ترك برس
أشار المؤرخ التركي المرموق كمال كاربات إلى أن السلطان عبد الحميد الثاني حوّل تركيزه بعد عام 1880 من الدولة إلى المجتمع، لا سيما بعد الاحتلال الإنجليزي لمصر والفرنسيين لتونس، وأنه حاول تعزيز التكافل المجتمعي بين المسلمين دون أن يتجاهل غير المسلمين، وذلك بهدف زيادة تماسك المجتمعات المسلمة والتحامها بالدولة تجنبًا لأي عملية استيلاء من قبل الدول الأخرى.
أشار كاربات إلى أن السلطان عبد الحميد حارب التيار القومي التركي الذي ظهر في عهده وقدّم التيار العثماني المُحارب للقومية والمُعزّز للقيم الإسلامية المشتركة، كما أولى الملكية الخاصة اهتمامًا كبيرًا من أجل تقوية انتماء المسلمين وغير المسلمين إلى دولتهم وأرضهم، كما وزّع عددًا من قطع الأراضي التي كانت تُزرع باسم الدولة العثمانية على الفقراء.
فسح السلطان عبد الحميد الثاني المجال لإيجاد وتطوير عدد من المهن مثل ساعي البريد والطبيب والمحامي وغيرها من المدن الحديثة في ذلك الوقت، كما رعى مشروع السكك الحديدية التي كانت تهدف لربط مدن الدولة العثمانية ببعضها.
وذكر كاربات أن السلطان أنشأ مدارس وكليات للبنات، كما فتح مدارس مهنية خاصة بالصم والمكفوفين، وأمر بتفوير فرص عمل لهم في بلاط القصر أو في مؤسسات أخرى.
وأكد المؤرخ التركي أن الإعلام الحديث في الدولة العثمانية وُجِد في عهد السلطان عبد الحميد، فقد كانت هناك صحيفتان فقط قبل توليه الحكم وفي عصره أصبح هناك عدد كبير من الصحف السياسية والثقافية والأدبية، وعلى رأسها صحيفتا "ترجمان الحقيقة" و"إقدام" الأشهر في عصرهما.
كانت الجرائد في عهد السلطان عبد الحميد تتناول ما تريد بكل حرية حسب كاربات، الذي أضاف أن الحرية الفكرية امتدت لتشمل طباعة الكتب أيضًا حيث كان يُنشر سنويًا ألف و500 كتاب فقط قبل قدوم السلطان عبد الحميد، وفي عصره ارتفع هذا الرقم ليصبح 20 ألفًا وأكثر سنويًا.
يصعب وصف السلطان عبد الحميد بأنه ديمقراطي حسب كاربات، ولكن مؤسسات الدولة التركية العسكرية والمدنية والأنظمة الحالية التي تسير عليها هي من موروثات عصره، التي كانت من الأهمية بمكان بحيث أخذها مؤسسو تركيا الحديثة جاهزة وبنوا عليها الجمهورية.
رأى السلطان عبد الحميد نفسه دومًا خليفة للمسلمين، فعمل على توثيق علاقاته مع العشائر العربية المسلمة، وهدد فرنسا وإنجلترا بالحرب المقدسة إذا أقدمت على احتلال أي شبر من تراب الدولة العثمانية، مما دفع الغرب لتشويه صورته بإطلاق ألقاب عليه مثل "السلطان الأحمر" و"السلطان الدكتاتور" تمامًا كما يفعل ضد أي دولة أو رئيس لا يتبنى سياسته.
ومن هذا المنطلق، شدد كاربات على أن وصف الكماليين للسلطان عبد الحميد الثاني بأنه دكتاتوري نابع بشكل كبير من الدعاية الغربية التي انتشرت في عصر عبد الحميد وما زالت موجودة حتى يومنا هذا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!