جلال سلمي - خاص ترك برس
انطلقت عملية درع الفرات العسكرية التركية صوب جرابلس السورية في الرابع والعشرين من آب/ أغسطس الماضي، ولم تلبث تركيا حتى عبرت، على لسان رئيسها الذي يعتبر القائد الأعلى للقوات المسلحة "رجب طيب أردوغان"، عن إصرارها على الانخراط في عملية تحرير الموصل، لتطرأ على السياسة الخارجية التركية عدة مسارات جديدة تتسم بالصبغة الأمنية الوقائية الاستباقية.
وفي ضوء اطلاعي على آراء بعض الخبراء السياسيين والباحثين في الشأن التركي، تبين لي أن السياسة الخارجية بدأت فعلًا بالاتجاه نحو السياسات الأمنية الوقائية، ومن الأمثلة على هذه الآراء، رأي الخبير السياسي التركي "سولي أوزال" الذي أوضح أن إيلاء تركيا قرارتها الخارجية أهمية مثالية أكثر من الأهمية الواقعية أوقعها في عدد من المآزق، مبينًا أن هذا هو السبب الرئيس في إفشال التحرك التركي في سوريا، فبدلًا من اتباع السياسة الإنسانية وسياسة التوقع المطلق في سقوط الأسد كان يمكن اتباع سياسة توازن ما بين الإنسانية والأمنية من خلال الإبقاء على اتصال دبلوماسي مع الأسد إلى جانب الاستمرار في تقديم الدعم الإنساني، ولو تم تطبيق هذه السياسة لضمنت تركيا مسارها الاستراتيجي في العلاقات مع نظام الأسد ولأصبحت لديها قدرة أكبر على تقديم مساعدات إنسانية للمناطق المحاصرة مع التنسيق مع نظام الأسد.
وأشار أوزال إلى أن تركيا بدأت بخط مسار أمني واقعي جديد نتيجة فشلها على صعيد السياسة الإنسانية التي تسببت في مآسي إنسانية وليس العكس، منوّهًا إلى أن استبطان القيادة التركية لعدم نجاعة هذه السياسة التي نتج عن تفاقم واسع في عدة مجالات دفعها لإعادة تقييم مسارات سياستها الخارجية المتسمة بالتحرك الواقعي الأمني الغير متغاضي للعنصر الإنساني.
أيضًا وافقني الخبير السياسي "جان أجون" الرأي في وجود توجهات جديدة للسياسة الخارجية التركية، مؤكّداً أن تركيا تأخرت في تغيير مسارها السياسي الخارجي نظرًا لعدم جهوزية جبهتها الداخلية، ولكن بعد القضاء على تغلغل جماعة غولن عادت أجهزة الدولة للعمل بفعالية، الأمر الذي مكن القيادة التركية من الركون إليها بشكل مطمئن للتحرك نحو مناطق التهديد في الشرق الأوسط.
وأوضح أجون أن الموقع الجغرافي السياسي القوي لتركيا أثبت للدول الفاعلة في سوريا، أنها لا تستطيع إجراء تحركات حاسمة بدون مد تركيا يد المساندة، وقد ظهر ذلك عقب التوافق التركي الروسي الذي دعّم من فتح روسيا لتركيا المجال في التحرك وأثر على المسار التقليدي للسياسة الخارجية التركية.
وأضاف أن التهديدات الاستراتيجية التي طفت على السطح من خلال تأسيس كيان كردي في شمال سوريا إلى جانب سعي إيران السيطرة على آخر معقل سني متاخم لتركيا ألا وهو الموصل، دفعت تركيا لرمي ثياب التحرك الحذر جانبًا وألبستها رداء التحرك الاستباقي الذي يمنع إيران من السيطرة على الموصل.
ومن جهته، رأى الباحث في العلاقات الدولية "محمد حامد" أن هناك تغيّرات واضحة في مسار السياسة الخارجية، موضحًا أن هذا التغيّر جاء للحفاظ على صورة تركيا الدبلوماسية والناعمة أمام الرأي العام المحلي والإقليمي، فالتطورات الجارية تضر كثيرًا بالمكون الديمغرافي العرقي والديني لمواطنين المنطقة، وإلى جانب الضرر الذي قد تتعرض له تركيا جراء هذا التهديد، فإن التعويل الشعبي على تركيا كان له أثره الواضح في دفعها إلى تغيير مسارها السياسي الخارجي.
وفي إطار ذلك، أشار المحلل السياسي "ماجد عزام"، عبر مقاله "قراءة في الموقف التركي من معركة الموصل" المنشور عبر الموقع الإلكتروني لقناة أورينت، إلى أن التجربة التركية الناجحة في عملية "درع الفرات" عززت من ثقة القيادة التركية بنفسها، الأمر الذي دفعها للانطلاق بقوّة نحو إملاء الشروط فيما يتعلق بالأزمتين السورية والعراقية، موضحاً أن المسار الحالي للسياسة الخارجية التركية يعتمد على مبدأ التحرك الوقائي الاستباقي وسياسة الواقعية الأمنية.
ومن جانبها، أوضحت الصحفية والباحثة في الشأن التركي "إيبيك ياووز" أن السياسة الدفاعية لم تمنح تركيا الأمن والاستقرار المطلوبين، بل تعرضت تركيا لعدد كبير من الهجمات الإرهابية، فضلًا عن الخطر الاستراتيجي الذي تعرضت له في إعلان حزب العمال الكردستاني لإقليم ذاتي في المدن الشرقية والجنوب شرقية، وقد كان تفضيل تركيا لسياسة حماية الحدود من الداخل السبب الرئيسي في تلك التهديدات، حيث لم تتحرك تركيا في الوقت المناسب لإجهاض محاولات تأسيس كيان كردي في سوريا، بل وساهمت بشكل غير مباشر في ذلك من خلال تقديم المساعدة اللوجستية لعملية تحرير كوباني "عين العرب" إلى جانب عدم قيام استخباراتها في محاربة حزب الاتحاد الديمقراطي قبل أن تصبح لديه هذه القوة الضخمة.
وأخيرًا وفي ضوء التصريحات أعلاه، أرى أن التوافق التركي الروسي وما تبعه من سياسات توافقية اتحادية قامت بها تركيا مع عدة دول، كإسرائيل وبعض الدول العربية، هي العامل الأساسي في حدوث ميلاد جديد لمسار السياسية الخارجية التركية التي تحولت من دفاعية إلى هجومية وقائية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس