جلال سلمي - خاص ترك برس

ادعاء المهدية أو الخلاص لتحقيق مآرب سياسية ليست ظاهرة جديدة بل هي ظاهرة قديمة، حسبما يوضح الباحث التركي جنكيز تومار الذي يقول إن فكرة المخلص كانت موجودة في الأديان والمعتقدات التي سبقت الدين الإسلامي، ومع قدوم الدين الإسلامي ازدادت فكرة المخلص رسوخًا مع طرح شأن انتظار المهدي المخلص في آخر الزمان.

وبحسب تومار، فقد ظهرت حركات الخوارج التي تؤمن بثقافة أو معتقد "تمهيد الأرضية لقيام يوم القيامة"، من خلال تطبيق علامات يوم القيامة وفي النهاية إقامة الحرب الفاصلة، وتُعد داعش إحدى المجموعات التي تقوم بذلك وتدّعي أن حرب دابق ستكون الحرب الفاصلة وهي من أبرز الأمثلة على تلك الحركات البعيدة عن العقلانية والمنطق.

يدّعي تومار أن حركة غولن هي أيضًا من الحركات المستندة لفكر المهدي والمخلص بشكل غير عقلاني، مبينًا أن جميع الأديان تحوي فكرة أن الإنسانية ستقع في ظلم وأزمات ومخاطر جسيمة في آخر الزمان، ومن ثم سيأتي المخلص أو المنقذ ليأخذ بيدها نحو الخلاص والسلام، وهذا ما يجعل المجتمعات المتعرضة للظلم والأزمات السياسية والاجتماعية أكثر عُرضة للانخداع بهذه الحركات.

وبالعودة إلى التاريخ، يُشير تومار إلى ظهور هذا المُعتقد لأول مرة في الحضارة السومرية، الحضارة الأولى على وجه المعمورة، وتناقلها البابليون والمصريون، موضحًا أنها امتدت إلى الهندوسية والزردشتية واليهودية والمسيحية، مع اختلافها باختلاف المحددات الثقافية والاجتماعية الخاصة بكل من المعتقدات المذكورة.

وبمعزل عن مصطلحي المهدي والمخلص، يذكر تومار أن بعض الشخصيات ابتكرت مصطلح "مجدد" لإطلاقه على أنفسها أو إطلاقه من قبل الغير عليها، لتكتسب مصداقية أكبر في نظر التابعين، مبينًا أن مصطلح "المجدد" يحمل في ظاهره بعض الاتزان مقارنة بمصطلح "المخلص" أو "المهدي"، ولكن عند النظر إلى الآليات المتبعة من قبل الجماعة أو الحركة نجد أن إطلاق اسم المجدد على شخصية يُكسبها قدسية الشخص الذي يدّعي المهدية أو الخلاص.

البُعد السياسي لفكرة المهدي

تحت العنوان أعلاه، يتطرق تومار إلى الحركات والجماعات التي ترتكز بالأساس على هذا المعتقد للوصول إلى أهدافنا السياسية، موضحًا أن العباسيين أول من روجوا لهذا الفكر بشكل واسع، وذلك من خلال ادعائهم بأن المهدي سيأتي من نسلهم، ليثبتوا بذلك دعائم حكمهم على أنقاض الخلافة الأموية.

وحول أصل ادعاء المهدي داخل الشعب التركي، أكّد تومار أن التاريخ العثماني امتلأ بالحركات والشخصيات التي ادعت المهدية، وقد كان من يدّعي ذلك يواجه عقوبات شديدة في ظل الدولة العثمانية.

ومن الأمثلة على مدعي المهدية في ظل الدولة العثماني شخص يُدعى حسن أفندي ظهر في ناحية "كاشاب" التابعة لمدينة "غيرسون" إبان حكم السلطان عبد الحميد الثاني، وقد تمكن من جمع الكثير من الأتباع المؤمنين به، فأمر السلطان على الفور بإلقاء القبض عليه ونفيه وعائلته ورجاله إلى اليمن.

وفي تركيا الحديثة ظهر الكثير من مُدّعي المهدية، ونجح البعض في إقناع الكثير من النخب حتى على أنهم قريبون من المهدي، وإن لم يعلن هؤلاء أنهم المهديون أو المجددون، فقد تولى أتباعهم إعلان ذلك، وإن عدم اعتراض هذه الشخصيات على إعلان أتباعهم ذلك يدل على ما أضمروه في أنفسهم من رغبة في موازاة هذا اللقب لشخصهم، على حد وصف تومار الذي يقول إن جماعة غولن التي استخدمت فكر المجدد، من أكثر الجماعات الدينية التي ارتكزت على فكر المهدي لتحقيق أهدافها السياسية في السيطرة على تركيا وغيرها من الدول.

وبموازاة ذلك، أوردت صحف تركية، في التاسع عشر من تموز/ يوليو 2016، أن القاضي "إلهان كاراغوز" كان قد أصدر قرار قانوني يعلن من خلاله مهديّة فتح الله غولن وعظمته. وذكرت صحيفة ميلييت أن القرار صدر بتاريخ 4 يوليو من العام الجاري، مشيرةً إلى أن كاراغوز كان يعمل كقاضي لمحكمة الصلح رقم 18 في إسطنبول.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!