
ترك برس
تناول مقال للكاتب والإعلامي المصري علي أبو هميلة، في موقع الجزيرة مباشر، النجاح الاستثنائي للمسلسل التركي «هذا البحر سوف يفيض» الذي تصدّر نسب المشاهدة منذ أسابيعه الأولى، متجاوزًا أعمالًا ضخمة سبقتْه.
ويركّز الكاتب على سرّ جاذبية العمل الذي جمع بين رومانسيّة شفافة بعيدة عن الابتذال، وصراع عائلي قوي تدور أحداثه في قريتين بطرابزون وسط طبيعة ساحرة. ويسلّط الضوء على أداء بطليه بينار بايسال وأولاش تونا، إضافة إلى بروز وجوه جديدة مثل آفا يامان.
كما يشرح كيف نجح المسلسل عبر ثلاث طبقات من الرومانسية: علاقة الحب التاريخية بين عادل وأسماء، والرابطة الأبوية الدافئة بين عادل والطبيبة إيليني، ثم العلاقات العائلية التي أعطت العمل عمقه العاطفي، مشيرا إلى براعة الإخراج في اختيار الممثلين وتنسيق الملامح والبيئة البصرية.
وفيما يلي نص المقال:
لا يزال المسلسل التركي «هذا البحر سوف يفيض» يتقدم بصورة مذهلة في استفتاءات المشاهدين على مستوى الدراما التركية، محققا أرقاما في نسب المشاهدة لم تشهدها أعمال درامية كبيرة، وتخطى العمل أهم عملين في الموسم الماضي وهما «المدينة البعيدة» الذي استمر مدة عام ونصف في المرتبة الأولى، و«حلم أشرف» الذي نافس «المدينة البعيدة» بقوة في التربع على قمة المشاهدات. وهذا العام يأتي العمل الرومانسي «هذا البحر سوف يفيض» ليتربع على قمة المشاهدات في أسبوعه الثامن، بل وصل النجاح إلى أبطاله بينار بايسال في دور أسماء بطلة العمل الرئيسة التي أصبحت النجمة الأولى في تركيا الآن، ومعها أولاش تونا في دور عادل كوتشاري بطل العمل. أيضا كان النجاح من نصيب أصحاب الأدوار الثانية مثل زينب أتيلجان التي حصدت جائزة أفضل ممثلة مساعدة بعد تألقها في دور فاطمة كوتشاري، بينما كانت الواعدة آفا يامان صاحبة أجمل وجه درامي صاعد بعد تألقها في دور إيليني في العمل.
أهم ما يميز العمل الدرامي «هذا البحر سوف يفيض» الذي أذيعت حلقته الثامنة مساء الجمعة هو الحالة الرومانسية الناعمة التي تشع من أرجاء العمل، مصاحبة لموسيقى ناعمة أبدعها الكاتب والشاعر والموسيقار المطرب التركي يوسكال بلطجي، وهو مطرب صاحب إحساس راقٍ، وهو مؤلف جميع أغاني العمل وتؤديها ابنته أليف بلطجي على لسان بطلة العمل بينار بايسال. وكان قد اشتهر بأغنيته «حرام» التي جاءت في العمل الدرامي «أشرح لها أيها البحر» وكانت البطولة أيضا من نصيب أولاش تونا في دور حقق نجاحا كبيرا أيضا.
ثلاثة مستويات للرومانسية قدَّمها هذا العمل الذي يحظى بمتابعة تركية وعربية كبيرة، ويعيد إلى الشاشة التركية بهاء القصة الرومانسية الناعمة التي تتسم بالاحترام والوقار. فالملاحظة الأولى على هذا العمل الناعم تأتي من الملابس الخاصة بالممثلين في العمل الذين يقدمون أحداثا اجتماعية عائلية في قريتين من قرى ولاية طرابزون على ساحل البحر الأسود، الملابس وتصرفات الأدوار تعكس الوسط المحيط والاحتشام في تلك الولاية، فلا ملابس كاشفة، ولا تصرفات عاطفية فجّة، لا قبلات، ولا أحضان، حتى مشاهد غرف النوم تأتي في إطار عائلي راقٍ.
المستوى الأول الرومانسي هو حكاية حب بين شاب هو عادل كوتشاري، وفتاة تعمل في قصر عائلة في قرية مجاورة. وبينما تخيّم قصة ثأر دم، يتعرف عادل بن آل كوتشاري على أسماء وتنشأ بينهما قصة حب، يتزوجان على يد مأذون، ولكن آل فورتينا عندما يعرفون القصة يتآمرون عليهما ويفرقون بينهما. أسماء كانت حاملا ولهذا تقع تحت ضغط العائلة وخوفا على عادل لتتزوج من شريف فورتينا قاتل والد عادل ووالدته، ويخدعون أسماء ببيع طفلتها لطبيب وطبيبة يونانية ويخبرونها أن الطفلة ماتت أثناء الولادة.
تبدأ أحداث العمل بعودة الطبيبة إيليني التي توفي والدها الذي تبناها، وفي خطاب أنها ابنة امرأة من قرية فورتينا في طرابزون وأنها متبناة. تصل إيليني لتبدأ رحلة البحث عن أمها، يساعدها عادل كوتشاري والدها الذي لا يعرف. قصة حب رومانسية ناعمة تذكّر بالقصة الرومانسية الخالدة «روميو وجوليت»، وقصص الأساطير الشعبية مثل «حسن ونعيمة» المصرية. البطلان رغم مرور عشرين عاما لا تزال تربط بينهما مشاعر الحب الناعمة والراقية، عادل لا يزال يعيش في ذكريات قصة حبه ولم يرتبط، وأسماء كان شرطها لشريف زوجها أن يظلا إخوة رغم عقد قرانهما، وتتعامل معه من هذا المنطلق فهي لا تزال تعشق عادل.
