ترك برس

في تحول لافت بسياسات الهجرة، بدأت تركيا تقييد منح وتجديد الإقامات قصيرة الأجل، بعد سنوات من التساهل النسبي في هذا النوع من التصاريح. ويأتي هذا التوجه الجديد ضمن إجراءات أوسع للحد من الهجرة غير النظامية وتنظيم وجود الأجانب على أراضيها، ما أدى إلى رفض عدد متزايد من الطلبات، حتى من مقيمين كانوا يجددون تصاريحهم بشكل دوري دون عقبات تُذكر.

 

وفي مقال له على موقع "الجزيرة نت"، سلط الحقوقي التركي دنيز باران، الضوء على التطورات الأخيرة في تركيا بشأن تصاريح الإقامة الممنوحة للأجانب، ومنها أسباب ازدياد رفض موافقة السلطات على منح الإقامات قصيرة الأجل. 

وفيما يلي النص الكامل للمقال:  

بدأت تركيا تشديد سياسات الهجرة على مستوى التشريعات والممارسات الإدارية على حد سواء منذ الانتخابات العامة لسنة 2023؛ وقد استهلت السلطات هذه المرحلة بسلسلة من الإجراءات التي استهدفت في بدايتها الحد من الهجرة غير النظامية، التي أثارت حينها موجة استياء شعبي واسع، لكنها سرعان ما اتسعت لتشمل شرائح أوسع من الأجانب المقيمين في البلاد.

فبعد أن كانت الرقابة تقتصر على غير المسجلين، أو من تجاوزوا مدة الإقامة المصرح بها، باتت تطول أيضًا الأجانب الذين اعتادوا تجديد تصاريح الإقامة قصيرة الأمد بسهولة نسبية. وبذلك، تحوّلت هذه السياسة من معالجة حالات الإقامة غير القانونية إلى نهج أكثر تشددًا، طال أعدادًا كبيرة من المقيمين الملتزمين بالقوانين ممن يحملون وثائق إقامة محدودة المدة. كما شملت التدابير الجديدة العديد من المهاجرين النظاميين، الذين دأبوا على تجديد تصاريحهم القصيرة دون تعقيدات تُذكر.

واليوم، لم تعد الحكومة تكتفي بمكافحة الدخول والإقامة غير القانونيين، بل تسعى أيضًا إلى دفع الأجانب نحو استخراج تصاريح عمل رسمية، والحد من منح الإقامات قصيرة الأجل لغير المبرّرين بإقامة مستمرة واضحة في البلاد.

أسس كثير من الأجانب حياتهم في تركيا على فرضية إمكانية تجديد هذه التصاريح القصيرة بشكل دائم، ومع بدء السلطات رفض تلك الطلبات، وجد عدد منهم أنفسهم فجأة خارج الإطار القانوني. ويعيش اليوم آلاف الأجانب من جنسيات مختلفة في حالة من القلق الدائم في ظل تعدد الحواجز الأمنية في الشوارع، ما يدفعهم إلى المكوث في منازلهم، ويضطر كثيرين منهم إلى العمل بشكل غير رسمي.

لا شك أنه من حق كل دولة تنظيم وضع من يُقيم ويعمل على أراضيها، وتركيا في ذلك لم تحِد عن المعايير المعتمدة في العديد من الدول الأوروبية، ودول الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا. لكن الإشكال يكمن في الوتيرة السريعة لهذا التحوّل، التي لم تمنح الكثيرين الوقت الكافي لتسوية وضعيّاتهم بما يتناسب مع المنظومة الجديدة، وهو أمر وجب الإقرار به.

فرصة جديدة

في ظل هذه التحديات، أعلنت المديرية العامة للهجرة مؤخرًا عن إطلاق مسار استثنائي، يستهدف فئة محددة من الأجانب العاملين في قطاع الخدمات المنزلية، مثل عاملات التنظيف، والمربيات، ومقدّمي الرعاية داخل المنازل. وبموجب هذا الإجراء الخاص، بات بإمكان المنتمين إلى هذه الفئة، ممن يقيمون حاليًّا بطريقة غير قانونية، ويواجهون خطر الترحيل بسبب تجاوز مدة الإقامة والعمل دون تصريح، التقدّم بطلب للحصول على تصريح إقامة قصيرة الأمد، بما يسمح لهم بتسوية أوضاعهم القانونية. ويهدف هذا المسار أيضًا إلى إدماجهم ضمن سوق العمل الرسمي.

