ولاء خضير - ترك برس
تمضي قدما في ازقة البلدة القديمة، يأسرك صوت كوكب الشرق أم كلثوم من مسافة، ما أن تقترب أكثر حتى تجده يصدح من بابٍ ليس كغيره من أبواب المحال داخل البلدة القديمة، تجبرك تلك الإضاءة الخافتة، والأقواس الخارجة عن الزمان والمكان أن تعبره، فما أن تطأ قدماك ذاك الباب، تذهل لجمال وروعة المكان، الذي يعود بك لمئات السنين، هناك حيث العمارة العريقة، حيث الحمامات العثمانية القديمة.
عقارب الزمن ستعود بك حتما لمئات السنين الماضية، وأنت تدخل أحد الحمامات التركية في مدينة نابلس، فالأقواس، والزخارف، والأبواب التي تزين جدرانها وبلاطها، تحدثك عن عصور كانت مدينة نابلس بها بأبهى حلتها، وأوليت كل اهتمام، وترميم في عصر الدولة العثمانية.
فلا يمكن لزائر نابلس أن يخرج منها، دون أن يأكل الكنافة النابلسية، أو يشتري الصابون النابلسي، المصنوع من زيت الزيتون، وبالطبع دون أن يزور حماماتها التركية، ومنها حمام الشفاء، أقدم الحمامات التركية التسعة الموجودة بالمدينة.
يقع حمام الشفاء في قلب البلدة القديمة في نابلس، ويعود تاريخ إنشاء حمام الشفاء التركي إلى عام 1225 ميلادية، في نهاية العهد العثماني، وعند وصولك البلدة القديمة، وما إن تدخل شارع النصر، حتى تجد بضعة سلالم حجرية، تعلوها لافتة تحمل اسم حمام الشفاء تقودك إليه، وبمجرد مرورك من الباب، ستشعر أنك انتقلت إلى عالم آخر، فعبق التاريخ يسيطر على المكان.
تاريخ الحمامات التركيه في فلسطين عامة، يأتي من خلال قيام السلطان العثماني سليم الأول، الذي أمر بتأميم كل الحمامات، التي كانت حكرا على العائلات المالكة، بمعنى أن كل عائلة كان لها حمامها الخاص، ويمنع استعماله من قبل عامة الناس، ولهذا كان فتحه للاستعمال من قبل عامة الناس على يد سلطان تركي، وهو السبب في تسميته الحمام التركي.
وقد بنيت خلال القرون الماضية في مدينة نابلس تسع حمامات تركية، توجد معظمها بالبلدة القديمة بالمدينة، وبالقرب من ينابيع المياه، إلا أن اثنين منها فقط يعملان حاليا، بعد ترميمهما بجهد ذاتي، من العائلات المالكة لتك الحمامات العريقة.
وحسب وصف احد العاملين في الرسالة نت، يصف جمالية حمام الشفاء. عند زيارتك لحمام الشفاء التركي العريق بتاريخه، فستسرق نظرك الجدران المنقوشة، وساحة الاستقبال التي تتوسطه البحرة أو نافورة المياه، بعدها يتوجه الشخص إلى "المشلح الجواني" حيث يتم تبديل ملابسه، ويرتدي لباس الحمام، أو ما يطلق عليه "الوزرة".
وبعد أن يستعد الضيف لحمام من نوع خاص، يتوجه إلى غرف التحميم، وهناك يستلقي على بلاط النار، وهو بلاط سلطاني قديم، تحته نار ذات درجة حرارة عالية، ومناسبة للجسم، ويساعد على التعرق، وإزالة الدهون، ويتم تلييفه بغرف التحميم، أو الخلوات.
وإذا أردت إكمال مشوارك داخل الحمام لتاريخي، فيمكنك التوجه لغرف الساونا والبخار، أو لمغطس المياه المعدنية التي تساعد كثيرا على الشفاء من الأمراض، وبعد انتهائك من كل ذلك.. تخرج إلى غرفة الراحة، لاستعادة درجة حرارة جسمك الطبيعية، وأنت تشعر بحيوية وانتعاش ونضارة في وجهك، وتسمع أعذب وأرقى الاغاني الأصيلة القديمة، وما يصاحبها من مأكولات شهية، وشراب، وأراجيل منوعة.
وللحمامات التركية قصص أخرى.. حيث تقام فيها حفلات وسهرات للعريس ليلة زفافه، ويدعو أصدقاءه وأقاربه ليشاركوه فرحته في جو تراثي وتاريخي، يتخللها ترديد أغاني الأعراس التراثية، وأجواء من المرح، تعيد المرء لمشاهد المسلسلات الشامية التاريخية.
وتعود ملكية حمام الشفاء إلى عائلة آل طوقان في المدينة، وقد قام بترميمه عام 1993م يوسف الجابي بدعم من رئيس بلدية نابلس الأسبق حافظ طوقان، وهو آخر حمام تركي بني في العهد العثماني، ويرجع تاريخه إلى أكثر من 800 عاما، حسب تقدير الخبراء.
أقسام الحمام التركي
ويتكون الحمام التركي من ثلاثة أقسام، قسم بارد ويسمى قاعة صيفية، وقسم ساخن ويسمى قاعة شنوية، وقسم حار، يتكون من بلاط النار، بالاضافة الى غرف الساونا، وغرف البخار، التي لا ترى فيها شيء عند دخولك.
وينتقل المستحم خلال الغرف، من جوها البارد، الى جوها الدافئ، عبر دهاليز ضيقة، وذات أبواب وأقواس منخفضة، تفصل الغرف عن بعضها، ويحافظ بهذا المتسحم على درجة حرارة جسمه، حيث ينتقل من البرودة إلى الأعلى حرارة.
هذا عدا عن وجود البلاط الساخن في الغرف، والذي يستخدم لاغراض طبية، وعلاجية مفيدة للجسم وللعضلات، وعمل مساجات خاصة مريحة ومفيدة للجسم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!