ترك برس
وُقعت اتفاقية لوزان التي تنص على استقلال تركيا بتاريخ 24 تموز/ يوليو 1923، وأعقبها إعلان الجمهورية التركية بتاريخ 29 تشرين الأول/ أكتوبر 1923، ومن ثم إلغاء الخلافة العثمانية بشكل كامل بتاريخ 3 آذار/ مارس 1924.
ورغم أن الخلافة العثمانية طرأ عليها بعض من معالم الضعف، إلا أن قرار إلغائها وُصف من قبل الكثير بالأمر الجلل الذي قضى على آخر كيان جامع للمسلمين حول العالم.
وقد رصد المؤرخ التركي "شكري هاني أوغلو" في دراسة له نشرت في العدد 27 بمجلة "دارين تاريخ" (التاريخ العميق) ردود الأفعال على قرار إنهاء الخلافة العثمانية، ذكر فيها أن المسلمين في الهند وباكستان وبنغلادش ومحيطهم هم أكثر المسلمين الذين غضبوا حكومات وشعوب تجاه قرار إلغاء الخلافة وحاولوا إعادتها دون جدوى.
يقول هاني أوغلو، الأستاذ في قسم التاريخ بجامعة كارادينيز، إن المسلمين في الهند ومحيطها خرجوا في مظاهرات عارمة معبرين عن امتعاضهم الشديد من هذا القرار، مطالبين رئيس الجمهورية حينئذ مصطفى كمال أتاتورك بالتراجع عن قراره، وأرسلوا طلبا سياسيا شعبيا رسميا إلى أتاتورك لإعلان نفسه خليفة جديدا للمسلمين، ولكن أتاتورك رفض هذا القرار بشكل قاطع، وبيّن أن تركيا أمست دولة جمهورية قومية تحتضن الأتراك على أساس قومي ولا تحتضن غيرهم على أساس ديني.
أما في الحجاز فقد كان الحال مختلفًا، يشير هاني أوغلو إلى أن الشريف حسين وابنيه "فيصل وعبد الله" المنقلبين على الدولة العثمانية في بلاد الحجاز، فرحا من جراء القرار ووجدا في ذلك فرصة لإعلان الخلافة، ولكن فرحتهما لم تدم طويلًا إذ قضى آل سعود على مملكتهما في بلاد الحجاز في 16 تشرين الأول/ أكتوبر 1924، أي بعد شهور قليلة من إعلان رفع الخلافة.
ويوضح المؤرخ أن ملك مصر آنذاك "فؤاد" أيضًا أراد استغلال هذا الحدث لصالحه، لتتويج نفسه خليفة للمسلمين، وقام عام 1926 بدعوة عدد كبير من وجهاء المسلمين حول العالم لإقامة مؤتمر القاهرة للخلافة، ولكن عندما لم يجد أي مساندة له داخل المجتمع المسلم تراجع عن حلمه وتخلى عن محاولات كسب تعاطف المسلمين في الدول الأخرى.
وبحسب هاني أوغلو، فإن الشعوب العربية أبدت على لسان كتابها وأدبائها ومثقفيها سخطها الشديد على هذا القرار، ورأى البعض في مصطفى كمال أتاتورك خليفة بديلا للدولة العثمانية ولكن بعد إلغائه للخلافة وإعلانه الجمهورية العلمانية، هجاه الكثير من الشعراء والمثقفون العرب.
وينوه هاني أوغلو إلى أن الدول الغربية باركت لأتاتورك هذه الخطوة، وأشادت عبر الصحف والمجلات الشهيرة مثل تايمز وغيرها، بما يفعله أتاتورك، مشددةً على أن هذه الخطوة هامة لتحقيق تركيا مستوى عاليا من الحداثة والتقدم.
وعلى الصعيد الداخلي، يؤكّد هاني أوغلو أن الكثير من وجهاء المجتمع التركي خرجوا ليعبروا عن اعتراضهم على هذا القرار، ولكن مواجهة العسكر القاسية لهم دفعتهم للتراجع عن اعتراضهم، ولم ينتهِ الحال بهم على ذلك، فقد قدموا الكثير من العلماء والوجهاء شهداء في محاكم الاستقلال التي كانت تعدم كل شخص يُبدي اعتراضه على أي قرار يتخذه مؤسسو الجمهورية التركية، سواء كان هذا القرار يلبي مطالب الشعب أو لا يلبيها، لأن الهدف الأساسي لمؤسسي الجمهورية التركية في تلك الفترة كان هو القضاء على المعالم الدينية ونشر العلمانية داخل مؤسسات الدولة والمجتمع، وكانوا يرون أن ذلك الهدف الذي سيحول بلاد الأناضول إلى بلاد غربية حديثة متطورة، يسمح لهم بالقضاء على أي عائق يظهر أمامهم.
ويستطرد هاني أوغلو موضحًا أن الشيخ سعيد ذو الأصول الكردية انتفض عام 1925 في وجه الدولة، ليس لتأسيس دولة كردية مستقلة ذاتيا ً كما يدعي البعض، بل لتشكيل أداة ضغط على الحكومة، لإعادة الخلافة وإيقاف عمليات القتل والتشريد التي تمارسها الحكومة الجديدة بحق كل مدافع عن الخلافة، ولكن الشيخ سعيد لم يتمكن من التأثير على الحكومة، وتمكنت الأخيرة من القضاء عليه وعلى حركته في نيسان/ أبريل 1925.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!