محاولات التفريق بين عادل وأسماء كانت عن طريق شريف الذي يعشق أسماء في صمت، وهجران التي كانت تحب عادل وهي إحدى فتيات قرية فورتينا، وظريفة التي تُكن عداء لآل كوتشاري الذين قتلوا زوجها شقيق شريف، والقاتل والد عادل كوتشاري. فرَّقوا بينهما وباعوا طفلتهما، والآن يخططان للتخلص من ابنتهما التي جاءت للقرية طبيبة حتى تجد أمها وتعرف جذورها. عادل يشعر بعاطفة تجاه الفتاة إيليني ويساعدها للوصول إلى أمها، وأسماء لديها الشعور نفسه. يلتقي عادل وأسماء الحبيبان في التعاطف مع إيليني، وأثناء ذلك تظهر مشاعر الحب في مزج بين ماضٍ حالم وحاضر تتجدد فيه المشاعر مزدانة بأخلاق راقية.
المستوى الثاني الرومانسي في العمل هو علاقة عادل كوتشاري وإيليني الطبيبة. علاقة حب لا يدريان أسبابها، فهو يجد فيها ابنة لم يظفر بها من حبيبته أسماء، وهي تجد فيه حنان الأب الذي افتقدته بوفاة مربيها. المشاعر النبيلة الراقية تغمر هذه العلاقة، وتصل إلى حد التطابق في النظرات والتصرفات، يشعر المشاهد أنه أمام نسختين لشخصية واحدة: الأب وابنته. حركات الوجه، نظرات العيون وتعبيراتها، لدرجة تعليق مشاهدين أن من لا يعرف الممثلين يظن أنهما بالفعل رجل وابنته. علاقة يغلفها الحنان المتدفق، الدفء، والحب الطاغي. التشابه الكبير في الصورة خلق تعاطفا كبيرا بين البطل أولاش والوجه الجديد الصاعد آفا. ومن خلال علاقتهما تظهر علاقة العمة فاطمة كوتشاري مع الطبيبة إيليني، وأدَّت الدور زينب أتيلجان، واتسمت العلاقة برومانسية عائلية ومحبة كبيرة بينهما وهما في عمر واحد تقريبا.
المستوى الثالث في الرومانسية هو العلاقة العائلية، سواء التي تربط عائلة كوتشاري بعضها ببعض، أو علاقة العائلة مع أهل القرية الذين يعملون في قريتهم التي هي إحدى أكبر القرى في إنتاج الماشية. ورغم أن عائلة فورتينا تمثل الجانب الشرير في العمل فإن العلاقة العائلية مترابطة جدّا بين الجدة شيرين فورتينا، والابن شريف، وزوجة الابن ظريفة، وأسماء، والحفيدين عروج وأيسو. ما يميز علاقة عائلة كوتشاري هو الترابط الكبير بينهم الذي يقوده عادل خاصة مع شقيقته فاطمة وأبناء عمومته، بينما يظل الطرف الآخر منقسما بين فريقين يمثلان الشر والخير في العائلة.
لا شك أن مخرج العمل الدرامي «هذا البحر سوف يفيض» قد أبدع في اختيار فريق عمله من طرفي الصراع. فقد أجاد في تسكين الفريق الذي يمثل عائلة كوتشاري وجعل بينهم تشابها كبيرا في الملامح الشكلية خاصة أولاش وآفا وزينب في أدوار الأب والابنة والعمة، فجعل بينهم تقاربا كبيرا في الملامح، وظهرت سمة اللون الأشقر متوحدة مع باقي العائلة مما يعكس تناسقا أخلاقيا ودراميا. بينما على الجانب الآخر ظهر تنافر الشكل في عائلة فورتينا، إذ تجد أطراف الخير المعتدلة ممثلة في شيرين الجدة والحفيدين عروج وأيسو قريبة الملامح جدّا بل يميلون إلى ملامح آل كوتشاري الشقراء، في حين يميل شريف وظريفة إلى ملامح واحدة لكنها ليست متشابهة مع باقي العائلة وتعكس ملامح الشر والجريمة.
تميز العمل أيضا بإيقاعه السريع جدّا في الأحداث، ويقع بين الرومانسية في مشاهده، ومشاهد الحركة والصراع في المعارك المتتالية بين القريتين من قتل وحرق وتدمير، إلى جانب الإثارة الناتجة عن البحث عن الأم (أسماء) وصراع شريف وظريفة للتخلص من الابنة. هذا الصراع المتعدد المستويات خلق للعمل إثارة وتشويقا كبيرين. ويأتي في المستوى الثالث من جماليات الصورة جمال المناظر الطبيعية في ولاية طرابزون، حيث مزارع الشاي، ومراعي الماشية، وحركة الفلاحين والعاملين في تلك الحقول التي خلقت مساحة كبيرة من جمال المَشاهد التي تسعد عين المُشاهد، ولتجعل العائلة التركية والعربية تلتف حول عمل يعيد بهجة الرومانسية الراقية إلى الشاشة التركية. وللرومانسية أعمال أخرى في الموسم الدرامي التركي الحالي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!










