إسماعيل ياشا - عربي 21
رئيس الجمهورية التركي عبد الله غول شخصية سياسية محترمة ذات خبرة واسعة في السياسة والدبلوماسية، وهو أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية الذي يحكم تركيا منذ حوالي اثني عشر عاما، وتولى مناصب وزير الخارجية ورئيس الوزراء ورئيس الجمهورية. وكان غول أعلن في 11 آب/ أغسطس أنه يرغب في العودة إلى الحزب الذي أسهم في تأسيسه، إلا أن هناك علامات استفهام كثيرة حول موعد هذه العودة ومستقبل غول السياسي.
حزب العدالة والتنمية سيعقد اليوم الأربعاء مؤتمره الاستثنائي لانتخاب رئيسه الجديد قبيل تسليم غول مهامه إلى خلفه رجب طيب أردوغان الذي سيؤدي اليمين الدستورية غدا الخميس في البرلمان التركي. وبالتالي لم يكن بإمكان غول العودة إلى الحزب قبل المؤتمر والترشح لرئاسته.
ليست أمام غول خيارات كثيرة، كما لا يمكن أن يتولى أي منصب غير منصبي رئيس الحزب ورئيس الوزراء بعد أن تولى لمدة سبع سنين أعلى منصب في البلاد. ومع إعلان أردوغان ترشيح وزير الخارجية أحمد داود أوغلو لرئاسة حزب العدالة والتنمية أصبح المنصبان محجوزين على الأقل حتى الانتخابات البرلمانية التي ستجرى منتصف العام القادم.
إذن، ماذا سيفعل غول؟ وماذا يمكن أن يفعل؟ كتب الصحفي "أوطكو تشاكيروزر" في صحيفة "جمهوريت" التركية أن عبد الله غول لن يعود إلى حزب العدالة والتنمية، بل سيقيم في إسطنبول، وسيقوم بدور "الرجل الحكيم" ليلقي محاضرات في الجامعات ومنظمات المجتمع المدني ومراكز الفكر والدراسات ويعبر عن آراءه بصفته الرئيس السابق حول القضايا المحلية والإقليمية والدولية، كما يفعل الرؤساء السابقون للولايات المتحدة. وذكرت وسائل إعلام تركية أن هذه المعلومة قام بتسريبها من داخل القصر الرئاسي إلى الصحيفة أحد مستشار عبد الله غول.
بغض النظر عن صحة ما كتب في صحيفة "جمهوريت" ومن قام بتسريبه، قد يؤجل غول عودته إلى حزب العدالة والتنمية إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية ليرى نتائج الانتخابات أو قد يقرر الخروج من الساحة السياسية نهائيا لعدم وجود منصب شاغر يناسب حجمه.
لا يخفي على المتابع للشأن التركي عدم رغبة أردوغان وكثير من مؤيدي حزب العدالة والتنمية في تولي غول رئاسة الحزب و رئاسة الوزراء لأسباب، أهمها أن المرحلة الحالية تتطلب إرادة حازمة في مكافحة "الكيان الموازي" ومحاولاته لإسقاط الحكومة المستمرة ولكن هذه الإرادة لا تتوفر في غول.
هناك تصريحات ومواقف صدرت من عبد الله غول خلال أزمات مرت بها حكومة أردوغان وأثارت موجة من الاستياء في صفوف مؤيدي حزب العدالة والتنمية، وولَّدت لديهم شعورا بأن الرئيس غول يخذل رفيق دربه أردوغان. وقال غول خلال أحداث ميدان "تقسيم" ومنتزه "غزي باركي" إن "الديمقراطية ليست فقط صناديق الاقتراع"، وتم تفسير هذا التصريح دعما ضمنيا للقوى الأقلية التي تسعى لفرض وصايتها على الإرادة الشعبية من خلال تحريك الشارع. ورد عليه أردوغان قائلا إنه يرفض هذا القول بغض النظر عمن صدر منه وتساءل: "إن لم تكن الديمقراطية صناديق الاقتراع فماذا هي إذن؟"
عندما تفجرت الأزمة بين الحكومة وجماعة كولن واتضح أن "الكيان الموازي" المتغلغل في أجهزة الدولة قام بالتنصت على مكالمات أردوغان وأفراد أسرته، ونشرت تسجيلات صوتية مفبركة، وطالت الاتهامات والشتائم نجل أردوغان وزوجته وابنته، انتظر مؤيدو حزب العدالة والتنمية من الرئيس عبد الله غول أن يستنكر ذلك ويدافع عن رفيق دربه، ولكنه ظل ساكتا. وقيل آنذاك إنه لو كان عبد الله غول هو الذي تعرض لِما يتعرض له أردوغان اليوم ما سكت أردوغان بل دافع عنه بقوة.
يبدو أن غول وزوجته انزعجا كثيرا من المعاتبة والانتقادات التي وجهها إلى رئيس الجمهورية بعض المقربين من الحكومة واعتبراها إساءة إليهما. وعبرت خير النساء غول، زوجة عبد الله غول، عن هذا الانزعاج في الحفل الذي أقامه غول في قصر تشانكايا بمناسبة انتهاء فترته الرئاسية حين رفضت مصافحة كاتب صحفي مقرب من الحكومة وقالت: "هل تعتقدون أننا لا نعلم شيئا؟ نحن نعلم كل شيء.
لقد تعرض غول للكثير من قلة الاحترام ولكنه لا يقول شيئا لأنه إنسان مؤدّب". وأضافت أنهما لم يتعرضا لمثل ما تعرضا له مؤخرا حتى في حقبة 28 شباط/ فبراير، في إشارة إلى المضايقات التي تعرض لها الإسلاميون قبل إسقاط حكومة أربكان الائتلافية وبعده في 1997.
تصريحات خير النساء غول كانت مفاجئة نوعا ما، لأن كل ما تعرضا له شيء من المعاتبة والانتقاد ولا يمكن مقارنته بأي حال من الأحوال مع الإساءة التي تعرضا لها في حقبة 29 شباط/ فبراير وكذلك قبل انتخاب غول رئيسا للجمهورية وبعده. واللافت أن هؤلاء الذين أساؤوا إلى غول وزوجته وسخروا من السيدة خير النساء غول وحجابها في تلك الحقبة هم أنفسهم يصفقون اليوم لتصريحاتها الأخيرة.
ولعل السؤال الأهم في ظل هذه التطورات هو: "هل سينزلق غول شيئا فشيئا نحو المعسكر المعادي لأردوغان وينسى ما عانى منه نفسه؟". أعتقد أن غول يتمتع بدرجة عالية من العقل والحكمة والحنكة ليدرك أن وقوف ذاك المعسكر اليوم إلى جانبه وتحريضه ضد أردوغان يفقده شعبيته في صفوف مؤيدي حزب العدالة والتنمية الذين ما زالوا يحبونه ويكنون له الاحترام ولن يأتيه بأي نجاح سياسي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس