ترك برس
قالت صحيفة "لوريون لوجور" الناطقة بالفرنسية، إن الفترة الأخيرة شهدت تقاربا استراتيجيا بين المملكة العربية السعودية وتركيا، وهو ما تجسد من خلال اللقاءات الرسمية لمسؤولين رفيعي المستوى في البلدين، آخرها زيارة الملك سلمان إلى أنقرة.
ونشرت الصحيفة حوارا مع الباحث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي والمختص في الشأن التركي، بيرم بلجي، حول خفايا التقارب السياسي بين السعودية وتركيا، وتأثيره على التوازنات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، وفقًا لما أوردته صحيفة "عربي 21"، في ترجمتها للحوار.
وذكر بيرم بلجي أن التقارب الاستراتيجي المتبادل بين المملكة العربية السعودية وتركيا الذي بدا واضحا خلال الأشهر الأخيرة من خلال الزيارات المتبادلة بين الطرفين، يرتبط بثلاثة محاور رئيسية تشكل موضوع توافق بين الملك سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
يتعلق المحور الأول بالصراع السوري الذي تتشارك السعودية وتركيا في وجهة النظر تجاهه، حيث يتمسك الطرفان بضرورة رحيل بشار الأسد. أما المحور الثاني، فيرتبط بالنفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، والذي تعتبره السعودية تهديدا حقيقيا لها، بينما يشعر المسؤولون الأتراك بقلق شديد تجاهه. أما المحور الثالث، فيتمثل في المرجعيات الإيديولوجية التي شكلت الأرضية الملائمة للتقارب بين البلدين.
وأضاف بلجي أن العلاقات الثنائية بين كل من السعودية وتركيا اتسمت بالبرود منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية، لكن يبدو أن أسبابا سياسية ودينية واستراتيجية؛ دفعت تركيا للتقرب من المملكة، خاصة أن كلا البلدين تعرضا في الفترة الأخيرة لهجمة شرسة من الإعلام الغربي الذي اتهمهما بعدم احترام حقوق الإنسان.
واعتبر بلجي أن الموقف الذي جمع بين السعودية وتركيا حول النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط ومستقبل بشار الأسد في سوريا، لا ينفي الاختلافات الجذرية بينهما، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية، من بينها موقفهما من النظام المصري، وهو ما يمكن أن يثير تساؤلات عديدة حول مدى قدرة هذا التحالف على تجاوز نقاط الاختلاف بين البلدين.
كما شهدت العلاقات بين السعودية ومصر تقاربا كبيرا، وهو ما تجسد من خلال الاتفاق على بناء جسر بري يربط بين البلدين خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها الملك سلمان إلى مصر. أما بالنسبة لتركيا، فإن علاقتها بمصر منذ وصول عبد الفتاح السيسي لسدة الحكم، لم تكن جيدة، بسبب الموقف التركي الداعم للإخوان المسلمين والرئيس محمد مرسي.
وذكر بلجي أن الملك سلمان يسعى إلى تجاوز الخلافات العالقة بين تركيا ومصر، لكن يبدو أن ذلك يبقى مستبعدا، طالما لا زال السيسي يرفض الإفراج عن مرسي.
وأضاف بلجي أن العلاقات بين السعودية وتركيا أصبحت استراتيجية، لكنها ليست جيدة بما فيه الكفاية لترتقي إلى مستوى العلاقات التي تربط تركيا بقطر، وهو تحديدا ما تعمل السعودية على تغييره، من خلال استغلال النفوذ التركي للحد من طموحات قطر التي أصبحت تعتبرها منافسة لها في المنطقة.
واعتبر بلجي أن العلاقة بين تركيا والمملكة تقوم على الشراكة أكثر مما تقوم على المنافسة، ويعود ذلك أساسا إلى طبيعة الدوافع المحركة للعلاقات الثنائية بينهما، فالسعودية تسعى إلى تأسيس تحالف دولي ضد إيران، يضم كل الدول الإسلامية السنية في المنطقة، وهو ما سيدفع بالرياض إلى تقريب وجهات النظر بين تركيا ومصر.
وأضاف بلجي أن رؤية السعودية للإسلام تختلف نسبيا عن رؤية تركيا، فالسعودية دولة محافظة جدّا. لكن هذه المسألة لم تمنعهما من الارتقاء بعلاقتهما إلى مستوى استراتيجي في السنوات الأخيرة، وهو ما يعكس تأثير العوامل الأمنية والجغراسياسية في تحديد ملامح العلاقة بين الطرفين.
وفي الختام، قال بلجي إن الوضع الإقليمي يجعل من التحالف بين السعودية وتركيا خيارا استراتيجيا بالنسبة للبلدين على المدى المتوسط والبعيد، ويرتبط هذا التحالف بتطورات الصراع السوري، الذي قد يؤدي انتهاؤه إلى ظهور معطيات جديدة ستعيد مرة أخرى رسم العلاقات السعودية التركية.
وكان العاهل السعودي وصل العاصمة التركية عصر الإثنين الماضي، وأستقبل من قبل أردوغان في مطار "أسن بوغا" بأنقرة ، وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو وعدد آخر من المسؤولين الأتراك، حيث أقيمت مراسم رسمية لاستقباله.
وعقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والعاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، جلسة مباحثات رسمية، في القصر الرئاسي بأنقرة، أشارا خلاله إلى أهمية استمرار اللقاءات بين البلدين في مختلف المجالات لما فيه تحقيق المصالح المشتركة، مؤكدان بأن المباحثات ستفضي إلى نتائج مثمرة ترسخ العلاقات الاستراتيجية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!