ترك برس
رأى الكاتب في صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية "ديفيد غاردنر"، أن للاتحاد الأوروبي مصلحة كبيرة في الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في تركيا، لكن العنف المفرط في العراق وسوريا، الذي تجاوز الحدود، لم يصل إلى النهاية بعد، حيث إنه في كل يوم يزيد عمق الانقسامات في المنطقة إلى وحدات تعتمد على الهوية والسلطة المحلية، وربما لن يجمعها معا أي شيء سوى فيدرالية فضفاضة.
وأضاف غاردنر في مقال له نشرته "فاينانشيال تايمز"، أن "أكراد سوريا، حلفاء أمريكا على الأرض وحلفاء روسيا إلى حد ما، أعلنوا من طرفهم مساحات شاسعة على الحدود مع تركيا مناطق حكم ذاتي، مثل أبناء عمومتهم في كردستان العراق"، حسبما أوردت صحيفة "عربي 21" في تقرير لها عن المقال.
ويقول الكاتب: "أصبح عاديا أن يقال إن تفكك سوريا خلال الحرب الأهلية، وتمزق العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003، هما عملية تقسيم للبلدين اللذين كانا من تصميم الإمبريالية إلى مكوناتها الإثنية- الطائفية الأصلية، وكان أحد أول ادعاءات تنظيم الدولة لدى إعلان الخلافة في المنطقة الشرقية من سوريا والغربية من العراق هو أن ذلك مثل (تحطيم لمعاهدة سايكس بيكو)".
ويضيف غاردنر: "من المغري الاتفاق مع ذلك عندما ننظر إلى الطريقة التي انقسمت فيها بلاد الشام إلى فتات بين السنة والشيعة والأكراد والعلويين، وكيف انهارت مؤسسات الدولة لتكشف ما تحتها من انتماءات للطائفة والعشيرة والمليشيا"، بحسب "عربي 21".
ويتابع الكاتب قائلا: "ما نراه هو إعادة تأكيد عنيف لنظام الملل العثماني، الذي كان يسمح للأقليات الدينية والعرقية بنوع من الحكم الذاتي والتماسك الإثني الديني، ومنع فكرة المواطنة العثمانية، التي اقتصرت على نخبة صغيرة، والصورة كاملة لما يحصل في الشرق الأوسط اليوم قد تأخذ بعين الاعتبار ما كان قبل سايكس بيكو، وما جاء بعدها".
ويواصل غاردنر قائلا: "لقد قام الأوروبيون بتقسيم الأراضي إلى دول قومية غير متجانسة، ما فاقم الإرث العثماني، وفشلت الوعود الفارغة بالقومية العربية، وتركيز السلطة في أيدي نخبة تعتمد على الجيوش فشلا ذريعا في تحسين الوضع، لكن التدخل الإمبريالي في التطور الطبيعي للسياسة الدستورية، كما فعل البريطانيون في مصر والعراق، والفرنسيون في سوريا، ربما كان أكبر أثرا في تشويه مستقبل العرب من سايكس بيكو، وتضاعف هذا الأثر مع انجذاب الغرب، الذي تسيطر عليه أمريكا، لفكرة الرجال الأقوياء ليكونوا حصونا ضد الشيوعية والإسلامية، بالإضافة إلى سلسلة من التدخلات الخاطئة، مثل الانقلاب على حكومة قومية في إيران عام 1953، واحتلال العراق عام 2003".
ويشير الكاتب في مقاله، إلى أنه "يجب علينا تذكر الحقائق، كان الغرب يدعم صدام حسين خلال حربه ضد إيران بين عامي 1980 و 1988، وحاربت الأكثرية الشيعية العراقية ضد أبناء دينها في إيران، وبعد حرب الخليج الأولى ضد العراق في 1990 -1991، انتفض الشيعة والأكراد بتشجيع من الغرب ضد صدام، لكنهم تركوا ليواجهوا مصيرهم، فليس غريبا بعد عام 2003 أن يضع الشيعة العراقيون ثقتهم بإيران أكثر من الغرب".
ويحذر غاردنر من أن "كل يوم يزيد من حدة انقسام المنطقة إلى وحدات هوية وسلطات محلية، فمنذ عام 2003 وضع الصراع السنة في خندق ضد الشيعة، وهذا انعكس في المنطقة على شكل تنافس بين السعودية وإيران، حيث قامت إيران بإنشاء محور شيعي من بغداد إلى بيروت إلى الخليج، وفي الوقت ذاته قامت السعودية وحلفاؤها السنة الغاضبون من الفشل الأمريكي في العراق، وترددها في تأييد الثورة، التي هي بشكل أساسي سنية، ضد رئيس النظام السوري بشار الأسد في سوريا، بمساعدة الحركات الجهادية السنية التي ملأت الفراغ".
ويرى الكاتب أن "الدبلوماسية لإنهاء المجازر الطائفية والإثنية لن تحقق شيئا في الوقت الذي يعاني فيه العراق من خطر التفكك، وتدخل روسيا لإنقاذ الأسد في الخريف الماضي جعل نظامه أكثر عدوانية، وفشلت الحكومة الشيعية في بغداد إلى الآن من كسب ثقة الأقلية السنية والأكراد، في الوقت الذي تنقسم فيه قاعدتها الشيعية، وإن نجحت أمريكا وحلفاؤها متعددو الألوان من استعادة الموصل في العراق والرقة في سوريا من تنظيم الدولة، فمن سيحكم هاتين المدينتين؟".
ويجد غاردنر أن "للاتحاد الأوروبي مصلحة كبيرة في الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في تركيا، لكن العنف المفرط في العراق وسوريا، الذي تجاوز الحدود، لم يصل إلى النهاية بعد، حيث إنه في كل يوم يزيد عمق الانقسامات في المنطقة إلى وحدات تعتمد على الهوية والسلطة المحلية، وربما لن يجمعها معا أي شيء سوى فيدرالية فضفاضة، فأكراد سوريا، حلفاء أمريكا على الأرض وحلفاء روسيا إلى حد ما، أعلنوا من طرفهم مساحات شاسعة على الحدود مع تركيا مناطق حكم ذاتي، مثل أبناء عمومتهم في كردستان العراق".
ويخلص الكاتب إلى أن "الشيء الجيد هو أن الناس الذين يفضلون الحكم المركزي بدأوا بالحديث عن هذا، حيث يقول مسؤول سوري سابق: (يجب علينا أن نعترف بحقوق الأكراد، لكن معظمهم يشعرون أنهم أكراد سوريون)، والمأساة هي أنه لا يبدو أن هناك حلا عمليا قريبا، فقد تقطعت المنطقة بين أمراء الحروب إربا إربا".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!