جلال سلمي - خاص ترك برس
تُعد مواضيع البيئة والصحة العامة من أهم المواضيع التي تسعى جميع الأمم والدول إلى المحافظة عليها والعناية بها لأنها تُعد مواضيع ومعايير مهمة في تحديد إنتاجية الفرد الذي يُعد العنصر الأساسي في دفع عجلة العمل والنشاط والتقدم والتطور في الإنتاج والتطور الاقتصادي لهذه الأمم والدول.
وعلى حد اعتقاد الباحثين التنمويين؛ يُعتبر العنصر البشري هو الثروة الأهم في مؤسسات الإنتاج الاقتصادي الذي يُعتبر العنصر الرئيس في تأسيس كيان سياسي قوي، وللحفاظ على هذه الثروة لا بد من الاعتناء بصحتها الجسدية والنفسية وذلك من خلال الاهتمام بصحتهم العامة والاهتمام بالبيئة المحيطة بهم التي تعمل على إراحة حالتهم النفسية والصحية وتزيد من نشاطهم وإنجازهم العملي المزدهر.
وعند البحث بين صفحات التاريخ عن أمثلة عن دول اعتنت بالصحة العامة والحالة البيئة لمواطنيه لا يمكن أن نجد إلا وثائق تاريخية في الأرشيف العثماني في القصر العالي في إسطنبول، هناك العديد من الوثائق التاريخية التي يمكن إيجادها في الأرشيف العثماني تتعلق بقواعد وقوانين الصحة العامة والبيئة ولكن من أكثر الوثائق البارزة والمتعلقة بشكل مباشرة هما الوثيقة التي أصدرها السلطان العثماني سليمان القانوني عام 1539 باسم وثيقة "حماية البيئة" والتي تُعد أحد الوثائق الفريدة في عهدها مقارنة بالدول والإمبراطوريات الأخرى والوثيقة التي تُعد وصية السلطان العثماني محمد الفاتح والتي كُتبت عام 1481 أي في نفس العام الذي توفى به محمد الفاتح.
وقبل سرد الوصية يضيف عمر أيمالي، في دراسة تاريخية تقييمية له متعلقة بوصية السلطان محمد الفاتح بعنوان "جوانب وصية محمد الفاتح" نُشرت على موقع "تاريخ الدنيا" التركي بتاريخ 22 كانون الأول/ ديسمبر 2012، بأن "وصية محمد الفاتح بشكل عام تُعد من أكثر وصايا السلاطين العثمانيين شمولية وكمال حيث شملت جميع المواضيع والنواحي الحياتية بكافة جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وحتى الصحية والبيئية، ولم يسبق لأي سلطان عثماني أن ذكر جميع مناحي الحياة بتفاصيل شاملة ومتفرعة".
وفيما يتعلق بموضوع البيئة أورد محمد الفاتح في وصيته التالي:
ـ أوصيكم وصية حسنة بالنظافة العامة لمدينة إسطنبول التي لطالما حلمت بفتحها وإلحاقها في إطار دولتنا العثمانية المعظمة، اجعلوها مدينة نظيفة لامعة تجذب القادم إليها ولا تنفره.
ـ أرجو من الحكام والأمراء الذين يلوني أن يضعوا شخصين للنظافة العامة في كل طريق من طرق إسطنبول وأن يهتموا بالصحة العامة للمواطنين الذين يعدون الركيزة الأساسية للدولة العثمانية المحفوظة بعناية المولى.
ـ أرجو من ساكني إسطنبول أن يحافظوا دومًا على نظافتها ولاماعتها لجعلها وجهة من أهم الوجهات المثالية في العالم.
ـ تعيين 10 أطباء و53 ممرض لكل حي من أحياء إسطنبول ويقوم هؤولاء الأطباء بشكل دوري التجول في إسطنبول وتفقيد جميع البيوت بلا استثناء لمعرفة إذا كان يوجد مريض في البيت أو لا يوجد وفي حين كان يوجد أحد المرضى أو الجرحى يهتمون بشكل مباشر وفي حين استدعت الحالة يتم تحويل المريض بشكل عاجل إلى "دار الشفاء".
ـ تخصيص العديد من الخانات الخاصة بإيواء وربط الحيوانات الخاصة بمواطني المدينة لتجنيب المدينة من الحيوانات وإبعاد إزعاجهم وأمراضهم والملوثات التي يمكن أن تنتج عنهم عن طرقات المدينة.
ـ تخصيص قنوات خاصة بمياه الصرف الصحي والعمل على سكبها في مناطق فارغة بعيد عن السكان لتجنيبهم من الإزعاج والأمراض المتنوعة التي يمكن أن تنتج عن هذه المياه.
وفي نهاية الوصية يتمنى محمد الفاتح الأمن والسلامة المستمرة لإسطنبول المدينة الذي يبين محمد الفاتح بأنها المدينة التي تركها أمانة لمن يخلفها من حكام وأمراء وكما أنها المدينة التي لطالما تمنى أن يمن الله عليه بفتحها ليجعلها مدينة مسلمة مثالية يُحتذى بقواعدها القانونية الخاصة بالجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية والصحية على طول المدى وإلى الأبد".
ويشير الباحث عمر أيمالي، في نفس الدراسة، إلى أن "مدينة إسطنبول قد تكون ظُلمت في بعض الفترات بعد تأسيس جمهورية تركيا عام 1923 ولكن بعد تسلم مقاليد إدارتها من قبل أناس يحملون شعور الأمانة العثمانية بدأ الاهتمام بها صحيا ً وبيئيا ً يعود إليها من جديد لتصبح أحد المدن التي يمكن وصفها "بالجنة" مقارنة بالعديد من المدن الكبرى الأخرى الموجودة حول العالم".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!