هذا المسار، بطبيعة الحال، يترافق مع مجموعة من الالتزامات؛ فهو يهدف بالدرجة الأولى إلى مساعدة الأفراد المعنيين على تصحيح أوضاعهم القانونية، وضمان مزاولة عملهم ضمن الأطر النظامية. ويأتي هذا في وقت يشهد فيه قطاع الخدمات المنزلية في تركيا طلبًا متزايدًا على العمالة الأجنبية، ما يجعل تنظيم أوضاع هذه الفئة خطوة مهمة لتلبية هذا الطلب، وفي نفس الوقت الحد من ظاهرة العمل غير النظامي.

آلية التقديم

لا يتم التقديم ضمن هذه الفئة عبر المنصة الإلكترونية كما هو الحال في طلبات تصاريح الإقامة التقليدية، وإنما يتطلب إجراءات حضورية وورقية. يجب على المتقدّم، أو محامٍ مفوَّض قانونيًّا، إعداد المجموعة الأولى من الوثائق، والتوجّه شخصيًّا إلى مديرية الهجرة، إذ لا يقبل النظام الإلكتروني هذا النوع من الطلبات، ويتعيّن تقديمها يدويًّا في المكتب.

بعد تسليم الملف الأولي، تُحدّد المديرية موعدًا لاحقًا لاستكمال الطلب، ويُطلب من المتقدم الحضور في التاريخ المحدد لتقديم المجموعة الثانية من الوثائق اللازمة لاستكمال إجراءات تصريح الإقامة قصيرة الأمد.

تؤكد مديرية الهجرة أن الأشخاص المتقدمين ضمن هذا الإجراء الخاص لن يتعرضوا للترحيل أثناء زيارتهم، حتى وإن تجاوزوا مدة الإقامة أو عملوا دون تصريح رسمي، وهي مخالفات عادة ما تستوجب الترحيل. مع ذلك، ومن باب الحيطة وتفادي أي احتمال لمعاملة تعسفية، يُنصح من يملك القدرة المالية بتكليف محامٍ للحضور نيابة عنه في الزيارة الأولى.

تتمثل الركيزة الأساسية لهذا البرنامج في وجود صاحب عمل تركي يقدّم الدعم الكامل للطلب، إذ لا يمكن من دونه المضي قدمًا في الإجراءات. ويتعيّن على المشغّل التركي الحضور شخصيًّا في الزيارة الأولى، وكتابة خطاب موقَّع يوضح فيه الحاجة للعامل الأجنبي في مهام منزلية، مثل رعاية الأطفال أو كبار السن أو المساعدة المنزلية، إلى جانب تعهّد موثّق مكوَّن من 13 بندًا، يتحمّل بموجبه مسؤوليات مالية وقانونية واجتماعية، تتعلق بإقامة العامل الأجنبي في تركيا.

كما أن صاحب العمل التركي ملزم قانونيًّا بتقديم طلب تصريح عمل بعد منح الإقامة، وتُعد هذه الخطوة أبرز التزامات البرنامج، إذ لا يكتمل الوضع القانوني للعامل الأجنبي إلا بعد صدور تصريح العمل. ومع أن هذه المتطلبات قد تشكّل عبئًا على بعض أصحاب العمل، فإنها تضمن للعامل حقوقًا عمالية أوسع، وتغطية اجتماعية، ووضعًا قانونيًّا أكثر استقرارًا.

أما الأجانب الراغبين في الاستفادة من هذا المسار الاستثنائي، فعليهم استيفاء شروط أساسية، أبرزها امتلاك جواز سفر ساري الصلاحية لمدة لا تقل عن تسعة أشهر، وأن يكون الدخول الأول إلى تركيا قد تم بطريقة قانونية مع ختم دخول رسمي، وهذا يعني استبعاد من دخلوا البلاد بطرق غير نظامية من التقديم عبر هذا الإجراء.

كلمة ختامية

يمثّل هذا الإجراء فرصة حقيقية للعديد من العاملين والعاملات في قطاع الخدمات المنزلية، الذين يعيشون في ظل ظروف غير قانونية وخوف مستمر. كما يتيح للدولة تنظيم أوضاع المقيمين على أراضيها، ويوفر الحماية للأسر التي تعتمد على هذه العمالة، ويسهم في دمجهم ضمن المنظومة الرسمية التي تكفل التأمين الاجتماعي والحقوق العمالية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!