إسماعيل ياشا - عربي 21
المعركة الشرسة التي تدور جولاتها بين الحكومة التركية وجماعة كولن دخلت مرحلة جديدة بعد فوز حزب العدالة والتنمية بأغلبية مريحة في الانتخابات المبكرة تكفيه لتشكيل الحكومة وحده. وقد تشهد هذه المرحلة نهاية المعركة أو تكون قبل الأخيرة، إلا أن المؤكد هو أن الحكومة اليوم أقرب للنصر من أي وقت مضى، كما أن الجماعة بدأت تفقد جميع أوراقها واحدة تلو الأخرى.
تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في السابع من حزيران/ يونيو الماضي وعدم تمكنه من تشكيل الحكومة وحده أعطى الجماعة آنذاك أملا في استرجاع شيء من نفوذها. وكانت تراهن على أن تتكرر النتائج نفسها في الانتخابات المبكرة التي أجريت في مستهل الشهر الجاري، غير أن الناخب التركي خيَّب آمالها وفوَّض حزب العدالة والتنمية لأربع سنوات أخرى لتواصل مكافحة الكيان الموازي، ذراع الجماعة في أجهزة الدولة.
السرية كانت من أهم أسلحة جماعة كولن وأسباب نجاحها، ولكنها فقدت هذا السلاح حين أعمت سكرة التكبر والغرور أعينها، وظنت أن قوتها بلغت مستوى لا يمكن أن يقف أمامها أحد، وأعلنت حربا شاملة ضد الحكومة المنتخبة. ولما فضحت نفسها أمام الرأي العام بدأ التعاطف الشعبي مع الجماعة يتآكل وأصبح الناس يتساءلون عن حقيقة الجماعة وأهدافها.
معاهد تأهيل الطلاب للالتحاق بالجامعات كانت من أهم مصادر الجماعة لاكتشاف الطلاب الأذكياء واختيارهم للانضمام إليها وتوجيههم إلى الأقسام والتخصصات التي تحتاج فيها الجماعة للكوادر. ولما أغلقت الحكومة معاهد تأهيل الطلاب للالتحاق بالجامعات فقدت الجماعة هذا المصدر، بالإضافة إلى خسارتها الملايين التي كانت تدخل ميزانيتها من تلك المعاهد.
المعركة كانت على قدم وساق وكانت الجماعة تشن حملة تشويه في داخل تركيا وخارجها ضد الحكومة وحزب العدالة والتنمية ورئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان. ودخلت في تحالفات مع جميع القوى المعارضة بما فيها حزب الشعوب الديمقراطي ومجموعة "دوغان" الإعلامية لإسقاط أردوغان وحزب العدالة والتنمية في الانتخابات، بالإضافة إلى تحريض الدول الغربية لتمارس الضغوط على أنقرة، إلا أن الحكومة التركية لم تتردد في المضي قدما في مكافحة الكيان الموازي، وأطلقت عملية تطهير المؤسسات الحكومية وأجهزة الأمن والقضاء من رجال الكيان الموازي في إطار الدستور والقوانين وفتح التحقيق ورفع الدعاوى ضد رحال الجماعة في القضايا التي تورطوا فيها.
جماعة كولن كانت تستهدف خصومها وتمارس الضغوط عليهم وتقوم بتصفيتهم من خلال خلاياها في الأمن والقضاء، رافعة شعار احترام القضاء. ولما بدأ القضاء يفتح ملفات في قضايا تورطت فيها الجماعة مثل تسريب الأسئلة في اختبارات التوظيف والتنصت غير القانوني على مكالمات المسؤولين وتلفيق أدلة ضد المشتبه بهم وارتكاب مخالفات قانونية في بعض القضايا، هربوا إلى خارج البلاد ونسوا ما قالوه بالأمس حول ضرورة احترام القضاء.
وعلى الرغم من هروب رجال الجماعة المتهمين في القضايا المختلفة إلى خارج تركيا وتصاعد التململ في صفوف أعضائها، فقد كانت الجماعة تنتظر نتائج الانتخابات المبكرة. ولما أفرزت صناديق الاقتراع فوزا ساحقا لحزب العدالة والتنمية انقلب حلفاؤها على الجماعة، وأعلنت مجموعة "دوغان" الإعلامية في مقال نشرت في صحيفة "حريت" التابعة لها استعدادها للمشاركة في مكافحة الكيان الموازي.
نتائج الانتخابات المبكرة وجَّهت للجماعة ضربة قوية قضت على أمالها وغيَّرت المعادلة برمتها لصالح الحكومة التركية إلى درجة دفعت رجال الأعمال الموالين للجماعة والممولين لأنشطتها والمؤمنين برؤيتها إلى إعلان تبرئهم من الجماعة، وسط تكهنات بأن زعيم الجماعة فتح الله كولن هو الذي طلب منهم ممارسة التقية ليخفوا ارتباطهم الوثيق بالجماعة وأجندتها.
المحكمة الجنائية الرابعة عشرة في إسطنبول قبلت يوم الاثنين الماضي لائحة الاتهام الموجهة إلى عدد من عناصر الكيان الموازي في قضية "السلام والتوحيد" التي ارتكب فيها الكيان الموازي مخالفات قانونية ليتخذها ذريعة للتنصت على كبار المسؤولين. وزعيم الجماعة فتح الله كولن المقيم في ولاية بنسلفانيا الأمريكية هو المشتبه الأول في هذه القضية. وقررت المحكمة طلب إصدار مذكرة اعتقال
حمراء من الإنتربول وطلب إعادة فتح الله كولن إلى تركيا. كما أن الحكومة تعاقدت مع شركة "أمستردام وشركاؤه للقانون الدولي والدعاوى السياسية" لملاحقة كولن وجماعته قضائيا في الولايات المتحدة.
وباختصار شديد أن الخناق يضيق على كولن وكيانه الموازي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس