محمد حسن القدّو - خاص ترك برس
كان لقطع العلاقات التركية المصرية أثره الكبيرعلى مجمل القضايا العربية والشرق الأوسطية وكذلك تأثيره السلبي على الوضع الاقتصادي على البلدين وبالأخص على الاقتصاد المصري، والذي يعنينا الآن أن منطقة الشرق الأوسط لم تكن بحاجة إلى تنافرات وصراعات جانبية بل كانت ولا زالت بحاجة إلى تكاتف جهود خيرة لإنهاء المأساة الإنسانية في عدد من الأقطار مثل سوريا واليمن وليبيا.
تطورت العلاقات التركية المصرية بعد انتخاب السيد محمد مرسي رئيسا لمصر وأصبحت نموذجا لشكل العلاقات بين تركيا وجيرانها العرب، وتسميتها بالعلاقات الاخوية هي غير مبالغ فيها بتاتا لأن تصرفات القيادتين في وضع أسس العلاقة بينهما كانت شفافة للغاية يطغي عليها طابع التعاون والمساندة إضافة إلى وضع آلية لاستمرارها وتطويرها مستقبلا وإدامتها لتكون علاقات استراتيجية مصيرية بين الشعبين.
ولسنا بصدد قراءة ما توصلت اليه القيادتين من قرارات اقتصادية وإنمائية تدر بالفائدة على مواطني البلدين فقد تم تناولها من قبل الكثير الباحثين والمهتمين بالشان التركي أو المصري لكن المسألة التي لا يفهم مغزاها هي إلغاء هذه الاتفاقيات الاقتصادية دون مبرر من قبل أركان النظام الجديد في مصر والذي أدى إلى حرمان طائفة غير قليلة من المواطنين من الاستفادة من هذه الاتفاقيات، بعد الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي بسبب معارضة تركيا العلنية للانقلاب.
وعلى إثر ذلك تم الإجهاز على العصر الذهبي للعلاقات المصرية التركية والتي لم تشهد لها مثيلا منذ انهيار الدولة العثمانية إلى الآن.
وكما أسلفنا فإن الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي أحدث شرخا عميقا في العلاقات بين دول الشرق الأوسط ومن بينها الدول العربية، فبعد الاختلاف بين مواقف الدول المؤيدة والمعارضة للانقلاب حدث تخندق واضح بين السعودية والإمارات وحتى إيران المؤيدين للانقلاب وبين تركيا وقطر المعارضتين للانقلاب والذي أدى بدوره إلى تعطيل أية مساهمة فعلية مشتركة بين هذه الدول لمواجهة الأزمات والتحديات المصيرية في المنطقة، بل زادت من حدة الأزمات والتوترات فيها.
إن المعارضة التركية للانقلاب هي معارضة مبدئية بالدرجة الاساس لأن انقلاب السيسي كان انقلابا على الشرعية الدستورية بأعتبار أن الانقلابات العسكرية قد شاخ عصرها وأصبحت من الماضي ولا يعقل ان تحدث في دولة أسست لها مؤسساتها التشريعية والتنفيذية منذ زمن طويل رغم ماعانته من تركات قديمة فرعونية تسلطية، أما السبب الثاني للمعارضة التركية للانقلاب فهو الحساسية لدى زعماء حزب العدالة والتنمية من التدخلات العسكرية في الشؤون السياسية والتي كانت أيضا تتجلى في آخر الأمر بالتدخل العسكري الذي ينهي حكم طبقة سياسية لها برامجها وتطلعاتها وتدخل البلد في أتون الحكم العسكري البعيد عن أسس الحياة المدنية وتطوراتها.
إلا أن القيادة السعودية وبعد تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم، أبدت اهتماما واضحا وكبيرا في إزالة كل أشكال الخلافات بين دول المنطقة بشكل عام، بل عمدت إلى إقامة علاقات متطورة مع دول كانت علاقاتها غير جيدة معها وتشوبها الخلافات ومن ضمنها تركيا، إضافة إلى حرصها على دعم وتطوير العلاقات الثنائية بين كل الأطراف في المنطقة ومن ضمنها العلاقات التركية القطرية التي شهدت تطورا ملموسا اختتم بالتوقيع على تأسيس لجنة عليا للتنسيق الاستراتيجي بينهما.
أما العلاقات التركية المصرية المتأزمة فقد كانت محط اهتمام القيادة السعودية حتى قبل دعوة السعودية إلى إنشاء حلف عسكري، وبعد دعوة السعودية إلى إنشاء الحلف العسكري وانضمام تركيا ومصر إلى الحلف أصبح لزاما على الأتراك والمصريين أن يتركوا خلافاتهم جانبا لغرض تفعيل هذا الحلف المعهود والذي يتطلب التنسيق المباشر بين كافة المشاركين في الحلف ومن ضمنهم الأتراك والمصريون، وعليه فقد بادرت السعودية لطرح أفكار تؤدي إلى ردم فجوة الخلافات بين البلدين.
والواضح أن الجهود السعودية قد تكللت بالنجاح ومعظم التسريبات تؤكد أن الأطراف الثلاثة قد اتفقت على صيغة وسطية ترضي الطرفين المتنازعين، وهي إطلاق سراح الرئيس محمد مرسي بالدرجة الأولى وهذا ما نوه إليه الرئيس أردوغان عندما قال نحن لن نتعامل مع من يعتقل الرئيس الشرعي لمصر في إشارة إلى أنه قد يوافق على عودة العلاقات مع مصر في حال إطلاق سراح الرئيس محمد مرسي.
تدرك تركيا ومصر تماما أن خلافاتهما لا تخدم أيا من الشعبين ولا تخدم المنطقة بأسرها، بل بالعكس تؤدي إلى ضياع فرصة تاريخية تقوم بها دول المنطقة في حال كانت علاقاتهما متوترة وهما دولتان كبيرتان لهما وزنهما السياسي والاقتصادي والعسكري. وإن دورهما في الحلف العسكري يكون دورا رئيسيا ورياديا. لذا فإن الآمال منصبة على الجانب المصري لحلحلة الأزمة المتولدة بينها وبين تركيا وخصوصا أنها كانت هي البادئة بقطع العلاقات السياسية والاقتصادية مع تركيا بعيد الانقلاب العسكري.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس