برهان الدين دوران – صحيفة صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
يفضل الرئيس أوباما الحديث بأسلوب مبهم. فقد وجه العديد من النصائح إلى الزعماء في قمة دول مجلس التعاون الخليجي التي حضرها بهدف "إزالة الشبهات" في العلاقات مع دول الخليج. وشملت هذه النصائح القيام بإصلاحات اقتصادية، وتعزيز حقوق الإنسان، وزيادة قدراتها الدفاعية وغيرها.
ولكن تخليه عن الرياض من دون مبادرة أو خطة واقعية جديدة سيزيد من الهواجس الأمنية لدول الخليج. وبغض النظر عن صفقات بيع السلاح الجديدة... وهي الأهم بالتأكيد، اقترح أوباما على القادة "تقاسم المنطقة" بقوله أن لا مصلحة لهم في النزاع مع طهران. وبالفعل كان اقتراحًا ليبراليًا مناسبًا لفهم "التوجه" في نزاعاتهم بالمنطقة بعد الثورات العربية.
وبما أن الأمريكان مولعون بالتذكير بتصوراتهم السياسية الخارجية المتكررة مع أسماء الرؤساء. سأتبع أنا أيضًا هذا التقليد. وما أود قوله هو أن مبادئ أوباما وجورج بوش قد أصبحت متأصلة في منطقة يسودها الغموض منذ فترة طويلة والذي سيغير بدوره من مهندسي التحالف والسلام بالشرق الأوسط. كيف؟ لأنه بعد 11 من أيلول تشكل فراغ جيوسياسي في المنطقة نتيجة صراع الرئيس بوش مع القاعدة وقيامه بغزوين اثنين. وبناءً على ذلك ظهرت موجة الثورات العربية نتيجة توحد مطالب الشعوب المستاءة من هذا الفراغ بأنظمة السلطة.
وعندما يتعلق الأمر بمواجهة مبادئ أوباما للثورات العربية فإن الولايات المتحدة الأمريكية تستند إلى مسألة عدم وجود قوات للقيام بعمليات مكلفة في الشرق الأوسط. كما شكلت حولها حجة فرضتها الحاجة لتحمل "المسؤولية والعبء" المتعلق بمشاكل دول المنطقة "المستغلة". وبذلك فتحت النزاعات في ليبيا والعراق وسوريا واليمن المجال واسعاً لحروب الوكالة بين القوى الإقليمية. وبعبارة أخرى، تحولت المشاكل الداخلية للمنطقة إلى صراع لتقاسم مناطق النفوذ للدول الإقليمية والدولية مثل روسيا.
واعتقد أن نتائج هذا الصراع المستمر على نحو متسارع في الوقت الراهن ستؤدي عاجلًا أم آجلًا إلى موجة استقلال ثانية مثل موجة الثورات العربية. أي أن انعكاسات مبادئ أوباما الحالية على المنطقة هي بمثابة استعداد لإنقلاب جديد.
وبناءً على ذلك اضطرت القوى الإقليمية وبخاصة تركيا والمملكة السعودية إلى إنتاج سياسات مستقلة بشكل أكبر نسبياً على أثر مبادئ أوباما هذه. أما إيران فهي بجميع الأحوال تنتج سياستها الخارجية بشكل مستقل منذ الثورة وحتى الآن. كما ركزت على المنافسة الداخلية في المنطقة مع تعديل سياستها المعادية للغرب نتيجة الاتفاق النووي. وإن صح التعبير فإن القوى الإقليمية اضطرت إلى تطوير مبادئها الخاصة الجديدة بسبب التهديدات التي تشعر بها. أي أن مبدأ أردوغان بالنسبة إلى تركيا ومبدأ الملك سلمان بالنسبة إلى السعودية ومبدأ خامنئي بالنسبة إلى إيران هي بمثابة تصور محدث. بالإضافة إلى وجود تناقض في الموضوع. لأنه في الوقت الذي تعمل فيه إيران على تحقيق تكامل مع النظام العالمي، تنتقض ابتعاد مبادئ أردوغان والملك سلمان عن الغرب مع تركيز الاهتمام على أولوياتها القومية الخاصة.
بالإضافة إلى وجود انزعاج من إنتاج هذه الدول سياسات مستقلة بشكل أكبر، والتي من الواجب عليها تحمل عبء كبير من أجل حل مشاكلها الخاصة، والرغبة في تقديم تسوية لها في السياق نفسه. وتدخل القوة التأديبية الناعمة للولايات المتحدة الأمريكية. والتذكير بحقوق المرأة والتطرف الفكري الوهابي للمملكة العربية السعودية. في حين احتل موضوع "حرية الصحافة" بالنسبة إلى تركيا مركز الصدارة لفترة وجيزة.
وبجميع الأحوال فإن إيجاد نتائج جديدة لسياسة أوباما الساعية إلى فهم التحالف الجديد لدى حلفائه القدماء أمراً لا مفر منه. بالإضافة إلى اضطرار تركيا والمملكة السعودية إلى اتخاذ مواقف مؤثرة بشكل أكبر وفقاَ لأولوياتها الأمنية الخاصة وسط الفوضى التي تعيشها المنطقة. ومواجهة كلا من تركيا والمملكة السعودية التناقض مع الولايات المتحدة الأمريكية بسبب أسلوب أوباما التأديبي لهما عن طريق إيران وحزب الاتحاد الديمقراطي.
ومثلما طرحت تركيا احتمال ضرب حزب الاتحاد الديمقراطي نتيجة تهديده مع بي كي كي لها، اتجهت المملكة السعودية في اتجاه طموح أكبر. وذلك من خلال طرح مبادرات جديدة في الآونة الأخيرة بعد تدخلها في اليمن والبحرين ودعمها الانقلاب في مصر: مثل إقامة "التحالف الإسلامي" ضد الإرهاب، وقطع المساعدات عن لبنان، وحصولها على جزيرتين من مصر، وقاعدة في جيبوتي. وبينما تراجعت علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع حلفائها التقليديين اكتسب موضوع بحث هؤلاء الحلفاء عن تشكيل تحالفات مختلفة جذرياً فيما بينها زخماً جديداً. ومن الأمثلة على ذلك التقارب السعودي التركي والمفاوضات بشأن تحسين العلاقات بين تركيا وإسرائيل. وبناءً على ذلك سنواصل متابعة المنافسة في المبادئ والتقسيم بشكل أكبر في الشرق الأوسط لفترة وجيزة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس