د. علي حسين باكير - العرب
تشهد علاقات تركيا مع الحكومة المركزية في بغداد توتراً غير مسبوق على الإطلاق، منذ احتلال العراق في العام 2003، وذلك على خلفية التواجد العسكري التركي في شمال البلاد. معسكر بعشيقة المخصص لتدريب عناصر الحشد الوطني (السنية)، الذي تم افتتاحه سابقا بطلب من الجانب العراقي وبمعرفة وزارة الدفاع، أصبح نقطة محورية في الخلاف الدائر بين الجانبين، بالتزامن مع التمهيد لانطلاق معركة الموصل.
وبالرغم من أن هذه المعطيات هي التي تهيمن على الفحوى الرئيسي للأخبار المتعلقة بالخلاف بين الجانبين، إلا أن الأهداف الحقيقية تتوارى خلف هذا المشهد، حيث يسيطر الحرس الثوري الإيراني عملياً على القرار في العراق من خلال السلطة السياسية الشيعية ومن خلال الميليشيات الطائفية المسلحة على الأرض.
معركة الموصل ليست معركة ضد "داعش" فقط، فالتنظيم مجرد شماعة كما يقال، عين النظام الإيراني على أهداف أخرى، إذ من المتوقع أن تترك هذه المعركة حوالي مليون مهجر سني، ومن شأن ذلك أن يساهم في استراتيجية التغيير الديمغرافي للمدن التاريخية التي تتبعها إيران في المنطقة منذ سنوات.
القسم الأكبر من هؤلاء النازحين أو اللاجئين سيذهب إلى إقليم شمال العراق، مما سيزيد الضغط على الوضع السياسي والاقتصادي والأمني الهش في الإقليم، وقد يهدد ذلك موقع البرزاني، وهذا هو الهدف الثاني لنظام الملالي. إذ من المعروف أن طهران تحاول منذ مدة التخلص من البرزاني بوصفه عقبة كبيرة أمام نفوذها للسيطرة الكاملة والحصرية على العراق، فالبرزاني تحدى رجل إيران الأول في العراق نوري المالكي مرارا وتكرارا، كما عمق العلاقة السياسية والاقتصادية والأمنية مع تركيا خلال السنوات الماضية، وهو أمر يتعارض تماما مع الرؤية الإيرانية هناك.
أما الهدف الثالث، فهو زيادة الضغط الأمني على تركيا لناحيتين، الأولى تتعلق بالعراق، إذ أن جزءاً كبيراً من اللاجئين العراقيين سيتوجه إلى الحدود التركية، وهذا سيخلق مشكلة للجانب التركي الذي يسعى مؤخرا للسيطرة على الحدود بعد أن استفاد حزب العمال الكردستاني وداعش من هذا الوضع لتنفيذ هجمات إرهابية داخل تركيا هي الأكبر من نوعها على الإطلاق، كما أن وصول الحشد الشعبي إلى شمال العراق سيكون مستقبلا بمثابة سيف مسلط على رقبة الإقليم وعلى المصالح التركية هناك.
أما الثانية، فهي تتعلق بتنظيم داعش في سوريا، معركة الموصل هذه ستدفع مقاتلي داعش للانتقال إلى سوريا، خاصة أن هناك معلومات تقول أنه سيتم تسهيل انتقالهم عبر ترك ممر آمن لهم عند شن الهجوم عليهم. سيعقد هذا الأمر من العملية العسكرية التركية في شمال سوريا، إذ من المتوقع أن ينتقل هؤلاء إلى الرقة معقل التنظيم، وهي المنطقة التي تنتظرها أيضا معركة مؤجلة أعلن الجانب التركي استعداده للمشاركة فيها، في الوقت الذي سيتم استغلال ذلك من قبل النظام الإيراني وحلفائه في سوريا للتركيز على هزيمة المعارضة السورية عسكرياً، سيما وأن الانتهاء من معركة الموصل سيحرر أعدادا ضخمة من مقاتلي الميليشيات الشيعية العراقية يقدر عددهم بـ80 ألفا، جزء كبير منهم سيتوجه للانضمام إلى الميليشيات الشيعية التي تقاتل المعارضة في سوريا.
تحقق مثل هذا السيناريو سيعمل على عزل تركيا شمالاً عن جيرانها في الجنوب، سواءً داخل سوريا والعراق أو في المحبط الجغرافي الأوسع في المنطقة، ولهذا السبب بالتحديد نشهد لغة تركية غير مسبوقة في الخطاب السياسي تجاه الأزمة الحالية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس