ترك برس

تناول مقال تحليلي للكاتب والخبير التركي إسماعيل ياشا، في صحيفة "عربي21"، التوتر المتصاعد بين تركيا وإسرائيل، مركزًا على تصادم مصالحهما في ملفات استراتيجية متعددة تشمل سوريا، قبرص وشرق المتوسط، والقضية الفلسطينية.

يشير الكاتب إلى الاختلاف الجوهري في رؤيتي الطرفين حول الأمن الإقليمي؛ فتركيا تدعم وحدة سوريا وأمن جيرانها، بينما ترى إسرائيل في سوريا الموحدة تهديدًا لها، وتسعى للحد من نفوذ تركيا العسكري.

كما يسلط الضوء على القفزة النوعية للقدرات العسكرية التركية، بما فيها الصواريخ والطائرات المسيرة ومنظومة القبة الفولاذية، التي تشكل رادعًا لإسرائيل، مبرزا أن تركيا تفضل إدارة التوتر دبلوماسيًا في الوقت الحالي، لكنها تستعد لأي تصعيد محتمل.

وفيما يلي نص التقرير:

وضعت التطورات الإقليمية تركيا وإسرائيل أمام مواجهة حتمية يجري النقاش حاليا حول توقيتها وكيفيتها، في ظل تصادم مواقف الجانبين ومصالحهما في أكثر من ملف ذي أهمية بالغة. ويبحث كثير من المتابعين لشؤون المنطقة عن جواب هذا السؤال: "هل سيبقى التوتر المتصاعد بين تركيا وإسرائيل في إطار الصراعات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية، أم يمكن أن يتطور ليتحول إلى مواجهة عسكرية ساخنة في منطقة هي في الأصل ملتهبة؟".

الملف السوري من أبرز الملفات التي يكاد يستحيل التوافق بين موقفي تركيا وإسرائيل منها، وفيما ترى تركيا تقسيم سوريا خطرا على أمنها القومي، وتدعم أمن جارتها واستقرارها ووحدة ترابها، ترى إسرائيل سوريا قوية وموحدة خطرا يشكل تهديدا لوجودها، كما تتوجس من تعزيز تركيا نفوذها العسكري في سوريا.

وتسعى دمشق إلى إنهاء احتلال قوات سوريا الديمقراطية "قسد" لثلث الأراضي السورية بشكل سلمي، وتدعم أنقرة هذا التوجه، إلا أن كافة المؤشرات تشير إلى أن "قسد" ستصر على إنجاز مشروعها الانفصالي بدعم إسرائيل، ما يعني أن المواجهة العسكرية بين الجيش السوري الذي تدعمه تركيا و"قسد" التي تدعمها إسرائيل؛ لا مفر منها.

رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي، أشار أمس الثلاثاء إلى أن إسرائيل التي وصفها بــ"دولة الإرهاب"؛ ترفع كل يوم مستوى جهودها الهادفة إلى تقسيم سوريا، وأن "قسد" تدور في فلك إسرائيل، مشددا على أن التدخل العسكري بإرادة مشتركة من دمشق وأنقرة سيكون حتميا، إن لم تنفِّذ "قسد" جميع بنود الاتفاق الذي وقَّعه الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي في 10 آذار/ مارس الماضي.

قبرص وشرقي المتوسط من الساحات التي تتصادم فيها مواقف تركيا وإسرائيل ومصالحهما. ومن المعلوم أن تركيا هي الضامنة للسلام في قبرص وهي التي تحمي وجود الأتراك في الجزيرة الإستراتيجية، إلا أن إسرائيل ترى التواجد التركي العسكري في الجزيرة وتعزيز العلاقات بين تركيا وجمهورية قبرص الشمالية التركية تهديدا لمصالحها وأمنها القومي، وهو ما أعرب عنه الكاتب الإسرائيلي شاي غال، في مقال له نشر في صحيفة "إسرائيل اليوم" قبل حوالي شهر.

الكاتب الإسرائيلي في ذاك المقال يقول إن "الوجود التركي في شمال قبرص لا يشكل تهديدا للقبارصة اليونانيين فحسب، بل لإسرائيل أيضا"، ويدعو إلى الاستعداد والتخطيط لعملية عسكرية خاطفة لطرد الأتراك من الجزيرة بالتنسيق مع اليونان والقبارصة اليونانيين. كما يلمح في ذات المقال إلى أن إسرائيل يمكن أن تستهدف محطة "آكويو" التركية للطاقة النووية، على غرار استهدافها للمواقع النووية الإيرانية.

إسرائيل لا تريد أن ترى في المنطقة قوة عسكرية أقوى منها، بل تريد أن تصول وتجول وتعربد وتعيث في الأرض فسادا كما تشاء دون أن تواجه أي قوة رادعة. ولذلك، تخيفها القفزة الكبيرة التي حققتها تركيا في مجال الصناعات الدفاعية وسرعة تطور الأسلحة التركية الوطنية. ويشير محللون إلى أن الطائرات المسيرة والصواريخ التركية يمكن أن تضرب منصات الغاز وسفن البحرية والمناطق الاستراتيجية في فلسطين المحتلة، كما يلفتون إلى أن تركيا التي تملك ثاني أكبر قوة عسكرية في حلف شمالي الأطلسي "الناتو" ليست إيران.

أنقرة تدعم القضية الفلسطينية وترفع صوتها عالية ضد العدوان الإسرائيلي على القدس والمسجد الأقصى والضفة الغربية وقطاع غزة. وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في كلمته أمام البرلمان التركي، إن تركيا قطعت علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل وأغلقت مجالها الجوي أمام طائراتها. وهناك عدد كبير من قادة حركة حماس يقيمون في تركيا، وتدرك إسرائيل أن أنقرة ستواصل دعمها لقضية الشعب الفلسطيني العادلة ومقاومته للاحتلال، بغض النظر عن نتيجة حرب الإبادة التي يخوضها جيش الاحتلال في قطاع غزة.

تركيا لا تسعى إلى خوض حرب في الوقت الراهن، سواء مع إسرائيل أو غيرها، إلا أنها في ذات الوقت تريد أن تكون جاهزة لأي تطور ساخن يهدد أمنها واستقرارها أو حرب قد تفرض عليها، كما تسعى إلى بناء قوة عسكرية رادعة تحمي أمنها القومي ومصالحها، وتدرك أن حلف الناتو لن يحميها، خاصة إذا كان ذلك ضد مصالح إسرائيل أو الولايات المتحدة. ولذلك، تقوم بتسريع خطواتها، وتسابق الزمن في تعزيز قوتها العسكرية بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة وقنابل جديدة، كقنبلة الغضب، إضافة إلى مشروع طائرة "قآن" الحربية، ومشروع حاملة الطائرات التي ستكون أكبر من سفينة الأناضول التي دخلت الخدمة في نيسان/ أبريل 2023. كما أعلن رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، الأسبوع الماضي، عن تسليم القبة الفولاذية إلى الجيش التركي، وهي منظومة دفاع جوي تركية أقوى من منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية، وتوفر حماية شاملة.

يتساءل كثير من المتابعين للشأن التركي، هذه الأيام، في ظل أنباء تقول إن إدارة الإسكان الجماعي "توكي" التركية ستبني ملاجئ حديثة في كافة المحافظات: هل تستعد تركيا للحرب مع إسرائيل؟ والجواب الصحيح لهذا السؤال هو أن تركيا تفضل في هذه المرحلة إدارة التوتر مع إسرائيل بدلا من التصعيد، إلا أن وجود تصادم المصالح في ملفات عديدة قد يؤدي إلى التفجير في إحدى المناطق بأي لحظة ليجعل حماية الأمن القومي التركي بطرق دبلوماسية مستحيلة. وإضافة إلى ذلك، تبدو إسرائيل التي تهاجم يمينا وشمالا كثور هائج، مستعجلة للمواجهة مع تركيا قبل أن تكمل الأخيرة بناء قوتها العسكرية الرادعة كما تخطط لها.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!