
ترك برس
استعرض الكاتب والخبير التركي يحيى بستان، تحليلا لأبعاد زيارة الرئيس الأوكراني زيلينسكي إلى أنقرة وطلبه ضمانات أمنية من تركيا في إطار المفاوضات حول الحرب الأوكرانية.
وتناول بستان في تقريره بصحيفة يني شفق تأثيرات الاجتماعات الدولية مثل قمة الرياض حول أوكرانيا، مقدما لمحة عن موقف اليونان في قضية قبرص ومحاولاتها لتجاوز الحدود التركية.
بالإضافة إلى ذلك، يستعرض التقرير العلاقات التركية الأمريكية في عهد إدارة ترامب، وتوقعات بشأن الملفات العالقة مثل العقوبات وطائرات إف-35.
وفيما يلي نص التقرير:
تشهد الأحداث تطورات متسارعة للغاية، بحيث يصبح التركيز على حدث معين سببًا في إغفال غيره. لذا، سأقدم لمحة موجزة حول القضايا التي تهم تركيا بشكل مباشر، مع تسليط الضوء على ما بين السطور وما وراء الكواليس من أحداث، فلنبدأ..
بين السطور.. زيلينسكي يطلب ضمانات من أنقرة
لم يكن هدف بايدن انتصار أوكرانيا، بل إنهاك روسيا واستنزافها. ولذلك، عمد إلى إفشال كافة مبادرات السلام، بما في ذلك مبادرة إسطنبول. وفي العام الماضي، عُقدت قمة سلام أوكرانية في سويسرا بمشاركة 92 دولة، لكن روسيا لم تُدعَ، وهو ما انتقدته أنقرة بشدة آنذاك.
واليوم يقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في الخطأ نفسه. إذ جمع الأطراف في الرياض، معلنًا استبعاد أوكرانيا –على الأقل مؤقتًا– من المسار التفاوضي. وصرّح بوضوح: "إذا أرادت أوكرانيا المشاركة، فعليها أولًا إجراء انتخابات". بمعنى آخر، يمكن لأوكرانيا أن تكون جزءًا من المفاوضات، لكن زيلينسكي لا مكان له فيها. لكن زيلينسكي رفض هذا الطرح قائلاً: "لا يمكن إجراء انتخابات في ظل الحرب". كما أن ترامب وصف زيلينسكي بـ"الدكتاتور"، في خطوة ترمي إلى شيطنته سياسيًا.
إن اجتماع الرياض لا يقتصر على الحرب في أوكرانيا فحسب، بل يمثل نقطة انطلاق لتقارب شامل بين روسيا والولايات المتحدة. فقد صرّح الرئيس الروسي بوتين قائلاً: "لقد اتخذنا الخطوات الأولى نحو التعاون في الشرق الأوسط، بما في ذلك سوريا وفلسطين". وينبغي متابعة هذه التطورات عن كثب.
وبينما كان الاجتماع يُعقد في الرياض، كان زيلينسكي في أنقرة، يلتقي بالرئيس أردوغان. وخلال المؤتمر الصحفي الثنائي، وكذلك في مقابلاته مع عدد من الصحفيين (سمية ديلارا دينشار من وكالة الأناضول، وغونجا شيناي من صحيفة حريت)، كشف زيلينسكي للمرة الأولى عن شروطه لتحقيق السلام المحتمل. وبذلك أصبحت أنقرة طرفًا فعليًا من مسار المفاوضات.
في الأسابيع الماضية، سمعت بعض الأمور، وانطلاقًا منها، تساءلت في مقال سابق "هل سيطلب زيلينسكي ضمانات أمنية من أنقرة؟". وقد حدث تمامًا كما توقعت. فقد طلبت أوكرانيا من أنقرة أن تكون طرفًا فاعلًا في عملية السلام.
وقد لخّص زيلينسكي شروطه ضمنيًا على النحو التالي:
1ـ يجب إجراء عملية تبادل أسرى كخطوة أولى.
2ـ يجب أن تكون أوكرانيا قادرة على الانضمام إلى الناتو.
3ـ ينبغي نشر قوات حفظ سلام دولية في أوكرانيا لتكون بمثابة الضامن للسلام.
وقد صاغ العبارة على النحو التالي: "لماذا نتردد في نشر قوات في أوكرانيا؟ لقد ناقشنا مع السيد أردوغان هذا الجانب من الضمانات الأمنية من قبل الدول القوية التي تمتلك جيوشًا قوية، بما في ذلك تركيا".
