ترك برس

في قلب البحر الأبيض المتوسط، حيث تلتقي زرقة المياه بصفاء السماء، تفتح السواحل الجنوبية لتركيا ذراعيها لعشّاق المغامرة والغوص، مقدمةً تجربة لا تُنسى بين الشعاب المرجانية وحطام السفن القديمة.

من "كاش" و"كيكوفا" في أنطاليا إلى أعماق مرسين شرقًا، تحولت تركيا إلى وجهة عالمية لهواة الغوص الذين يبحثون عن الطبيعة، التاريخ، والإثارة في آنٍ واحد.

كاش – كيكوفا: الغوص بين التاريخ والبحر

تُعد المنطقة الجنوبية من كاش في أنطاليا من أشهر مناطق الغوص في تركيا والعالم، بفضل مياهها النقية التي تمنح رؤية استثنائية لما تحت السطح. تمتد مناطق الغوص من كلكان إلى بتارا شرقاً، حيث تنتظر الغواصين كائنات بحرية متنوعة من الأسماك والأعشاب البحرية والإسفنج إلى جانب بقايا المدن الغارقة التي تروي قصصاً من الماضي.

وتزخر المنطقة بما لا يقل عن 15 موقع غوصٍ فريد، تتنوع بين الشعاب المرجانية والجدران الصخرية والأخاديد البحرية. وتُعد كاش بحطام سفينة "دوقة يورك" وسفينة "صقاريا" العثمانية من أبرز مواقع الغوص في العالم. فالأولى بريطانية الأصل بُنيت في غلاسكو أواخر عشرينيات القرن الماضي، أما الثانية فهي تركية الصنع غرقت في أربعينياته، وكلتاهما تشكل اليوم متحفًا تحت الماء يحتضن تنوعاً بيئياً رائعاً.

من أبرز ما يميز كاش أيضًا حطام طائرة داكوتا C-47 سكاي ترين، وهي طائرة نقل عسكرية أُغرقت عام 2009 عمداً لتتحول إلى شعاب مرجانية صناعية على عمق 22 متراً. اليوم، تغطيها الطحالب الملونة وتشكّل مشهداً ساحراً للمصورين الذين يعشقون توثيق الطائرات الغارقة.

وفي الجوار، توفر جزيرة هيبلي قرب كلكان فرصة أخرى لاستكشاف التضاريس الصخرية والأعشاب البحرية والسلاحف في بيئة بحرية بديعة. كما أن سفينة ديميتري التي غرقت عام 1968 بالقرب من جزيرة كوفان تظل نقطة جذب رئيسية، رغم تحطمها جزئياً، لما تحويه من أسرار وتاريخ.

أما السفينة الحربية التركية TCSG 119 التي أُغرقت عام 2011 لتوفير بيئة اصطناعية للشعاب المرجانية، فتقع على عمق يصل إلى 40 متراً، وتتحول اليوم إلى موطنٍ لمئات الكائنات البحرية الصغيرة التي تتخذ من الحطام ملجأً ومكاناً للتكاثر.

ألانيا: الغوص بين الكهوف وحكايات القراصنة

على الطرف الشرقي من أنطاليا، تحتفظ ألانيا بسحرٍ خاص لمحبي الغوص. فهي لا تقدم مشاهد بحرية فحسب، بل مغامرة تمتد بين الكهوف والأساطير.

أقرب نقاط الغوص إلى الميناء هي منطقة حوض السمك أكواريوم، التي تصل أعماقها إلى 24 متراً وتُعد مثالية للتدريب. أما موقع الأمفورا، الذي يستمد اسمه من قطع الفخار القديمة المكسورة المنتشرة في قاعه، فيمنح الغواصين فرصة نادرة لمشاهدة أسماك الهامور والموراي والأخطبوطات عن قرب.

ولا تكتمل تجربة ألانيا دون زيارة كهف القراصنة، الذي يجمع بين الغموض والجمال الطبيعي، إذ يمتد عمقه بين 10 و32 متراً ويحتضن حطاماً غارقاً على عمق 25 متراً. وفي الداخل، يمكن رؤية الخفافيش المعلقة والمصابيح المتوهجة التي تخلق مشهداً مدهشاً.

أما كهف عاشقلر، فيقع على بعد 15 دقيقة من الميناء، ويتميز بعمق يبلغ 21 متراً وبحياة بحرية غنية وتضاريس صخرية فريدة، ما يجعله موقعاً مثالياً لتدريبات الغواصين الجدد والمحترفين على حد سواء.

مرسين: التاريخ في الأعماق

شرق المتوسط التركي، في مرسين، تأخذ تجربة الغوص بعداً حضارياً مختلفاً. فهذه المدينة التي تعاقبت عليها حضارات الحثيين والآشوريين والفرس والرومان والعثمانيين، تحتفظ بكنوزها حتى تحت سطح الماء.

تحيط بها خلجان لا تُحصى، وتنتشر في محيطها الآثار المغمورة التي تحكي فصولاً من التاريخ القديم. وتُعد المناطق القريبة من جزيرة دانا وخليج سنجق وطَش أوجو من أبرز الوجهات التي تجمع بين الجمال الطبيعي والعمق التاريخي، لتمنح الزائر إحساساً بالغوص في الزمن بقدر ما يغوص في البحر.

خاتمة: وجهة الغواصين الباحثين عن الحياة والتاريخ

من كاش إلى مرسين، تمتد شواطئ البحر الأبيض المتوسط في تركيا ككتابٍ مفتوحٍ من الجمال والتنوع، تجمع بين صفاء الطبيعة وغموض التاريخ. إنها رحلة لا تقتصر على مشاهدة الأسماك أو استكشاف الشعاب المرجانية، بل تجربة حقيقية تعيد الإنسان إلى جوهر علاقته بالبحر والحياة.

في هذه السواحل، يكتشف الغواص أن تحت كل موجةٍ قصة، وتحت كل حطامٍ حياة جديدة تنبض من قلب الأعماق.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!