
ترك برس
في الزوايا الهادئة من خريطة تركيا، بعيدًا عن صخب المدن الكبرى، تتناثر جواهر خفية تحمل عبق التاريخ ودفء الطبيعة وصفاء الحياة البسيطة. هناك، حيث تتناغم الأنهار مع الجبال، وتهمس الآثار بحكايا آلاف السنين، تقف بلدات صغيرة كأنها وُجدت لتكون ملاذًا للروح والذاكرة.
يني بازار، أوزون دره، وفيزه، ثلاث محطات مختلفة على خريطة الجمال التركي، يجمع بينها الهدوء والتاريخ والتنوّع الطبيعي الأخّاذ، وتختلف كل واحدة منها في طابعها وروحها. لكل منطقة قصتها الخاصة التي تنتظر أن تُروى، وأرضها التي تنتظر من يكتشفها بخطى متأنّية وعين مُحبّة.
يني بازار: بساطة إيجة وأناقة التاريخ
تقع يني بازار (Yenipazar) في قلب منطقة بحر إيجة، على بُعد 40 كم من مدينة أيدين، وتتميّز بموقعها الجغرافي بين الغابات وعلى سفوح جبل مدران بابا (Madran Baba). تحيط بها الطبيعة من كل جانب، وتُعدّ مثالية لمحبي الهدوء والتأمل.
تجاورها مدينة أورثوسيا (Orthosia) الأثرية التي تعود إلى العصور الهلنستية والرومانية والبيزنطية، ما يجعل من المنطقة ملتقى للذاكرة والطبيعة. وتُعدّ حديقة بحيرة أشاغي ديب (Aşağı Dip) من أبرز وجهات الاستجمام هناك، حيث يمكن للزوار الاستمتاع بالمشي، والصيد، ومراقبة الطيور وسط بيئة نقية وهادئة.
أوزون دره: خضرة الشرق وعبق التراث
تقع أوزون دره (Uzundere) في مفترق طبيعي بين البحر الأسود وشرق الأناضول، وهي مدينة تشبه الحلم في هدوئها وغناها الطبيعي. تشتهر بمناخها الفريد الذي يسمح بزراعة الفواكه المتنوعة، حتى في الشتاء، وتُعد الزراعة وتربية الحيوانات مصدر الرزق الرئيسي لسكانها.
ومن معالمها البارزة شلال تورتوم، أطول شلال في تركيا، الذي يُضفي على المنطقة لمسة من الجمال الساحر. كما يُعد دير أوشكي من الكنوز المعمارية المذهلة، إذ بُني في القرن العاشر على يد الجورجيين، وكان مركزًا أدبيًا هامًا، لا سيما في العصر الوسيط، ويُعدّ اليوم شاهدًا على تعايش الحضارات والثقافات في هذه الأرض.
فيزه: من التراقيين إلى العثمانيين
في الجزء الأوروبي من تركيا، بين إسطنبول وأدرنة، تقع بلدة فيزه (Vize)، التي تُعدّ شاهدًا حيًا على آلاف السنين من التاريخ. بدأت الحياة فيها منذ العصر التراقي قبل 4000 عام، وازدهرت في العهد البيزنطي كمركز إداري وثقافي مهم.
وتحتضن المدينة معالم تاريخية بارزة، من أهمها كنيسة آيا صوفيا الصغيرة، التي بناها الإمبراطور جستنيان الأول فوق معبد قديم لأبولو، والتي تحوّلت لاحقًا إلى "مسجد غازي سليمان باشا" في العهد العثماني، محتفظة بعناصر معمارية نادرة تمزج بين البيزنطية والعثمانية.
في مدن مثل يني بازار وأوزون دره وفيزه، تتجلّى روح تركيا الحقيقية: مزيج من الهدوء الطبيعي، والعمق التاريخي، والحياة الريفية الأصيلة. إنها دعوة مفتوحة لاكتشاف أماكن لم تُلوَّث بالسرعة، ولا تزال تنبض بالإرث والجمال في كل زاوية. رحلة إلى هذه المناطق ليست مجرد سفر، بل عودة إلى الجذور، وتأمل في المعنى الحقيقي للانتماء إلى الأرض.
المصدر: وزارة الثقافة والسياحة التركية
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!