، فإن خطة ترامب تثير استياء أوكرانيا، فالرئيس الأمريكي يفرض تنازلات قاسية تهدف إلى السيطرة على 50% من المعادن النادرة للبلاد، ونتيجة لذلك ستفقد أوكرانيا جزءاً من أراضيها، وهذه المعادلة ستنتهي بخسارتها في جميع الأحوال، ويصعب على كييف تقبل هذا السيناريو.

هل هناك انقلاب في عواصم الاتحاد الأوروبي؟

إذا توصل ترامب إلى اتفاق مع بوتين، فستكون أوكرانيا بمثابة "مقبلات" في هذا الاتفاق. ولا شك أن الاتحاد الأوروبي سيجد نفسه بين المطرقة والسندان في مواجهة الولايات المتحدة وروسيا.

ولا يرغب الرئيس الأمريكي في سماع اعتراضات، ويتوقع أن يكون الاتحاد الأوروبي حليفا له في معركته ضد الصين. ولتحقيق ذلك، يدعم علنًا الأحزاب اليمينية المتطرفة، أي الأحزاب المناهضة للاتحاد الأوروبي، في جميع أنحاء أوروبا. إن زيادة النفقات الدفاعية في أوروبا، وصعود اليمين المتطرف إلى السلطة، سيحول أوروبا إلى سلاح قوي في يد الولايات المتحدة. هذه الصورة ستساعد الإدارة الأمريكية الجديدة أيضًا في الخروج من عزلتها الأيديولوجية. وقد بدؤوا بالضغط عبر استهداف حكومات ألمانيا والمملكة المتحدة علناً. قد يتردد الأوروبيون في القول علنًا، لكن من الواضح أن هناك مساع لتغيير النظام في هذه الدول عبر انقلاب من نوع جديد.

المشادة الكلامية في ميونيخ

وفي أول لقاء مباشر بينهما في مؤتمر ميونيخ للأمن، لم يترددا في طرح أفكارهما، لكنهما لم يتوصلا إلى اتفاق بشأن الرسوم الجمركية وسياسة أوكرانيا والبنية الأمنية واليمين المتطرف.

وأعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عن نية الاتحاد الأوروبي الرد على أي رسوم جمركية قد تفرضها الولايات المتحدة. وأكد المستشار الألماني أولاف شولتز على دعم بلاده لأوكرانيا ورفضها لأي محاولة لنزع سلاحها، وانتقد الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، ما أسماه بـ"النخبة التكنولوجية الصغيرة" في الولايات المتحدة، في إشارة إلى إيلون ماسك. ودعا البريطانيون إلى إرسال قوات إلى أوكرانيا.

إن تقييم نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس للتهديدات كان لافتًا وصادماً للغاية، حيث قال فانس: "أكثر ما يثير قلقي من تهديدات تجاه أوروبا ليس روسيا أو الصين، بل من الداخل (الهجرة)." أما وزير الدفاع الأمريكي هيغسيث فقد شدد على أن "وجودنا في أوروبا لا يمكن أن يستمر إلى الأبد"، وهو ما يعد تهديداً مبطنًا.

"ترامب عنصري"، أليس الاتحاد الأوروبي كذلك أيضا؟

وبعد مؤتمر ميونخ للأمن، توصلت إلى استنتاج مفاده أن أولئك الذين يتهمون الرئيس الأمريكي بالعنصرية لا يختلفون عنه قيد أنملة، فنظرتهم العنصرية تخلق عمى في علاقاتهم مع تركيا. فهم لا يزالون بعيدين عن رؤية إمكانية إقامة تحالفات استراتيجية مع دول قوية بديلة مثل تركيا، أو القيام بمبادرات لتغيير قواعد اللعبة. والجدير بالذكر أن بريطانيا دُعيت إلى اجتماع القادة الأوروبيين الأسبوع الماضي لمناقشة الأمن الأوروبي، في حين لم تتم دعوة تركيا.

تحديد سعر طائرة "يوروفايتر"

ورغم ذلك، هناك تواصل أكبر مع تركيا في مجال الدفاع مقارنةً بالوضع في الماضي. إن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بشأن تزويد تركيا بطائرات يوروفايتر الحربية وصواريخ ميتيور يعتبر ذا أهمية كبيرة. وفيما يتعلق بصواريخ ميتيور، فإن الاتفاق مع المملكة المتحدة وإيطاليا وفرنسا حديث العهد. أما فيما يخص طائرات يوروفايتر، فمن المتوقع أن يتم تحديد الأسعار هذا الشهر. ومن المتوقع أيضًا أن يتم تزويد تركيا بالطائرات والصواريخ في عام 2026.

وهذا الوضع يثير استياء اليونان، التي تشهد توترات مع فرنسا بسبب صفقة صواريخ ميتيور نفسها. وقد قام رئيس الوزراء اليوناني ميتسوتاكيس بزيارة إلى باريس لمحاولة إقناع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بوقف الصفقة مع تركيا، ولكن طلبه قوبل بالرفض. كما أنهم يعارضون عملية استحواذ شركة بايكار على العملاق الإيطالي بياجيو، ويعتزمون الاحتجاج على إيطاليا.

وهذه إحدى مشاكل الاتحاد الأوروبي. فالمصالح الاستراتيجية للقارة الضخمة مرهونة برغبات الدول الصغيرة. وإذا كان الاتحاد الأوروبي يرغب في البقاء، فعليه إجراء تغييرات هيكلية جذرية في عمليات اتخاذ القرارات، وعليه أن يتحرر من فخ العنصرية. أحيانا لا يسع المرء إلا أن يتفق مع ترامب.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!