وأعتقد أنه في حال توصل الأطراف إلى اتفاق، فإن تركيا لن تتردد في المساهمة في أمن أوكرانيا. وتجدر الإشارة إلى أن الروس يعارضون وجود أعضاء الناتو في أوكرانيا، وأن دولًا مثل البرازيل والصين قد طرحت أسماؤها، وأن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد يرفضون الخيار الصيني.
خلف الكواليس.. اليونانيون يسعون لانتهاك المنطقة العسكرية
في منتصف شهر مارس، سيُعقد في جنيف قمة غير رسمية حول قضية قبرص بمشاركة الدول الضامنة تركيا واليونان. إن إعادة طرح قضية قبرص على مستوى القمة بعد ثماني سنوات أثار تساؤلًا حول ما إذا كان سيكون هناك "تحرك جديد". سأعرض انطباعاتي والمعلومات التي حصلت عليها:
أولًا: القبارصة الروم ليسوا مستعدين للعيش بوضع متساوٍ مع القبارصة الأتراك، فهم لا يعترفون بوجود الأتراك. وقد رفضوا جميع مقترحات الحل حتى الآن. ولهذا فإن خيار الفيدرالية قد انتهى، وهناك دولتان قائمتان بالفعل في الجزيرة، ويجب أن يتم الاعتراف بذلك رسمياَ الآن.
ثانيًا: بسبب الموقف غير القابل للتفاوض من قبل الروم، يُقال إنه في الأمانة العامة للأمم المتحدة سادت فكرة بأنه "لم يعد هناك أرضية مشتركة للفيدرالية. ولن يكون هناك تقدم دون رفع الضغط عن الأتراك".
ثالثًا: يجب تحقيق هذه الأمور الثلاثة في قبرص (الرحلات المباشرة، والتجارة المباشرة، والتواصل المباشر). ولا يمكن الوصول إلى أي حل دون الاعتراف بالقبارصة الأتراك.
رابعاً: إن أوضح التطورات التي تعكس الموقف المتصلب للقبارصة اليونانيين حدثت الشهر الماضي، فقد طرحت جمهورية قبرص التركية فكرة فتح معبرين جديدين على الحدود لزيادة التفاعل بين الجانبين، وتسهيل التنقلات، وتحقيق التطبيع على الجزيرة. وقد دعمت الأمم المتحدة هذه الفكرة، لكن اليونانيين اقترحوا بدلاً من المعبر بين الشمال والجنوب، إنشاء ممرين يخترقان المناطق العسكرية التركية، مما يتيح لهم العبور عبر الحدود التركية للوصول إلى مناطقهم. وهذا اقتراح غير منطقي تم رفضه بشكل قاطع.
خامسًا: هذا المؤتمر يختلف عن المؤتمرات السابقة، فلن يكون مؤتمرًا للتفاوض، بل سيكون لتبادل الآراء حول المسار الذي يجب اتخاذه.
خلف الكواليس.. كيف جرى أول لقاء مع الولايات المتحدة؟
قال لي أحد المصادر: "إن تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة، يفتح صفحة جديدة في العلاقات التركية الأمريكية. سننظر إلى تلك الصفحة، ونرى هل هي فارغة أم مليئة بالأعباء القديمة؟ وكان وزير الخارجية هاكان فيدان من أوائل الأشخاص الذين تحدثوا مع نظيره الأمريكي روبيو عبر الهاتف عندما تولى منصبه. أما أول لقاء وجهًا لوجه فقد جرى في مؤتمر ميونيخ للأمن.
وقد وردني أنه خلال اللقاء، قام روبيو بتدوين ملاحظات وطرح أسئلة. كان مهتمًا بمعرفة وجهة نظر أنقرة حول القضايا الإقليمية. وأفادت مصادر موثوقة بأن الاجتماع "جرى بشكل أفضل مما توقعنا".
ولكن هل سيكون هناك تطور بشأن قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات (CAATSA)، وقضية طائرات إف-35، والوجود الأمريكي في سوريا؟ أعتقد أن الولايات المتحدة لم تحسم موقفها حتى الآن بشأن هذه القضايا. فهي تكرس حاليًا كل جهودها للحرب الروسية الأوكرانية والأزمة الإسرائيلية، أما القضايا التي تهم أنقرة بشكل مباشر فقد تم تأجيلها، ومع حلول الربيع سترى هذه القضايا النور، وتتم مناقشتها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!