
ترك برس
على ارتفاع 300 متر بين أحضان الجبال، تلتحم الصخور بالسماء، ويقف دير سوميلا شاهداً على قرون من الإيمان والتاريخ. هذا الصرح العجيب، الذي نحتته أيادي الرهبان في قلب الصخر، يطل على وادي ألتين دره كجوهرة معلقة بين السحاب، تروي حكايات إمبراطوريات زالت وحضارات توالت.
هنا، حيث تتناغم همسات الصلوات القديمة مع خرير المياه، وتتوشح الجدران بلوحات فنية عمرها مئات السنين، يتحول كل زائر إلى مستكشف لأسرار واحدة من أعجب الأديرة في العالم، التي جمعت بين روعة الطبيعة وإبداع البشر في تناغم مذهل.
يقع دير سوميلا (المعروف باسم دير مريم العذراء) ضمن حدود قرية ألتين دره في منطقة ماتشكا بولاية طرابزون شمال تركيا، مُشيداً على منحدر صخري شديد الانحدار عند سفوح جبل كاراداغ المُطل على وادي ألتين دره.
يرتفع هذا الصرح حوالي 300 متر عن الوادي، مما يعكس تقليد بناء الأديرة خارج المدن، في الغابات أو بالقرب من الكهوف والأنهار. يُشتق اسم "سوميلا" من الكلمة اليونانية "ميلاس" (melas) التي تعني "الأسود"، ويُعتقد أن الاسم إما يشير إلى الجبال المحيطة أو إلى أيقونة السيدة العذراء ذات اللون الداكن الموجودة في الدير.
تاريخ دير سوميلا
تقول الرواية إن الدير تأسس في عهد الإمبراطور البيزنطي ثيودوسيوس الأول (375-395م) على يد راهبَين من أثينا هما برناباس وسوفرانوس. ثم جرى ترميمه وتوسعته في القرن السادس بأمر من الإمبراطور جستنيان، تحت إشراف قائده بليزاريوس.
أما الشكل الحالي للدير فيعود إلى القرن الثالث عشر. ازدهر في عهد أليكسيوس الثالث (1349-1390) من إمارة طرابزون الكومنينية، حيث حصل على امتيازات مالية بموجب مراسيم ملكية. استمر هذا الدعم في عهد ابنه مانويل الثالث والأمراء اللاحقين.
بعد سيطرة العثمانيين على شرق البحر الأسود، حظي الدير بحماية السلاطين الذين منحوه امتيازات خاصة، كما كان الحال مع العديد من الأديرة الأخرى.
خضع الدير لتجديدات كبيرة في القرن الثامن عشر، مع إضافة لوحات جدارية (فريسكو) على بعض الجدران. وفي القرن التاسع عشر، أضيفت مبانٍ ضخمة أكسبته هيبةً غير مسبوقة.
أصبح الدير في هذه الفترة مقصداً للرحالة الأجانب الذين وثقوه في كتاباتهم. خلال الاحتلال الروسي لطرابزون (1916-1918)، صودر الدير، ثم أُخلي بالكامل بعد عام 1923.
أقسام الدير الرئيسية
يشمل المجمع: كنيسة الصخرة الأم، عدة مصليات، مطبخ، غرف الطلاب، نزل للضيوف، مكتبة، ونبع ماء مقدس. وبُني هذا المجمع على مساحة واسعة، ويُحيط به قناطر مائية كبيرة (جزء منها مدمر اليوم) كانت تُستخدم لنقل المياه.
يُؤدي درج ضيق إلى المدخل الرئيسي، حيث توجد غرف الحراس. من هناك، ينزل الزوار إلى الفناء الداخلي الذي تحيط به:
على اليسار: مباني الدير الرئيسية أمام الكنيسة المحفورة في الصخر.
على اليمين: المكتبة ومبنى شُيد عام 1860 يحتوي على غرف الرهبان والضيوف، مع شرفات كبيرة تطل على الوادي.
تظهر في تفاصيل الغرف (مثل الخزائن والأفران) تأثيرات الفن التركي.
اللوحات الجدارية (الفريسكو)
تزين الجدران الداخلية والخارجية لكنيسة الصخرة والمصليات المجاورة لوحات تعود إلى عصور مختلفة:
أقدمها يعود لعهد أليكسيوس الثالث (القرن الرابع عشر).
أما في المصلى، فتوجد ثلاث طبقات من اللوحات، أقدمها (في الطبقة السفلى) تتميز بأعلى جودة فنية. وتصوّر هذه اللوحات مشاهد من الإنجيل.
المصدر: وزارة الثقافة والسياحة
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!