محمود القاعود - خاص ترك برس
اشترطت الدول الأوروبية على تركيا أن تفي بـ 72 شرطًا حتى تنضم لمنظومة "الشنغن" التي تعفي بموجبها المواطنين الأتراك من تأشيرات الدخول لأي مكان بأوروبا بداية من حزيران/ يونيو 2016م في حال استيفاء الشروط. وهو ما يعني أن الأتراك سيكون بمقدورهم التنقل في أوروبا من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها دون تعقيدات.
طبعا الدول الأوروبية لم تبد استعدادها للقبول بدخول الأتراك، إلا بسبب أزمة اللاجئين السوريين الذين فروا من جحيم السفاح بشار الأسد، لوقف طوفان الهجرة والحفاظ على المجتمعات الأوروبية من التغيرات الاجتماعية والدينية الناتجة عن وجود مئات الآلاف من المسلمين الفارين من لهيب النيران المشتعلة في سوريا.
لكن ثمة أمور قد تدفع لعرقلة هذا الاتفاق مع أوروبا التي تتخذ من الصليبية دستورا، وإن أخفت ذلك وتسترت خلف الشعارات البراقة للمساواة والعدالة وعدم التفرقة.
في السابع والعشرين من آذار/ مارس 2016م قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، إن على المملكة المتحدة "الاتحاد وحماية قيمها المسيحية في مواجهة تهديدات الإرهاب"!
ولنضع عدة خطوط تحت عبارة "حماية قيمها المسيحية"، وهو ما يعني أن بريطانيا زعيمة أوروبا ينتابها القلق من التمدد الإسلامي الذي تصنفه في خانة "الإرهاب" مستغلة حوادث إرهابية وقع في تركيا الكثير منها دون أى اهتمام من أوروبا نفسها!
وفي هذا الإطار يُمكننا أن نعرف دوافع اعتراض المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، ومثلها دوافع المجر واليونان وقبرص والنمسا وكل الدولة الصليبية المتعصبة، التي تحاول مصارعة الماضي عندما فتح العثمانيون أوروبا، وأزالوا العروش والممالك الظلامية الصليبية، ومن ثم تحاول أوروبا الآن الانتقام من أحفاد العثمانيين، ولاستشعارهم الخطر علي وجودهم "الصليبي".
بالحسابات نرى أن تركيا وفق احصائيات 2016م يتجاوز عدد سكانها 81 مليونا أي أكثر من سكان ألمانيا الدولة الأولى أوروبيا من ناحية عدد السكان وكذلك أكثر من سكان بريطانيا البالغ عددهم 64 مليونا، وهو ما يعني أن تركيا في طريقها للتفرد علي عدة أصعدة، من ناحية السكان والاقتصاد والتعليم والصناعة، أضف لكل ذلك أن الشعب التركي مسلم، وهو الإسلام المحافظ دون غلو ودون تفريط، والذي بدوره ينتشر في صفوف الأوروبيين، ما يعني تهديدا ديموغرافيا لأوروبا التي تسعي لتقويض هذا الاتفاق للحفاظ على "مملكة الرب"!
نثق بأن قيادة تركيا ممثلة في الرئيس رجب طيب أردوغان، وحزب العدالة والتنمية، لديهم من الدهاء ما يجعلهم يتوقعون أن تفشل هذه المفاوضات أو بالأحرى أن تنقض أوروبا الاتفاق، انتقاما من الدولة العثمانية. ولذا فإنه من الواجب أن تجهض تركيا محاولة تفخيخ التجربة برمتها من خلال أدوات الغرب الصليبي سواء أكانوا من العلمانية الشوفينية، أو من الكيان الموازي أو المنظمات الكردية الإرهابية الرعناء.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس