محمد زاهد جول - خاص ترك برس
تتعرض تركيا لعمليات إرهابية متواصلة كان آخرها تفجير إسطنبول يوم الثلاثاء 7 حزيران/ يونيو 2016 الذي أودى بحياة أحد عشر مواطنا تركيا كان سبعة منهم من رجال الأمن التركي، لأن الهجوم استهدف سيارة الشرطة التي تنقلهم إلى مراكز عملهم، هذا الهجوم وما قبله وما بعده يهدف إلى شيء واحد، وهو زعزعة الاستقرار الأمني التركي، بهدف الضغط على الحكومة التركية وإحراجها أمام الشعب التركي، بإثبات عجزها عن مواجهة الارهابيين أولًا، وعرقلة عملها الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، وبهدف عرقلة تنفيذ مشاريع الحكومة التركية وحزبها الحاكم لتقدم تركيا وازدهارها، وفق الخطة الموضوعة لتركيا الجديد لعام 2023.
هذه العمليات الأرهابية لن تحقق أهدافها أولًا، ولن تتمكن الأحزاب الإرهابية التي تخطط لها وتنفذها من تحقيق أهدافها ثانيا، وأخيرا فإن الدول الإقليمية والدولية التي تدعم هذه العمليات الإرهابية وربما تشارك في التخطيط لها، فإنها لن تستطيع تحقيق أهدافها ثالثًا، لأن هذه الجهات الثلاث، وهي المنفذين والمخططين والداعمين الإقليميين والدوليين لهذه العمليات الإرهابية، سواء اعترفوا بذلك أو لم يعترفوا لا يدركون أن معركتهم هي الشعب التركي بكل قومياته ومذاهبه وإثنياته، وليس مع الحكومة التركية ولا حزبه الحاكم حزب العدالة والتنمية ولا الرئيس أردوغان فقط، وإنما معركتهم هي مع كل الشعب التركي، وفي مقدمتهم أبناء القومية الكردية، التي أصبحت سلعة رائجة اليوم للاتجار بها في تركيا والعراق وسوريا، وقلة منهم اليوم يكررون أخطاء القوميات العربية والتركية والكردية في بداية القرن العشرين، في الخضوع للمشاريع الاستعمارية للمنطقة في ذلك الوقت، بهدف تحقيق كانتونات صغيرة، يطلق عليها أمساء الدول القومية، وإذ فرغت الدول الاستعمارية الكبرى من أكذوبة الدول القومية للقوميات الكبرى في المنطقة في ذلك التاريخ فإنها اليوم تاتي وهي تمني أبناء باقي القوميات أو الطوائف بإقامة دول قومية لها، مقابل انخراطها في تدمير الدول السياسية القائمة في البلاد العربية وتركيا، حتى يتمكنوا من بناء دولهم الخاصة، وهذا التصرف الاستعماري يتركز على استغلال العنصر الذي رفض المستعمرون انفسهم إقامة كيان له قبل مائة عام، ألا وهو العنصر الكردي.
في عام 2003 اعتمد الاحتلال الأمريكي والإيراني على إبعاد العنصر الكردي أن يكون مقررا لمجريات الحياة السياسية في العراق، وأقطعوه أراضي إقليم كردستان كحكم ذاتي خاص، ووضعوا عليه قيودًا عسكرية ومالية وشروطًا تخضعه لإرادة الحكومة المركزية في بغداد الخاضعة بالكامل لحكومة طهران، أي تم إخضاع حكومة البرزاني لإرادة الحاكم الفعلي في العراق وهو الجنرال الإيراني قاسم سليماني، وإذا ما عارض رئيس اقليم كردستاني العراق مسعود برزاني الإرادة الإيرانية تم تحريك العناصر والأحزاب الكردية الأخرى ضده، وإيران لا تخفي دعمها لحزب العمال الكردستاني في العراق، بل تقطعه الأراضي التي تهدد حكم مسعود برزاني، كما تخضع قيادة حزب العمال الكردستاني في جبل قنيل للسيطرة الإيرانية، فهي التي تقود تحركاتها السياسية وتتابع مخططاتها الإرهابية في العراق وسوريا وتركيا، فهل تحرر الأكراد في العراق من جراء الاحتلال الأمريكي الذي وعدهم بالحرية والاستقلال، أم دخلوا في حروب قومية وطائفية؟ بل وأدخلتهم أمريكا وإيران في حروب بين الأحزاب الكردية نفسها، فقطعت أوصال الشعب الكردي في العراق قبل غيره!
هذا الحال لا يختلف في سوريا، فأمريكا بعد أن فقدت الأمل في إيجاد قوات محلية كجنود مرتزقة للمشاريع الأمريكية في سوريا بحجة محاربة داعش، وبعد أن حاولت مع السوريين والعرب والأتراك دون نجاح، اضطرت وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون شراء الأحزاب والمليشيات الكردية مثل حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات حماية الشعب الكردية، وبعض ظهور معارضة قوية لدى الأتراك ضد تعاون أمريكا مع الأحزاب الإرهابية الخاضعة لسيطرة حزب العمال الكردستاني في سوريا، احتالت أمريكا على تشكيل ميليشيات جديدة باسم "قوات سوريا الديمقراطية"، بحيث لا يظهر أنها ميليشيات كردية، ولكن حيلتها انكشفت لأن قوات وحدات حماية الشعب هي القوة الرئيسة فيها، وأما ما أطلق عليه قوات "التحالف العربي السوري" فلا يمثل إلا القليل من تلك القوات، والقيادة الفعلية العسكرية والسياسية هي بيد قوات سوريا الديمقراطية الخاضعة في سلسلة من المسميات التي تنتهي إلى جميل باييك زعيم حزب العمال الكردستاني الهارب إلى إيران.
ومن الأوهام التي تحياها هذه الأحزاب الكردية في سوريا أن أمريكا سوف تقيم لهم كيانا سياسيا، بينما أمريكا لا تعلن ذلك رسميا، وتعلن على العلن أنها تستخدمهم في محاربة تنظيم الدولة لتحرير المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة، وهذه المنطقة ليست كردية في الأصل، بل هي عربية سورية، وبالتالي حتى لو استطاعت هذه المليشيات الكردية تحرير هذه المدن سواء كان في منبج او الرقة أو غيرها، فإنها لن تكون لهم، لأن لها أصحابها من السكان الأصليين، وبالتالي فإن سيطرتهم الموهومة عليها ستكون سببا لإدخالها في حروب وقتال متواصل مع اهل تلك المنطقة، ونقول السيطرة الموهومة، لأن امريكا غير جادة بالقضاء على تنظيم الدولة داعش، ومشروعها الاستراتيجي إدارة الصراع في المنطقة واستدامته، فلو لم تجد الأحزاب والمليشيات الكردية لبحثت عن غيرهم، ولذلك هي أي أمريكا تسمح لإيران بأن تأتي بالمتطوعين الشيعة من كل أنحاء العالم ليشاركوا في القتال في سوريا وقتل أهلها بغض النظر عن قومياتهم أو مذاهبهم أو طوائفهم، فأمريكا تبحث عن وقود المعركة فقط، دون أن تفقد جنديا أمريكيا واحدًا، فكيف يقبل الشعب الكردي المسلم والشريف أن يكون وقود معركة لا فائدة له فيها؟
هذه الحال من الاقتتال الأهلي الداخلي الجاري في العراق وفي سوريا يتم الإعداد لنقله إلى تركيا، وللأسف فإن قلة من عناصر الأحزاب الكردية السرية والعلنية في تركيا تشارك في هذه المشاريع العدوانية ضد الشعب التركي، وهم يحملون نفس الوهم، وهو إقامة كيان كردي منفصل في تركيا، أو حكم ذاتي يكون خنجرا في خاصرة الدولة التركية، وقابلا في أي لحظة إلى التحول إلى حرب أهلية بين الأتراك والأكراد، هذا في تصور العناصر اليسارية التي عاشت ردحا من الزمن على أوهام الاشتراكية والشيوعية واليسار والتنظيمات السرية التي لا تعرف قيادتها ولا لمصلحة من تقوم بأعمالها الإرهابية، مثل الانفجارات التي ضربت تركيا في السنة الأخيرة، هذه الأعمال الإرهابية تراهن على وهم وخيال في المستوى السياسي، لأن الشعب التركي نفسه وبكل قومياته بما فيهم الشعب الكردي هو من يقاوم هذه المشاريع الإجرامية والتخريبية، ولأن ما يمكن أن يتحقق من حقوق للأكراد في تركيا بالحكم الذاتي يتحقق الآن أكثر منه من حقوق في العمران والبناء والتنمية، فالقضية هي مشاريع قيادة ربطت نفسها بالمشاريع الإقليمية الإيرانية والدولية الروسية والغربية الأوروبية والأمريكية، حتى تظهر نفسها قيادات سياسية فاعلة على الساحة التركية أو الدولية، بينما هي لا تملك قيادة الشعب الكردي في تركيا، وإلا لما اضطرت إلى العمليات الإرهابية، فلو كان أبناء القومية الكردية في تركيا مطيعة وتابعة لهذه الأحزاب مثل حزب الشعوب الديمقراطي أو حزب العمال الكردستاني لكان يكفي أن يطلب منها العصيان المدني فتنصاع لأمره، ولكن على العكس من ذلك يجدون الرفض الأولي من أبناء القومية الكردية، وفي المناطق التي يتواجد فيها كثافة كردية، مثل ديار بكر وغيرها.
فمنذ عام وحزب العمال الكردستاني وهو ينفذ علميات إرهابية في كل انحاء تركيا، وقد قتل المئات من أبناء الشعب التركي والكردي، وكانت النتيجة مزيدًا من التلاحم بين أبناء الشعب أولًا، وأكثر انتماءً للوطن التركي ثانيًا، وأكثر تأييدا وثقة بالحكومة التركية وحزبها الحاكم حزب العدالة والتنمية ثالثًا، بل ذهب الرئيس التركي أردوغان بنفسه إلى ديار بكر هذا الشهر والتقى الأهالي هناك، ووجد منهم كل تأييد وترحيب، ويكفي الجهات الإرهابية والأحزاب المؤيدة لها والدول الداعمة لها أن تعلم أن ممثلي الأكراد في حزب العدالة والتنمية هم أكثر من ممثلي الأحزاب التي تدعي أنها ممثلة للأكراد، مثل حزب الشعوب الديمقراطي، فهل تصل الدول الداعمة لزعزعة الاستقرار في تركيا إلى نتيجة مفادها أنها لن تنال أهدافها، بسبب وعي الشعب التركي وإدراكه للمخطط والمشروع العدواني الذي يتعرض له، باسم حقوق الأكراد أو غيرهم.
أما المراهنة على ضعف الاقتصاد فهي مراهنة خاسرة أيضًا، فبتاريخ 10 حزيران 2016 قرر البنك الدولي رفع توقعات نسبة النمو في تركيا لعام 2018 من 3.4% إلى 3.6%.، وذلك وفق التقرير الذي أصدره البنك الدولي في عدد شهر حزيران 2016 من تقريره حول التوقعات الاقتصادية العالمية، في حين جرى في التقرير نفسه خفض توقعات النمو العالمي من 2.9% إلى 2.4% لعام 2016 ومن 3.1% إلى 2.8% لعام 2017 ومن 3.1% إلى 3% لعام 2018.
هذا التقدم لا يتناول جانبا واحدا من الاقتصاد التركي وإنما كل الجوانب، وقد أعلن الرئيس التركي أردوغان قبل أسابيع أيضًا: "أن بلاده تشهد ارتفاع مؤشر الانتاج الصناعي بنسبة (5.8%)، ليصل إلى أعلى مستوياته في الشهور السبعة الأخيرة، لافتا إلى شراء المستثمرين الأجانب، سندات من البورصة التركية، تخطت قيمتها المليار دولار أمريكي، خلال شهر آذار/ مارس الماضي.وأوضح أردوغان، أن الأرقام المذكورة، فاقت بكثير، توقعات المؤسسات الاقتصادية الدولية حول الاقتصاد التركي، مشيرا إلى "انزعاج البعض (لم يحددهم) من كتابة تركيا قصة نجاحها"، ولفت، إلى وجود من "يتمنون حدوث أزمة اقتصادية في البلاد"، مؤكدا أن "السماسرة، الذين اعتادوا مضاعفة ثرواتهم من خلال الإشاعات، لن يجنوا ما يأملون"، كما أكد الرئيس التركي أردوغان: "أن الأيدي العاملة في تركيا، ارتفعت من 22 مليون، عام 2002، إلى 29.5 مليون، بنهاية شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، مشددًا على زيادة فرص العمل رغم زيادة اليد العاملة في البلاد.
هذا الوضع الاقتصادي الذي لم يتأثر بالعمليات الارهابية الأخيرة في تركيا هو رسالة واضحة لكل المراهنين أن تؤدي اعمالهم الارهابية إلى زعزعة الاقتصادي التركي بأنها مراهنة خاسرة وفاشلة، ومرة أخرى فإن الرهان الصحيح في تركيا هو رهان على وعي الشعب التركي، الذي يجد نتائج مخططات الدول الإقليمية الطائفية العقيمة، حتى بعد أن وقعت الاتفاق النووي، فقد لجأت إلى الشركات التركية لتوقع معها أكبر اتفاقية اقتصادية بعد الاتفاق النووي مع أمريكا، لأن الشركات والحكومة الإيرانية عادت من الاتفاق النووي مع القوى الغربية بالخسارة والأوهام فقط، فهل ترتدع هذه القوى التي تخطط ضد شعوبها وضد دولها بأن مصلحتها هي في المصالحة الداخلية، وليس في الآمال الوهمية للدول الاستعمارية؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس