ولاء خضير - خاص ترك برس
حتى تستطيع إدراك المعركة السياسية الدائرة في تركيا، والتي تتمثل بشكل أساسي بالصراع القائم بين الدولة التركية من جهة، وحزب العمال الكردستاني الذي يُتهم بارتكاب العديد من الأعمال الإرهابية في البلاد، من جهة أخرى. ومن أجل التعرف على ماهية حزب العمال الكردستاني، لا بد من ومضة سريعة على أهم المحطات التاريخية للحزب، وممارساته منذ تأسيسه.
حزب العمال الكردستاني تنظيم عسكري مسلح بارز في تركيا، يساري التوجه، كردي القومية، ويحظى بتعاطف كبير من أكراد تركيا، ويقود في المرحلة الحالية أعمالاً مسلحة، مدعومة من بعض الشرائح المجتمعية الكردية الموجودة في جنوب شرق تركيا.
وتشكل حزب العمال الكردستاني"بي كي كي" (PKK) سريًا في عام 1978، وأسسه حينها طلاب أكراد، وعلى رأسهم عبد الله أوجلان الذي تم اختياره كأول رئيس للحزب، وهدف إلى إقامة دولة كردية مستقلة، تقتطع من أراضي المناطق التي بها تواجد للأغلبية الكردية.
ومن أجل تحقيق ذلك خاض الحزب نزاعا مسلحا دمويا مع تركيا، أودى بحياة أكثر من 45 الف شخص منذ الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي، وبعد ذلك بدأ بالتنازل لتصبح مطالبه الحصول على المزيد من الحقوق للأكراد، وحكم ذاتي جنوب شرق تركيا، مع الاحتفاط بمطالبه الانفصالية.
وتمكنت الحكومة التركية بعد ملاحقة استمرت 15 عاما، من اعتقال مؤسس وزعيم الحزب عبد الله أوجلان، كان ذلك في مطار العاصمة الكينية نيروبي في عام 1999، وأدين أوجلان بتهمة "خيانة البلاد"، وحكم عليه بداية بالأعدام، ثم خفف الحكم الى السجن المؤبد، بجزيرة صغيرة في بحر مرمرة.
ووجهت اتهامات إلى نشطاء الحزب بالعنف، ونشر الفتن، وبالانتماء للشيوعية، والتمويل من جهات مشبوهة، وسط دعوات لوقف الدعم الشعبي الذي يتلقاه الحزب، وتشير تقارير إلى أن الصراع أودى حتى الآن بحياة الآلاف، وتدمير قرابة 6 آلاف قرية وبلدة كردية في جنوب شرق تركيا، فضلًا عن تكلفة مالية باهظة، كانت كافية لتحقيق نهضة اقتصادية واجتماعية في المناطق الكردية، التي تعاني من الفقر، والتخلف، مقارنة مع المناطق التركية.
ويشتعل الصراع في الفترة الحالية التي تسبق الانتخابات التركية المبكرة المزمع اجراؤها في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، فلم يعد استهداف حزب العمال الكردستاني لمخافر وعربات وأفراد الشرطة التركية في مناطق مختلفة حدثا عرضيا، أو استثنائيًا كما كان سابقًا.
تكاد تخلو مظاهرات مؤيدي بي كي كي من الأعلام التركية
ويرجح المراقبون والخبراء أن كثافة الهجمات التي شنها الحزب مؤخرا على أهداف الشرطة، دون الجيش تدل على تغيير في استراتيجية الحزب، ويهدف إلى إضعاف أجهزة الشرطة التركية، تمهيدا لإحلال قوات أمن كردية مكانها، في المدن ذات الأغلبية الكردية، ويرى آخرون أن التغيير تكتيتي مؤقت، بسبب عدم توفر أهداف سهلة في الجيش التركي.
وبهذا الصدد أوضح الخبير في الشؤون التركية، الدكتورإسلام حلايقة أن شدة هجوم الحزب الكردستاني "تهدف إلى إضعاف الحكومة التركية، والنيل من قدراتها، وإظهارها ضعيفة عاجزة عن تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد، فلا مشكلة للحكومة التركية في احتواء الأكراد في جسم الدولة، ومؤسساتها المختلفة، وممارستهم للسياسة، بل المشكلة في نشاط وصعود الأطراف الكردية التي تمارس الإرهاب، وتقتل المدنيين والجنود، والشرطة، ومن يدعمهم ويمثل هؤلاء سياسيا".
وأضاف الدكتور حلايقة أن مقاتلي الحزب يهدفون بهجومهم أيضًا إلى تحقيق مزيد من الإنجازات السياسية لصالح "حزب الشعوب الديموقراطي HDP المؤيد للأكراد، على قاعدة إذا لم يفسح المجال لحزب HDP في السياسة، وإذا لم يرتقِ لمواقع عليا في الدولة، فإن سلاح حزب العمال الكردستاني جاهز، هذا إضافة إلى الأهداف الانفصالية القديمة الحديثة التي يحلم بها الحزب منذ عقود".
ويختم حلايقة حديثه: "أرى أن العمليات التي تشنها الدولة التركية ضد المتمردين من حزب العمال الكردستاني، والتي جاءت ردًا على عمليات إرهابية عديدة ضد الدولة، ومؤسساتها، وقواها الأمنية ستسهم في رفع حصة العدالة والتنمية الانتخابية، فيما ستتسبب بعزل حزب الشعوب الديمقراطي المعارض (غالبية أعضائه من الأكراد)، وتسهم في تراجع نسبة أصواته، وبرأيي فإن احتمالية فوز حزب "العدالة والتنمية"، وتشكيله للحكومة القادمة عالية جدًا، ونتيجة غير ذلك ستدفع البلاد نحو دوامة أزمة معقدة مجهولة المعالم" .
دون شك، محنة تركيا، وتحديدًا الرئيس أردوغان كبيرة، فهي واقعة بين الرد على تصاعد وتيرة العنف الكردي على الحدود، وبين جدل استمرار الخيار العسكري الصعب، والخشية من تداعياته، وتبقى نتائج الانتخابات التركية المقبلة هي الحاسمة، كما أكد ذلك الرئيس التركي رجب طيب أرودغان حينما قال إن الانتخابات ستؤدي إلى "إما الاستقرار أو الفوضى".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!