ترك برس

تناول مقال للكاتب والمفكر التركي سلجوق تورك يلماز، تحليل أيديولوجية الصهيونية من منظور تاريخي ونفسي وثقافي، مشيرًا إلى أن جذور هذه الأيديولوجية ليست فقط في اللاهوت اليهودي، بل تتأثر أيضًا بالأدب والتجارب الاستعمارية الأنجلوساكسونية.

يبرز تورك يلماز في مقاله بصحيفة يني شفق مخاوف الصهاينة من عدم ترسيخ جذورهم في فلسطين التاريخية، ويربط بين سياسات الاستيطان والعنف المرتكب ضد الفلسطينيين وتجارب التطهير العرقي التي قام بها الأنجلوساكسونيون في أمريكا الشمالية وأستراليا ونيوزيلندا.

كما يسلط الضوء على أهمية دراسة النصوص الصهيونية، مثل أعمال تيودور هرتزل، لفهم الأبعاد الاستعمارية للمشروع الصهيوني وخلفياته الفكرية والاجتماعية، ويطرح أسئلة حول دوافع المشاركة في العنف والتطهير العرقي كجزء من مشروع الاستيطان.

وفيما يلي نص المقال:

من الأمور اللافتة التي لاحظتها في الكتب المتعلقة بالصهيونية، أن هذه الأيديولوجية من ابتكار الأنجلوساكسون، وأن الصهاينة اليهود كانت لديهم مخاوف من أن تفشل هذه الأيديولوجية في ترسيخ جذورها بالأرض الفلسطينية التاريخية. ومن هذا المنظور، لا ينبغي أن يكون القول بأن الأدب الأنجلوساكسوني هو مصدر الصهيونية مفاجئًا. ورغم ذلك كما حاولت أن أوضح مرارًا، فإن أيديولوجية الصهيونية في بلادنا، أو بالأحرى عملية إنشاء دولة إسرائيل، تُربط غالبًا باللاهوت اليهودي. ولذلك لم يحظَ الرأي القائل بأن الأدب الأنجلوساكسوني هو مصدر الصهيونية باهتمام كبير. ولكن يمكننا أن نتوقع تزايد الدراسات في هذا الاتجاه تدريجيا، وأن تصبح هذه الرؤية الجديدة أكثر بروزاً. ولو كان الصهاينة قد نجحوا في كسر المقاومة الفلسطينية، لما كان هناك حديث عن اعتبار الصهيونية دينًا جديدًا، ولما أقدم الكثيرون على التشكيك في مصادرها، إذ كان اليهود الصهاينة سينجحون، ولما أُجريت دراسات على الجذور الإنجيلية الأنجلوساكسونية لهذه الأيديولوجية الجديدة.

ومن الواضح أن اليهود الصهاينة لم ينجحوا في تأسيس أيديولوجية جديدة على أراضي فلسطين التاريخية. ويمكن إدراك هذا الفشل حتى من خلال كون بريطانيا اضطرّت للاعتراف بدولة فلسطين. ولكن يجب أن نركز أولاً على مخاوف الصهيونية من عدم تمكنها من ترسيخ جذورها في فلسطين. وهنا يمكن أن يساعدنا علم النفس، لكن لعدم تخصصي في هذا المجال، لن أتطرق للجانب النفسي. ولكن ترسيخ الجذور في الأرض هو على الأرجح أهم جانب من جوانب الاستيطان. إن تجربة الأنجلوساكسون في استئصال السكان الأصليين لأمريكا الشمالية من جذورهم من أجل الاستيطان في تلك الأرض هي تجربة بالغة الأهمية، ونادراً ما نجد لها مثيلاً في التاريخ.

يجب أن يفسر علم النفس إلى حد ما سبب قيامهم بالتطهير العرقي لسكان أمريكا الشمالية الذين وصفوهم "بالهنود الحمر". كما أنهم لم يسمحوا للأفارقة الذين جلبوهم كعبيد بترسيخ جذورهم في الأرض، بل عرفوهم بلون بشرتهم، ومنعوهم من التوطين والاستقرار، مما أدى إلى القضاء على إمكانية التطور الطبيعي للثقافات المختلفة. أعتقد أنهم كانوا يخافون من السكان الأصليين. إن مغامرة الأنجلوساكسون في أمريكا الشمالية تظهر مدى أهمية هذا الخوف. ويمكننا أن نفسر مفاهيم التطهير العرقي والإبادة الجماعية من خلال هذا الخوف. ويبدو أن الصهاينة اليهود يشعرون بنفس الخوف على الأراضي الفلسطينية. ومن المثير للاهتمام أن العديد من الصهاينة، مثل نتنياهو، يرون دائمًا هتلر في شخصية الحاج أمين الحسيني. ولا يمكن إنكار أن هذا التصوير كان أيضًا جزءًا من الدعاية، إلا أن الأثر النفسي لهذا التشبيه كان حقيقيًا ومؤثرًا في نظر الصهاينة.

عند قراءة أعمال اليهود الذين يؤمنون بالأيديولوجية الصهيونية، من الضروري أن نتساءل عن الأهداف التي كانوا يسعون لتحقيقها. لقد قرأت رواية "الأرض الجديدة القديمة" لـ تيودور هرتزل لأجد إجابة على هذا السؤال، وتوصلت من خلالها إلى أن الصهيونية أيديولوجية استعمارية. فـ هرتزل كان يتصور بوضوح مستعمرة ألمانية على الأراضي الفلسطينية التاريخية. ويمكننا أن نجد في هذا الكتاب المعتقدات الاستعمارية للحضارة الأوروبية.

لكن عند دراسة هذه الكتب، تبين لي أنه يجب طرح سؤال ثانٍ: لماذا أولوا أهمية مفرطة لتجربتهم في ترسيخ جذورهم بأراضي فلسطين التاريخية؟ يجب البحث عن جذور التوسّع الاستعماري في هذه الأعمال، لأنها ستولد أسئلة جديدة. أما اللاهوت اليهودي فلن ينتج عنه أسئلة جديدة، إذ إن جذور التوسع الصهيوني لا تكمن فيه. فالصهيونية، بوصفها أيديولوجية استعمارية، استمدت جذورها من الأدب الأنجلوساكسوني، ومن أعمال اليهود الصهاينة أنفسهم لاحقا. ومن خلال هذه الأعمال يمكننا الكشف عن نقاط ضعف هذه الأيديولوجية ومخاوفها. فمعظم الكتب التي تتناول استعمار فلسطين تعالج مسألة الأرض باعتبارها قضية جوهرية وعميقة.

ومن بين أهم الأسئلة التي نسعى لإيجاد إجابات لها، هو سبب مشاركة اليهود الصهاينة بحماس كبير في الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين، بما في ذلك التطهير العرقي والإبادة الجماعية. وينبغي طرح السؤال ذاته أيضًا في سياق استعمار أمريكا الشمالية وأستراليا ونيوزيلندا: لماذا قام الأنجلوساكسونيون بتطهير عرقي بحق السكان الأصليين للأراضي التي استعمروها؟ لقد حان الوقت لطرح أسئلة جديدة حول إنجازات الأوروبيين. وكذلك طبق اليهود الصهاينة نفس العنف على أراضي فلسطين التاريخية. ولكن يبقى السؤال: لماذا؟

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!