ترك برس - العربي الجديد
لم تكن لدى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أي شكوك حول موافقة برلمان بلاده على المذكرة التي قدمتها الحكومة إليه بخصوص تفويض الجيش التركي القيام بعمليات عسكرية في سورية والعراق ويسمح للحكومة التركية بالمشاركة في الحلف الذي تقوده الإدارة الأميركية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، إذ إن أردوغان كان قد استبق التصويت بدعوة رئيس الحكومة، أحمد داوود أوغلو، وبعض الوزراء والقيادات الأمنية العليا، إلى اجتماع بعد ساعات من انتهاء التصويت.
وعلمت "العربي الجديد"، من مصدر رفيع المستوى في الخارجية التركية، رفض الكشف عن اسمه، أن الاجتماع كان لمناقشة الموقف التركي من الاجتماعات التي ستجري مع عدد من موظفي الإدارة الأميركية أثناء زيارة جون آلن، مبعوث الرئيس الأميركي بارك أوباما المكلّف بتنسيق تحرك الائتلاف الدولي ضد تنظيم "داعش"، ونائبه، بريت ماكجورك، بعد انتهاء عطلة عيد الأضحى، التي تنتهي في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
وبحسب المصدر، فإن أمر إنشاء منطقة حظر طيران تمتد على المناطق الشمالية من سورية وصولاً إلى الحدود التركية، سيكون على رأس أجندة النقاشات بين الطرفين، إذ إن تركيا ستقترح إنشاء منطقة حظر الطيران على مناطق معينة من الشمال السوري، تُشبه تلك التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية على شمال العراق وجنوبه في عهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين، بين عامي 1991 و2003.
وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد فرضت، بالاشتراك مع حلفائها عبر مجلس الأمن، منطقتي حظر طيران فوق الأراضي العراقية، إحدهما شمال خط العرض 36، لحماية منطقة إقليم كردستان العراق، والثانية كانت جنوب خط العرض 32، لحماية المتمردين الشيعة حينها من غارات النظام العراقي. وجرت مراقبة المنطقتين من قاعدة إنجرليك التركية، ونفّذت الطائرات الأميركية، البريطانية والفرنسية، تحت مراقبة القوات الجوية التركية، رحلات دورية من أجل التأكد من عدم وجود أي تحركات للطيران العراقي هناك. ووفقاً للمصدر نفسه، فإنه من المرجح أن تُطالب القيادات التركية بسيناريو مشابه، إذ ستشمل منطقة حظر الطيران بعض المناطق الواقعة شمال خط العرض 36.
ويرفض المصدر، في كل الأحوال، أن يحدّد مناطق معينة شمال خط العرض 36 التي ستطالب الحكومة التركية بفرض حظر طيران فوقها. وتشمل المنطقة، جغرافياً، كلاً من محافظتي حلب والحسكة وأجزاء من محافظتي أدلب والرقة، حيث تقع مدينة الرقة، عاصمة "داعش"، على الخط تماماً.
وتؤكد التسريبات، لـ"العربي الجديد"، أن أنقرة الآن تفكر في منطقة عازلة تمتد على مناطق سيطرة الجيش الحر و"الجبهة الإسلامية" في شمال سورية. وبما أن مشروع حظر الطيران جرى الترويج له من قبل الحكومة التركية بأنه سيؤدي وظيفة حماية المنطقة العازلة من الطيران السوري، فبالتالي قد تكون محافظة حلب ضمن منطقة حظر الطيران، بكل ما يعنيه ذلك من احتمال خسارة النظام للمدينة، وهو الذي لا يزال يحافظ على مواقعه فيها بمساعدة سلاح الجو بشكل أساسي.
ويؤكد المصدر ذاته، أن الهدف الرئيسي من وراء إنشاء منطقة حظر الطيران سيكون منع الطيران السوري من دخول المنطقة، وهو الذي قام مراراً بقصف مواقع للجيش الحر كلما دخل في اشتباكات مع التنظيمات التابعة لتنظيم "القاعدة"، الأمر الذي سمح لـ"داعش" بالنمو بشكل متسارع، كما تعتقد تركيا.
ويوضح المصدر أن تركيا لا تريد أن يتكرر السيناريو نفسه مرة أخرى، وتعتقد أيضاً أن النظام السوري هو الذي أطلق سراح الكثير من المتطرفين الإسلاميين من سجونه بعد بدء الثورة ضده وسمح لهم بتشكيل قوى عسكرية جهادية سلفية أو بالانضمام إلى "داعش" و"جبهة النصرة" من أجل تقديم نفسه للغرب باعتباره أهون الشرّين.
ولا يزال الغطاء القانوني لمنطقة الحظر الجوي مفتوحاً للنقاش، وحتى الآن لا يوجد قرار خاص من الامم المتحدة بهذا الغرض. كذلك، فلم يكن هناك قرار من الأمم المتحدة بشأن منطقة الحظر الجوي فوق العراق عام 1991 أيضاً. وإن كان الموقف الروسي قوي في مساندة النظام السوري، إلا أنه يمكن التفاوض معه في ظل الأزمة الأوكرانية والعقوبات الاقتصادية الغربية التي بدأت بالتأثير بشكل كبير على الاقتصاد الروسي، وهي العقوبات التي أدخلت موسكو في عزلة دبلوماسية.
ويشير المصدر إلى أنه على الرغم من المعارضة الإيرانية والروسية المتوقعة، فإنه لا يستطيع أن يستبعد أو يؤكد قبول الولايات المتحدة بمنطقة حظر الطيران. ويقول إنه "في النهاية، هي عملية مساومة، وكل هذا يتوقف على ما تحصل عليه (الدول المعارضة) في المقابل. إن أخذنا بالاعتبار بأن الحكومة التركية، بعد تمرير المذكرة، أصبحت لديها القدرة على تقديم التزامات سخية لمدة عام كامل".
ويُعتبر موقف الحكومة التركية، في ما يخص منطقة حظر الطيران، إثباتاً آخر على جدية ما أعلنته الحكومة مراراً لجهة أن هدفها الأهم الذي دفعها للمشاركة في التحالف الدولي، إضافة إلى القضاء على خطر "داعش"، هو إسقاط النظام السوري أو الوصول إلى معادلة تدفع الرئيس السوري بشار الأسد إلى التنحي، كما فعل رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، في وقت سابق. إذ إن منطقة حظر الطيران لن تخرج النظام السوري بشكل نهائي خارج التحالف فحسب، بل أيضاً ستضعه ضمن قائمة أهداف التحالف للتخلّص من خطر مضاداته الجوية. ومن ناحية أخرى، فإن الحظر سيفقده كل مصادر قوته على الأرض وهو سلاح الطيران.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!