علي حسين باكير - عربي 21
تثير نوعيّة التطورات التي حصلت مؤخرا في سوريا لناحية حشد روسيا المزيد من الدعم لنظام الأسد تساؤلات عديدة عن حقيقة النوايا الروسية بعد تأكيد التقارير الواحد تلو الآخر بأنّ روسيا أصبحت موجودة في سوريا ليس على شكل مستشارين ومساعدين وقطع غيار، وإنما على شكل قوات عسكرية وأسلحة قتالية هجوميّة ومعدات لوجستيّة ومساكن للمقاتلين وأنظمة دفاعيّة ورادرات بالإضافة إلى قاعدة عسكرية جوّية.
السؤال الذي يطرح نفسه بطبيعة الحال، ما شكل التحرّك العسكري الروسي المنتظر في سوريا وضد من بالتحديد؟ تقول موسكو إنّ تعزيز قواتها هناك هدفه محاربة "داعش"، لكنّ تحليل هذاالتوجّه من خلال معاينة نوعيّة الأسلحة التي يتم إرسالها ولاسيما نظام الدفاع الصاروخي (SA-22) ودبابات (T-90) يثير المزيد من علامات الاستفهام بدلا من أن يجيب عن الأسئلة المطروحة.
تفيد التقارير بأنّ الحشد العسكري الروسي المتواصل مؤخرا يعد الأضخم من نوعه على الإطلاق لروسيا خارج حدود الاتحاد السوفيتي السابق منذ انهيار الأخير، شكل المعدات الروسية التي وصلت مؤخرا إلى سوريا والمنشآت التي لا يزال الروس يواصلون العمل فيها على الساحل السوري لا توحي أبدا بأنّها قد تكون مخصصة حصرا لمقاتلة "داعش".
نظام الدفاع الصاروخي (SA-22) على وجه التحديد لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال لمحاربة "داعش"، ولذلك من المنطقي جدا أن نطرح تساؤلا عن سبب وجوده وطبيعة هدف ودور هذه المنظومة هناك. قد يفسّر البعض وجوده بأنّه طبيعي إذا كان الهدف منه حماية المنشآت التي يتواجد الروس فيها، لكن حتى في سياق هذا التفسير من البيعي أن يطرح التساؤل، "حمايتها ممّن" إذا صح هذا التفسير؟
في الواقع، لا يخفى على الجميع أن تركيا تعد من أشد المطالبين بإقامة منطقة آمنة وحظر جوي شمال سوريا، وهي لم تتنازل إلى الآن عن هذه المطالب رغم محاولة الجانب الأمريكي تجاوزها دوما.
عندما تمّ الاتفاق على فتح قاعدة أنجرليك الجوية أمام القوات الأمريكية وقوات التحالف لاستخدامها ضد "داعش" الشهر الماضي، طرح الأتراك موضوع المنطقة الأمنة والحظر الجوّي من جديد. من أبرز الذين عارضوا هذا الطرح بالإضافة إلى الولايات المتّحدة نفسها، طهران وموسكو.
لقد اقترحت الولايات المتّحدة الاتفاق مع الجانب التركي على ما يسمى "منطقة خالية من داعش"،
وليس "منطقة آمنة" أو "منطقة عازلة"، ولأنّه لم يكن أمام الأتراك الكثير من الخيارات فقد قبلوا. عندما تتحدث مع الأتراك عن هذا الموضوع، يقولون إنّه من الممكن الاستفادة منه لاحقا في الدفع بطلبهم الأساسي قدما إلى الأمام. لكن في حقيقة الأمر لا يبدو هذا الطرح الأمريكي إلا التفافا على المطلب الأساسي وبما يخدم أجندة واشنطن وليس أنقرة بالضرورة.
هناك من يرى أنّه إذا أدّت الانتخابات المقبلة في نوفمبر القادم إلى فوز حزب العدالة والتنمية واستطاع الأخير تشكيل حكومة منفردة، فإن أنقرة ستدخل بكامل قوتها في الملف السوري عسكريا لحسمه، مدفوعة أيضا بالموقف السعودي الصلب الذي يقول صراحة إمّا خروج الأسد بعملية سياسيّة أو خروجه بالعمل العسكري.
من الواضح أن موقف تركيا والسعودية يتعارض مع الموقف الروسي الذي لا يريد إخراج الأسد، ولذلك لا يمكن تجاهل مثل هذه الحسابات أيضا في الأجندة الروسية المستجدة في سوريا سواء لقطع الطريق على أي تحرك تركي – سعودي مستقبلي من جهة، أو لحماية نفوذها حال انهيار الأسد فعلا وهو الأمر الذي تحرص موسكو أن لا تسمح له بالحصول.
نظام الدفاع الصاروخي (SA-22) يعزز مثل هذه الفرضية التي تقول إنّه يأتي لقطع الطريق على أي محاولات مستقبلية لإقامة حظر جوي أو منطقة آمنة شمال سوريا خاصّة إذا ما تم تعزيزه مستقبلا بأسلحة ومنظومات أخرى من هذا القبيل. يجب أن لا ننسى أنّ عدّة تقارير كانت قد تحدّثت في العام 2012 عن دور روسي في إسقاط الطائرة التركيّة في المياه قبيل الساحل السوري آنذاك بصاروخ موجّه، كما أنّ خطوة كل من الولايات المتّحدة وألمانيا مؤخرا والقاضية بسحب بطاريات الدفاع الصاروخي "باتريوت" من الحدود التركية لا يمكن تفسيرها إلا من قبيل عرقلة المساعي التركية لإقامة المنطقة الآمنة والحظر الجوي.
أيّا يكن الهدف الحقيقي من التواجد العسكري الروسي المباشر في سوريا، وبغض النظر عن طبيعة الدور الذي ستلعبه موسكو، فإن الأمور ذاهبة باتجاه المزيد من التعقيد، وكذلك الأمر بالنسبة إلى حسابات الدول الاقليمية المنخرطة في سوريا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس