جلال سلمي - ترك برس
زعمت روسيا قبل تدخلها في الأزمة السورية عسكريا ً بأن تدخلها جاء بناء ً على طلب وزارة الخارجية التابعة للنظام السوري في إطار القانون الدولي وحسب المادة 51 من ميثاق تأسيس الأمم المتحدة والتي تنص على أنه "ليس في ميثاق الأمم المتحدة ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء "الأمم المتحدة" وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس - بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق - من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه". ولكن روسيا لم تتطرق إلى اتفاقيات جنيف وروما التي تُفقد الأسد شرعيته منذ أول رصاصة أطلقها ضد من يطالب بالحرية والعدالة.
يؤكد المختص في مجال الاقتصاد الدولي أحمد أولوسوي، في مقال أكاديمي له بعنوان "العلاقات التركية الروسية في إطار التبعية التركية" نُشرت في جريدة يني شفق بتاريخ 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2015، على أنه "من الرغم أن التدخل الروسي في سوريا جاء في إطار قانوني إلا أن الأسد ونظامه فقد شرعيته منذ اللحظة الأولى لانطلاق الثورة السورية وذلك بعد قيامه بقتل أول مُتظاهر مُطالب بالحرية وهذا ماأفقده الشرعية حسب اتفاقية روما لحقوق الإنسان والحد من الجرائم العنصرية، المُبرمة والموقعة من الكثير من الدول والتي على أساسها تأسست المحكمة الجنائية الدولية عام 2002، واتفاقيات جنيف الخاصة بحماية حقوق الإنسان في الحرب واتفاقيات الاتحاد الأوروبي الخاصة بحقوق الإنسان وغيرها الكثير من الاتفاقيات التي تُثبت عدم شرعية نظام الأسد".
ويُضيف أولوسوي "على الرغم من عدم وعيي الجيد بالقانون الدولي وأركانه إلا أن جميع الاتفاقيات المذكورة أعلاه تثبت ركاكة نظام الأسد وعدم شرعيته، ولكن ازدواجية المعايير الدولية التي تعترف بنظام مرسي الديمقراطي على أنه غير شرعي و"سالب للثورة" ونظام الأسد نظام شرعي يمكن القبول به في المرحلة المقبلة من أجل التوصل لحل سياسي في المرحلة المُقبلة تبين مدى ركاكة وضعف القانون الدولي بشكل عام".
ويشير أولوسوي من ناحية سياسية اقتصادية بأن "تركيا اعترضت بشكل كبير على الاعتداء الروسي الغاشم على الثورة السورية العادلة وحاولت صد هذه الهجمات بالتلويح عن إمكانية قطع استيرادها للغاز من روسيا والاتفاق مع شركات دولية أخرى لإقامة المحطة النووية كبديل للشركات الروسية ولكن إلى الآن لم يتم الرد بشكل رسمي عن الموقف الروسي تجاه التهديدات التركية ولم يدعي بوتين ألا أن روسيا تحاول من خلال هذه التدخلات حماية الحدود التركية".
وحسب تحليل أولوسوي وغيره الكثير من الخبراء الاقتصاديين يتبين بأن العلاقات التركية والروسية الآن تتبلور في مجال التعاون الخاص بقطاع الطاقة الذي تملكه روسيا بشكل عام وتطوره تركيا بشكل خاص، وتطور تركيا قطاع الطاقة الخاص بروسيا من خلال استيراد 20 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا من روسيا التي خسرت العديد من المستوردين بعد تدخلها المباشر في أوكرانيا وفرض حصار اقتصادي عليها من قبل الغرب وخاصة الدول الأوروبية التي كانت تستورد أكثر من 60% من الغاز الروسي.
وإضافة إلى الحجم الضخم من الغاز الذي تستورده تركيا من روسيا تحاول الأخيرة مد "خط السيل التركي" من خلال الأراضي التركية ومن ثم إلى اليونان فدول شرق أوروبا كبديل للدول الأوروبية التي قاطعت روسيا وفرضت عليها حصارًا اقتصاديًا وهذا يعني بأن تركيا أصبحت بمثابة القوت الحياتي لروسيا واقتصادها.
ولكن على الصعيد الآخر؛ يبين العديد من الخبراء السياسيين والاقتصاديين على أنه من الرغم من عزم تركيا مقاطعة روسيا اقتصاديًا ووقف استيراد الغاز الطبيعي منها واستبدال شركات المحطة النووية الروسية بشركات دولية أخرى إلا أن هذا العزم يبقى مجرد خطاب في حين لم تتوفر البدائل الأكيدة والأساسية لذلك.
ويقترح الباحث الاقتصادي أحمد أولوسوي، في مقال مُنفصل له بعنوان "بدائل الطاقة المُتاحة لتركيا" نُشر في موقع مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا"، بأن هناك بعض الأسس التي يمكن تطبيقها من قبل تركيا لإيجاد رصيد طاقة إيجابي يُغنيها عن التبعية للدول الأخرى:
ـ تنويع علاقاتها الخاصة باستيراد الطاقة وعدم الاعتماد على دولة واحدة بأكثر من نسبة 20% حتى تستطيع أن تجد بديلًا لهذه الدولة في حين اعترضت سياستها معها بشكل جاد.
ـ تطوير الاعتماد على الطاقة الشمسية واستقطاب علماء مختصين من ألمانيا التي تعتمد بنسبة 80 % على الطاقة الشمسية كبديل للطاقة المُعتمدة على الغاز في التدفئة.
ـ تعجيل تطوير محطة الطاقة النووية من خلال الاعتماد على شركات فرنسية أو يابانية وليس هناك إلزام على أن تكون هذه الشركة المؤسسة للمحطة روسية، وذلك حتى يتم تطوير مجال الطاقة في تركيا ويتم التخفيف في الاعتماد على طاقة الغاز الطبيعي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!