ترك برس

استعرض تقرير للكاتب والخبير التركي نيدرت إيرسانال، بصحيفة يني شفق، تطورات معقدة تشهدها الساحة الإيرانية في ظل تصاعد التوتر مع إسرائيل، وتداخل مصالح القوى الدولية، خاصة الولايات المتحدة وروسيا، في سياق محاولات محتملة لتغيير النظام الإيراني.

وسلط الكاتب الضوء على توقيت الضربة الإسرائيلية قبيل مباحثات أمريكية-إيرانية حساسة، وعلى موقف موسكو المتراجع رغم الشراكة الاستراتيجية المعلنة مع طهران.

كما ناقش التحديات البنيوية التي تواجه فكرة "تغيير النظام" من الداخل، وسط غموض حول مكونات القوة المحلية القادرة على ملء الفراغ في حال سقوطه.

وركّز الكاتب على تعقيدات المشهد السياسي، والتنافس الاستخباراتي بين أجهزة كالموساد والـCIA، في ظل مأزق ترامب السياسي واقتراب الانتخابات، وتزايد المؤشرات على تحوّل إيران إلى ساحة صراع جديدة في النظام العالمي المتبدل.

وفيما يلي نص التقرير:

من المعلوم أن الهجوم الإسرائيلي على إيران جاء قبيل ساعات فقط من المباحثات المزمع عقدها بين إيران والولايات المتحدة في منطقة الخليج. وكان هناك توقيتات ذات دلالات أخرى كذلك؛ فقد طلبت إدارة ترامب المساعدة من موسكو، بل إن بوتين كان يعتزم زيارة طهران شخصيًا. وكانت تجري محادثات كذلك مع الجانب الإسرائيلي، وتقدّمت روسيا بعرض "الوساطة" بين الطرفين.

إلا أن ترامب غيّر رأيه، فقد عقد اجتماعًا مع فريقه في كامب ديفيد، لكنه خرج منه بوجه مختلف. وقال حينها: "لقد تأثّرت." بل إنه ذهب إلى حدّ الحديث عن اغتيال المرشد الإيراني علي خامنئي، ورغم أننا لا نرغب في التكرار، إلا أن قضية ماسك، وأزمة لوس أنجلوس، ومحاكمة إبستاين، والهجوم الأوكراني على روسيا، كلها عناصر مشتركة في جدول أعمال السياسة الدولية.

وفي الأسبوع الماضي لاحظنا أن بوتين اتخذ موقفًا أكثر سلبية، وهو ما يدفع إلى التفكير في وجود ديناميات تضعف من دور روسيا في إيران والشرق الأوسط، وتدفع في الوقت ذاته إلى استمرار الحرب في أوكرانيا. كما لوحظ وجود مناطق رمادية في العلاقات بين موسكو وطهران.

وقد وُقّع اتفاق شراكة استراتيجية بين البلدين مطلع هذا العام، يتضمن بندًا يتعهد بعدم تقديم المساعدة للأعداء، لكنه لا يتضمّن بندًا يُلزم الطرفين بمساعدة بعضهما البعض. وبحسب الرواية الروسية، فإن إيران هي التي لم ترغب بذلك.

عناد إيران

قد يراها البعض سياسة ناجحة، لكن الدخول في مفاوضات مع إيران يُعدُّ بحد ذاته مهمة شاقة ومرهقة. فهي دولة مرهقة في التفاوض، وحتى إذا وافقت في النهاية على شيء قريب مما تطلبه، فإن الإرهاق الناتج عن العملية لا يدع لك مجالا للفرح.

يعتقد الجميع أنه يمكن التوصل إلى اتفاق بسهولة، خاصة في القضايا النووية. وهناك العديد من الأطراف الذين قدموا اقتراحاتٍ معقولة، بمن فيهم تركيا. ولكن المشكلة لا تقتصر على إيران أبدًا. فدوائر معينة في بريطانيا وألمانيا وفرنسا بالإضافة إلى واشنطن، والتي ظهرت مؤخرًا في كامب ديفيد، وإسرائيل، تُعقّد مسار التقدم.

وأثناء كتابة هذه السطور، أعلن وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف أن بلاده رفضت طلباً أمريكياً لإجراء محادثات. ومن المقرر أن تلتقي طهران مع الدول الأوروبية اليوم أو غداً، وسنرى ما سيخرج من هذه اللقاءات. وقد صرّح ترامب بأنه سيتخذ قراراً بشأن التدخل في إيران خلال أسبوعين، ولكن قد يكون هذا مجرد تضليل. فحتى الروس يعتقدون حالياً أن أمريكا قد تنضم إلى الهجوم، وقد يحصل ذلك في أية لحظة، حتى خلال ساعة واحدة فقط.

تغيير النظام.. بأي وسيلة وكيف؟

من المفترض أن العديد من الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وإسرائيل قد شرعت منذ سنوات طويلة في إعداد نفسها والتخطيط للتدخل في البنية السياسية الإيرانية، وأجرت دراسات معمّقة حول ما هي إيران، ومن هو "الإيراني"، وما الذي يشكّل هويته.

غير أن الوضع الراهن لا يُقدّم أي مؤشرات واضحة حول كيفية تلقّي الداخل الإيراني لمحاولات تغيير النظام، خصوصًا إذا كان هذا التغيير يتطلب عملية "هدم وبناء" شاملة على غرار إعادة تشكيل الدولة أو الأمة. فليس ثمة إشارات واضحة على مدى تأثير مختلف القوى الداخلية أو مدى نفوذها.

يستعرض الباحثون المحليون والدوليون المختصون بالشأن الإيراني العديد من المكونات العرقية والدينية والسياسية داخله، لكنهم يفتقرون إلى تقديم تصور واضح لدور هذه المكونات وقدراتها سواء في مرحلة الهدم أو البناء. وفي ظل هذا الواقع، لا يبدو هناك قوة داخلية مهيمنة قادرة على تولي زمام الأمور في حال سقوط النظام الحالي. بل على العكس، تكثر الروايات التي تؤكد أن إيران تزداد تماسكاً في أوقات الأزمات.

ومن الجوانب المهملة أيضًا، هي وضع المكوّنين الكردي والتركي داخل إيران. فهم حاضران في الأذهان، ولكن هل تُؤخذ القوى التي تحظى بثقتهما واحترامهما بعين الاعتبار؟ على سبيل المثال، ألا يتساءل الأتراك: "ماذا يخبرنا الدمار والفوضى التي ستعقب ذلك؟ ماذا تخبرنا تركيا، وماذا تخبرنا العراق وسوريا وأذربيجان وباكستان؟"

ومن المتوقع أن تقوم دول مثل روسيا أو الصين بتقديم المساعدة داخليًا ـ حتى وإن لم تتدخل عسكريًا ـ من أجل الحفاظ على النظام في حال وصلت الأمور إلى تلك المرحلة. ومن يدري قد تفعل تركيا الشيء ذاته.

هناك العديد من الأمثلة في هذا السياق، لكن كلما تم التوسّع في الاحتمالات، ازداد الغموض أكثر فأكثر، أما إسرائيل، فتقف على خطّ التفكير القائل: "ينبغي إرسال رسائل إلى الداخل الإيراني". هل تقصد بذلك مخاطبة مكوّن بعينه؟ أم أن الرسالة عامة؟ الأمر غير واضح. لكن الترجمة لهذا الطرح هي: وعود لا حدود لها بالسلطة والمال. وهذه بدورها أمور غامضة وخطيرة.

تلك الأمور لا يعرفها الموساد بل تعرفها السي آي إيه والمخابرات البريطانية

هناك أطروحات لا يمكن تجاهلها من أولئك الذين يختلفون في الرأي؛ فبالنظر إلى قدرة إسرائيل وعملياتها داخل إيران، فإن تحليل نقاط الضعف في طهران ومراكز القوى في البلاد قد يفجر أمورًا غير متوقعة. ويتساءلون: هل توقع أحد أو تخيل أن القيادة الإيرانية قد يُقضى عليها خلال ساعات قليلة؟

لا يمكن الجزم، لكن تجربتنا مع تغيير الأنظمة أو السلطة حول العالم تشير إلى ظهور "إشارات" مسبقة. باختصار، هناك فرق بين هدم النظام وتغييره، وفي كلتا الحالتين يظل احتمال وقوع فوضى تزعزع استقرار المنطقة هو الأكثر ترجيحًا.

ونظرًا لأن الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا أو حتى تحالفا أوسع لن يجرؤ على غزو الأراضي الإيرانية أو القيام بعمليات عسكرية محدودة، فإن السيناريو الوحيد المتاح هو تشجيع ظهور أذرع "معتدلة" ولكن "ضعيفة" داخل النظام الحالي. ولكن حياة ترامب ونتنياهو السياسية لا تكفي لتنفيذ ذلك. ومن جهة أخرى، يتقن الموساد عمليات الاغتيال والاستخبارات، إلا أنه يفتقر إلى الخبرة في "بناء الدولة"، فهذا الأمر من اختصاص السي آي إيه والمخابرات البريطانية.

مأزق ترامب الحقيقي

إن الأولوية القصوى للبيت الأبيض الآن هي الخروج بأمان من الانتخابات النصفية. فهذه قضية مصيرية بالنسبة لترامب، إذ يمكن أن تدمر كل شيء، وتبدد إرثه السياسي ومخططاته.

أولاً: ما زال من المبكر الحكم على فشل الرئيس لكنه يماطل، ويبدو أنه يواجه تهديدًا متزايدًا لسلطته.

ثانيًا: إسرائيل وإيران كلاهما تتكبدان خسائر بالفعل، فلا فرق بين كأس مكسور وآخر متصدع.

ثالثًا: لا يمكن إنكار أن الأمر قد يصب في مصلحة تركيا.

رابعًا: يبدو أن أوروبا ترغب في انتهاء حرب فلسطين، لكنها تتصرف وكأنها تريد استمرار حرب إيران.

خامساً: عند تناول هذه النقاط، يجب ألا ننسى أبدًا أن التأثير "العالمي" هو العامل المهيمن.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!