
ترك برس
تناول مقال بصحيفة "عربي21"، للكاتب والباحث الباكستاني ألطاف موتي، الموقف الإسرائيلي الرافض لأي دور تركي في ترتيبات غزة بعد الحرب، ويحلّل دوافع هذا الرفض بوصفه محاولة للحفاظ على السيطرة المطلقة على مستقبل القطاع ومنع أي قوة دولية قد تفرض رقابة على السلوك العسكري الإسرائيلي.
كما يستعرض الكاتب المقترح التركي بإرسال قوة تثبيت أممية، ويبرز كيف ترى أنقرة نفسها طرفاً ضرورياً لفرض التوازن وضمان حماية المدنيين، مستفيدة من نفوذها لدى حماس وخبرتها في عمليات حفظ السلام.
ويشير إلى أن إقصاء تركيا يهدد بإضعاف جهود الاستقرار الأميركية والدولية ويُبقي غزة في دائرة الفوضى، بينما قد يوفّر الدور التركي فرصة لبناء ترتيبات أمنية أكثر عدلاً واستقلالاً عن الهيمنة الإسرائيلية.
وفيما يلي نص المقال:
إن المعارضة الإسرائيلية الشرسة والقاطعة لأي دور تركي في غزة ما بعد الحرب، والتي تتلخص في عبارة "لا أحذية تركية على الأرض"، تكشف عن حسابات استراتيجية متجذرة في الرغبة بالحفاظ على السيطرة المطلقة على مستقبل القطاع. هذا الموقف، الذي يتعارض مع مناقشات الولايات المتحدة بشأن المشاركة المحتملة لأنقرة في قوة متعددة الجنسيات، يعمل في نهاية المطاف ضد آفاق تحقيق سلام حقيقي ومستدام للشعب الفلسطيني واستقرار المنطقة الأوسع.
المقترح التركي: عامل محفز للتوازن
لقد صاغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان باستمرار اهتمام أنقرة بغزة كامتداد طبيعي لدعمها طويل الأمد للقضية الفلسطينية، وتفيد التقارير بأن تركيا تضع اللمسات الأخيرة على الاستعدادات لنشر لواء يضم حوالي 2000 جندي ضمن "قوة تثبيت" مقترحة بتفويض من الأمم المتحدة. ويجادل المسؤولون الأتراك بأن مشاركتهم، المستندة إلى عضويتهم في الناتو وخبرتهم الواسعة في مهام حفظ السلام الدولية، ستُدخل عنصرا حاسما من التوازن والمصداقية إلى الترتيبات الأمنية على الأرض.
إن قدرة تركيا الفريدة على التواصل المباشر مع قيادة حماس أثبتت فعاليتها في مفاوضات وقف إطلاق النار السابقة، بما في ذلك الهدنة الأخيرة. هذه العلاقة العملية، التي تنظر إليها إسرائيل بعين الريبة، هي تحديدا ما يجعل تركيا لاعبا ضروريا. تتضمن الخطة الحالية نزع سلاح الفصائل. ويمكن للوجود التركي أن يستغل نفوذه لتسهيل هذه العملية الصعبة بفعالية أكبر من القوات التي يُنظر إليها على أنها متحالفة بشكل لا لبس فيه مع المصالح الإسرائيلية. إن رفض تركيا هو رفض لأحد الأطراف القليلة القادرة على تأمين القبول الضروري من جميع الأطراف، مما يطيل أمد عدم الاستقرار.
الرفض الإسرائيلي: رغبة في السيطرة بلا رادع
إن الرفض الإسرائيلي العنيد، الذي أبرزته تصريحات مسؤولين مثل وزير الدفاع إسرائيل كاتس والمتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء، تحركه حالة من انعدام الثقة العميقة، ودافع سياسي لتشكيل بيئة ما بعد الحرب دون رقابة ذات مصداقية. وتتفاقم حدة هذا العداء بسبب إدانة أردوغان الشديدة للأعمال الإسرائيلية في غزة، التي وصفها مرارا بأنها "إبادة جماعية". إن هذا النقد اللاذع وإصدار تركيا مؤخرا مذكرات اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين كبار يزيد من ترسيخ معارضة إسرائيل.
ومع ذلك، فإن الرفض يتجاوز مجرد الاحتكاك الدبلوماسي، فمن خلال الإصرار على حق النقض (الفيتو) على تكوين أي قوة دولية، تسعى إسرائيل إلى ترتيب أمني لا يتحدى جديا هيمنتها العسكرية أو نتائجها المفضلة لحكم غزة. إن خوف إسرائيل هو أن يشكل الوجود التركي، بموجب تفويض من الأمم المتحدة، رقيبا حقيقيا على تصرفاتها. هذا واضح في وقف إطلاق النار الهش الحالي، حيث تشير التقارير إلى استمرار الأعمال العسكرية الإسرائيلية، مما يوضح ضرورة وجود آلية إنفاذ قوية ومحايدة ولا يمكن للمسؤولين الإسرائيليين تجاهلها ببساطة.
المناورات الاستراتيجية لأردوغان
يحمل التقييم القائل بأن "أردوغان يلعب أوراقه بذكاء شديد" ثقلا كبيرا في هذا السياق؛ تستغل أنقرة الأزمة لإعادة تأكيد نفوذها كقوة إقليمية كبرى ومدافع قوي عن الشعب الفلسطيني على الساحة الدولية.
•القيادة الإنسانية: من خلال إعطاء الأولوية لإيصال المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار، تضع تركيا نفسها كقائد إقليمي متعاطف، في تناقض حاد مع الحصار والدمار الإسرائيلي.
•نفوذ الوساطة: بفضل الحفاظ على قنوات الاتصال مع حماس، أصبحت تركيا وسيطا لا غنى عنه في محادثات وقف إطلاق النار، مما يدل على ضرورتها العملية رغم الاعتراضات الإسرائيلية.
•التفوق الأخلاقي: يتردد صدى خطاب أردوغان القوي ضد إسرائيل بعمق في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي، مما يعزز مكانته المحلية والإقليمية ويجعله صوتا لمن يشعرون بالتخلي من قبل القوى العالمية الأخرى.
إن تركيا لا تطلب مجرد مقعد على الطاولة؛ بل هي تستغل الضرورة الجيوسياسية والوضوح الأخلاقي لضمان مكانتها. هذه الاستراتيجية تجبر الولايات المتحدة على النظر في مقترحاتها بجدية، حتى لو تعارضت مع المطالب الإسرائيلية، مما يشير إلى حملة دبلوماسية واضحة، وماهرة، وصبورة.
معالجة الذرائع الأمنية وضمان نزاهة التفويض
غالبا ما تستغل المعارضة الإسرائيلية الصريحة التهديدَ الأمني الذي تشكله حماس كذريعة لرفض تركيا، متسترة على أجندة سياسية أعمق: الرغبة في السيطرة على جميع جوانب الجهاز الأمني في غزة ومنع أي قوة قد تتحدى سلطتها العسكرية. هذا التأطير يسيس الذرائع الأمنية لتقويض النزاهة المطلوبة لتحقيق الاستقرار. وإن الانتشار التركي، الذي يعمل بموجب تفويض قوي من الأمم المتحدة، سيعالج الأمن بشكل أساسي من خلال فرض المساءلة الخارجية، وهو بالضبط ما تخشاه إسرائيل. ومن ثم، يجب إنشاء أي قوة لتحقيق الاستقرار مع ضمانات دولية صريحة بأن ولاءها الأساسي هو تفويض الأمم المتحدة وحماية المدنيين الفلسطينيين، وليس للشروط الأمنية الإسرائيلية التي يمكن أن تترجم إلى وجود عسكري أو مراقبة إلى أجل غير مسمى.
علاوة على ذلك، يتوقف النجاح العملياتي للوحدة التركية على إنشاء إطار إداري محايد وذي سيادة حقا لغزة، ومستقل عن أي تأثير إسرائيلي لا مبرر له. إن التعاون الضروري لتحقيق النجاح يجب أن يركز على التنسيق اللوجستي والفني مع الهيئات الدولية، وليس على الرضوخ لمطالب إسرائيل بالحصول على حق النقض بشأن مناطق الانتشار أو تبادل المعلومات الاستخباراتية. يجب أن يُعرَّف الدور التركي بموجب قرار ملزم من مجلس الأمن الدولي يمنع أي دولة -بما في ذلك إسرائيل- من إملاء تشكيل القوة أو قواعد الاشتباك الخاصة بها بشكل أحادي. إن الاستقرار الحقيقي يتطلب السيادة، مما يعني أن قوة التثبيت يجب أن تكون عاملا فاعلا في التعافي والحوكمة الفلسطينية، ومتحررة من القيود التي تفرضها قوة الاحتلال.
خطوة ضرورية للأمن الفلسطيني
المستفيدون الأوائل من قوة التثبيت التركية سيكونون الفلسطينيين. إن القوة المتعددة الجنسيات التي تضم دولة ذات أغلبية مسلمة ملتزمة مثل تركيا، وتعمل بموجب تفويض شرعي من الأمم المتحدة، أمر بالغ الأهمية لسببين؛ أولا، إنها توفر طبقة من الحماية للسكان المدنيين وللمهمة الإنسانية لا يمكن أن توفرها قوة غربية بحتة أو قوة وافقت عليها إسرائيل. ثانيا، إنها توفر مسارا للحكم الذاتي الفلسطيني من خلال توفير مظلة أمنية انتقالية أقل خضوعا للمصالح الاستراتيجية الإسرائيلية.
تستلزم خطة ما بعد الحرب الحالية، وهي مبادرة أمريكية في المقام الأول، مشاركة شركاء إقليميين لضمان شرعيتها وفعاليتها. وبإغلاق الباب في وجه تركيا، لا تقوّض إسرائيل مصداقية جهود الاستقرار برمتها فحسب، بل تُخاطر أيضا بالعودة إلى دوامة العنف. إن الفشل في إرساء ترتيب أمني قوي وعادل ومدعوم دوليا -يشمل تركيا- هو فشل في ضمان مستقبل لغزة بعيدا عن السيطرة العسكرية الإسرائيلية الدائمة.
السؤال ليس عما إذا كانت تركيا صديقة لإسرائيل، بل عما إذا كانت تركيا مساهما ضروريا وقادرا على تحقيق سلام عادل ودائم في غزة. يجب تجاهل الفيتو الإسرائيلي، المدفوع بالمصالح السياسية والتصميم على الحد من المساءلة، لصالح الضرورة القصوى للأمن الفلسطيني والاستقرار الإقليمي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!











